العلاج النفسي بديل الأدوية… والبيئة حاضنة لزيادة الأمراض!

راما الجراح

“موعد زيارتي الأولى إلى المستوصف كان منذ يومين مع أحد الأطباء النفسيين، عشرات الحالات كانت في الانتظار، وكأنه طابور مرضى، المريح في الأمر أن كشفية الطبيب مجانية، ولكن بطبيعة الحال علاج من دون دواء لا ينفع كما يجب، فأنا طالب جامعي وموظف في الوقت نفسه ومسؤول عن عائلتي، لذلك تخليت عن دوائي بعدما حددت أولوياتي على الرغم من أنني في أمس الحاجة إلى الدواء ولكن هناك ما هو أهم مني”، بهذه الكلمات عبّر سيف وهو أحد المرضى النفسسين، عن صعوبة حالته. طبعاً هو واحد من بين لبنانيين كُثر يعانون من المشكلة نفسها، واستبدلوا أدويتهم بجلسات العلاج النفسي.

أطباء النفس “معجوقون”، الاقبال على العلاج النفسي غير مسبوق، فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية لم تترك شيئاً على حاله في لبنان، لا حجراً ولا بشراً. المفارقة هذه المرة أن الاقبال ليس على العيادات، بل على المستوصفات، لأن معاينة الطبيب النفسي أصبحت توازي راتب شخص، أما في المستوصفات فمجانية. أعداد كبيرة أمام غرف الأطباء، والمئات على الـ”Waiting list”.

أكدت المعالجة النفسية والخبيرة المحلفة في المحاكم اللبنانية غادة الهواري في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “إقبال الناس على العلاج النفسي ارتفع بصورة غير مسبوقة وخصوصاً حالات نوبات الهلع (Panic Attack)، وعادة كنا نراها عند الفئة الشابة فقط ولكن اليوم هناك أشخاص (رجال ونساء) من عمر ٤٠ سنة وما فوق أصبحوا يعانون من هذه الحالة وبصورة مبالغ فيها. واللافت أن الاقبال ليس على العيادات النفسية، لأن التكلفة أغلى، من الكشفية، إلى أجرة الطريق (تاكسي أو باص)، وأسعار البنزين، كلها أعباء زائدة، لذلك الاقبال اليوم على المستوصفات لأن المعاينة مجانية”.

وأشارت الى أن “هناك ضغطاً كبيراً علينا، والأعداد فوق الطبيعة، فخلال شهرين فقط، عاينت ٥٧ مريضاً وعلى لائحة الانتظار هناك أكثر من ١٥٠ آخرين، وإذا كان هذا العدد موجوداً عند كل معالج أو طبيب نفسي فهذا يعني أننا في وضع كارثي جداً، اذ أن غالبية الناس التي كانت تأخذ أدوية أعصاب وأصبح سعرها يفوق المليوني ليرة، تخلت عنها، واستبدلت الدواء بجلسات نفسية، وهذا يؤثر سلباً على الدماغ، لأنها أخذت أمراً مفاجئاً بتوقيف هذه المادة المهدئة والمفرحة، فعندما يريد الشخص التخلي عن أي نوع من أدوية الأعصاب يقوم بذلك تدريجياً وليس بصورة مفاجئة، ولكن الأسواً من كل ذلك أننا نعيش أساساً في بيئة غير مساعدة للعلاج، بل حاضنة لزيادة الأمراض النفسية”.

أما الخبيرة في علم الاجتماع هنادي زعرور فرأت أن “ما يحصل كارثي، والكارثة تكبر يوماً بعد يوم بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية علينا، وعجز المواطنين أكثر عن تأمين حاجاتهم من أدوية، غذاء، مواصلات، كهرباء، وغيرها من أساسيات الحياة، وللأسف لا يوجد مسؤول عاقل في دولتنا يطبق واجباته ويسعى الى مصلحة الناس”، معتبرة أن “هذا الاقبال على العلاج النفسي طبيعي، والأعداد ستتزايد أكثر في الأيام المقبلة، وأخشى من إرتفاع في أعداد حالات الانتحار بعد وصول سعر الدولار إلى ما فوق الـ ١٠٠ ألف ليرة من دون وجود أي حل قريب”.

اللجوء إلى الطبيب النفسي أصبح من أساسيات حياة اللبناني، فبعدما كانت العيادات شبه خالية من المرضى، أصبحت الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً اليوم، بدءاً من اضطراب القلق والكآبة، إلى الهلع والخوف الشديد واضطراب المزاج والنوم وحتى الانفصام، وغيرها الكثير من الأمراض التي تنتشر في مجتمعات الأزمات.

شارك المقال