عشوائيات طرابلس تُكرّس الشقاء… والموت!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يمرّ يوم على أم طلال إلا وتشتكي فيه من انتشار البسطات العشوائية أمام المبنى الذي تقطن فيه في الزاهرية، إذْ تكثر العربات التي تبيع الخضار والفاكهة، وأحياناً المشروبات عند أولى ساعات الصباح، وتزداد بصورة واضحة منذ ساعات الظهر وصولاً إلى المغرب، الأمر الذي دفع هذه السيّدة التي يظهر على ملامحها الغضب والعتب لما وصل اليه الوضع في المنطقة، إلى رفع صوتها ولجوئها أحياناً إلى الصراخ على أصحاب هذه العربات، من شرفة منزلها الذي يقع في الطبقة الأولى، وذلك بسبب حجم العشوائية التي كانت غائبة عن محيطها وبرزت بوضوح في الأشهر القليلة الماضية.

في الواقع، تُواجه منطقة الزاهرية فعلياً كارثة “بلدية” لا يُمكن التغاضي عن تداعياتها، فمن يمرّ بسيارته في هذه المنطقة وتحديداً عند بولفوار الزاهرية مقابل “جامعة العزم”، يرصد مباشرة نسبة مخالفات فاضحة لا يُمكن أن تمرّ مرور الكرام.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، يُطالب الكثير من الأهالي بإزالة هذه التعدّيات التي أدّت إلى نتيجتين: الأولى، إحداث زحمة سير خانقة بسبب تعدّي هذه البسطات على طريق أساس كان يُكرّس لمرور سيارتين فقط، أمّا اليوم وفي ظلّ انتشار هذه المخالفات من دون حسيب أو رقيب، فلا يكفي الطريق حتّى لمرور سيارة واحدة، خصوصاً حين تتمهل السيارات أو تتوقف أيضاً بصورة عشوائية لشراء البضاعة. كما تتضاعف هذه الزحمة مع خروج الطلاب من “مدرسة العزم”، الأمر الذي يشلّ المنطقة كلياً لعدم التمكن من ركن السيارات في أيّ مكان نتيجة الازدحام، الأمر الذي يُحدث ضجة كبيرة من حيث عدد السيارات أوّلاً، وكثرة “الزمامير” ثانياً، ما يُشير إلى تضاعف حجم الفوضى في المنطقة كما غيرها من المناطق التي باتت مزدحمة خلافاً لطبيعتها السابقة.

أما النتيجة الثانية، فهي وقوع حوادث سير عدّة في هذه الظروف التي يتجاوز فيها البعض القانون والمنطق بحجّة تأمين لقمة العيش، خصوصاً وأنّ المعطيات تُشير إلى أنّ “هذه البسطات التي غالباً ما يقودها نازح سوري، وكانت تُراقبها بلدية طرابلس سابقاً وتحدّ من انتشارها، تدفع خوات إلى معنيين أو (الزعران) التابعين لأحد السياسيين والذين يسمحون لها بالانتشار والتواجد من دون تحرّك رسميّ يُذكر، ولن يتحرّك عنصر واحد إلّا بعد إعطائه الضوء الأخضر وإزالة الغطاء عنها، ما يعني أنّ البعض يستغل غياب تنفيذ القانون أخيراً ليفرض شريعته الخاصّة”.

ليست الزاهرية وحدها من تُعاني من هذه الظاهرة، إذْ تمتدّ هذه البسطات من نهر أبو علي، مروراً بالتبانة، الملولة، البداوي، وصولاً إلى المنية حيث تنتشر العربات على الطريق الأيمن وتُشكّل خطورة بالغة على البائعين من جهة، والسائقين الذين عادة ما يتوقّفون فجأة وبصورة صادمة من جهة ثانية، ما قد يُؤدي الى حوادث سير مروّعة إنْ لم يتمّ تدارك هذه الظاهرة سريعاً. 

الشاحنات والسيارات

كما لا تقتصر ظاهرة العشوائية على البسطات فحسب، اذ لا يخفى على أحد حجم خطورة عملية ركن السيارات والشاحنات على الطريق بطريقة غير قانونية، فإذا كانت العناصر الأمنية تحركت منذ فترة وجيزة لتسطير محاضر ضبط في شوارع معيّنة في المدينة، الا أنه كان الأجدى بها أن تتحرّك لملاحقة بعض الشركات التي تركن شاحناتها بطريقة عشوائية، وهذا ما أدّى منذ أيّام إلى وقوع حادث سير مروّع فجراً عند طريق المئتين مقابل أفران “لبنان الأخضر”، أوقع ضحيتين وجرحى، أحد الناجين منهم وهو خالد ناصر يحتاج إلى عملية لمعالجته من كسور عدّة، تصل تكلفتها إلى 15 ألف دولار وفق متابعين أكّدوا أنّ المستشفى كان طالب بدفع 5 آلاف دولار للصندوق كخطوة أوّلية، للبدء بالعمليات الضرورية والعاجلة وإلّا سيفقد المصاب حياته.

وعن هذه الحادثة التي ضربت المدينة نتيجة الصدمة التي أحدثتها، نظراً الى السيرة الحسنة التي يتمتّع بها الشابان القتيلان وهما في ربيع العمر، تُشير مصادر لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ “الشاحنة التي اصطدمت بها سيارة الـ بي ام (التي كان يقودها الشبان محاولين الابتعاد عن سيارة البيجو التي اصطدموا بها أوّلاً)، تابعة لاحدى الشركات الموجودة في منطقة المحجر الصحي، وقد لاحظ وجودها عدد من المتابعين منذ فترة قصيرة وكانوا تحدّثوا عن خطورة ركنها عند مفرق الفرن، (أيّ أنّها موجودة على الطريق وبالقرب من المفرق حيث تدخل السيارات إلى الفرن وتخرج منه)، ونتيجة السرعة كما ظهور سيارة البيجو بصورة مفاجئة في الطريق حصلت عملية الاصطدام، أي فقد الشاب القدرة على التحكّم بالسيارة التي اصطدمت بالسيارة الأولى أوّلاً، ثمّ لم يتمكّن من الهروب من الشاحنة القريبة جداً من مكان الحادثة والتي فوجئ بوجودها بالتأكيد، الأمر الذي أدّى إلى وقوع كارثة مرورية ناتجة عن الاهمال”.

في السياق، ليست خافية أيضاً العشوائية التي يُحدثها الانتشار “الرهيب” للدراجات النارية في طرابلس، والتي تظهر بصورة مفاجئة أمام السيارات وقد لا يتمكّن سائق السيارة من رؤية صاحب الدراجة فيصطدم بها، خصوصاً وأنّها في الكثير من الأحيان تبقى قريبة من السيارة التي تميل يميناً ويساراً (حسب الحفر التي تظهر أمامها أو العوائق المختلفة وربما بسبب تلهي السائق بالخلوي)، إلى درجة الالتصاق الأمر الذي يُؤدّي إلى وقوع مشكلات فردية عدّة على الطرق لا سيما طرقات التبانة، مفرق المئتين مروراً بالزاهرية، وهي تُعوق حركة السير بوضوح.

البناء

في الواقع، تغيب مناطق كثيرة عن عين الدولة في طرابلس التي يغرق أبناؤها في الحرمان والعوز، ما يُفسر العشوائية الموجودة والتي تتمثل أيضاً في تجاوزات عقارية تدفع البعض إلى زيادة طبقة إضافية على المبنى أو طبقتين، سطح من هنا، شرفة إضافية من هناك على حساب العقار الأساس بعيداً عن الطرق القانونية والهندسية الصائبة.

ومع الخوف المتصاعد من احتمال وقوع هزات أرضية، يخشى البعض من هذه العقارات الموجودة مثلاً في القبة، وادي النحلة، باب الحديد، المنكوبين وغيرها من الأحياء الشعبية، والتي تزيد من مشكلة غياب التنظيم المدني التي تظهر جلياً في المناطق الفقيرة عبر نماذج مختلفة لا ترتبط بأبسط مقوّمات العيش الكريم والسكن اللائق.

شارك المقال