أطايب رمضان (١): الفتوش عرس الخضروات وشوربة العدس لحم الفقراء

زياد سامي عيتاني

شهر رمضان المبارك إلى جانب كونه شهر صوم وعبادة، فإنه أيضاً شهر ينعم فيه الانسان بالخيرات في مأكله ومشربه بعد نهار الصوم الطويل. إلا أنه يحل هذا العام بغصة وحسرة، على وقع الغلاء الجنوني للأسعار والأزمات المعيشية والمالية الخانقة التي انعكست على مأدبة رمضان وأطباقه بعد أن سجل مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعات قياسية وصلت إلى حدود 9 آلاف في المئة بحسب إدارة الاحصاء المركزي.

وعلى الرغم من هذه الظروف المعيشية الصعبة، يقول المثل “الله بيطرح البركة بسفرة رمضان”، لذلك يتحدى الصائمون الصعوبات بعزيمة وإيمان، من خلال تعاضدهم والوقوف إلى جانب بعضهم البعض، حتى إذا ما حان وقت الافطار تكون المأدبة قد جهزت.

وبمعزل عن الفوارق الاجتماعية، فإن طبقي الفتوش وشوربة العدس، هما من ثوابت المأدبة الرمضانية، عند كل الناس. ولكل من الطبقين حكايات إرتبطت بهما، سنعرضها للتعريف بأصل كل منهما:

الفتوش:

عرس الخضروات ومهرجانها يتجمع في طبق واحد هو الفتوش الذي يزيّن مائدة رمضان بمكوناته التي تضم باقة غنية ومتنوعة من الخضار الشهية والطازجة التي تزهر وتثمر في كل المواسم، فيضفي رونقاً ولا أجمل سواء لجهة نكهته اللذيذة أو لجهة ألوان الخضروات المقطعة الزاهية فكأنه حديقة مصغرة على المائدة.

والفتوش هو السلطة اللبنانية بامتياز، لأنها إنطلقت من المطبخ اللبناني وإرتبطت باسمه، لتشتهر بها بعد ذلك سائر المطابخ العربية على الاطلاق، لا سيما في سوريا والأردن وفلسطين.

وشهر رمضان المبارك أكسب الفتوش شهرة واسعة لا تُضاهيها شهرة أي نوع من السلطات، لأنه الطبق اليومي على موائد الافطار. فخلال فترة الصوم والامتناع المؤقت عن الطعام يحتاج الجسم إلى نظام غذائي سليم يعتمد بالدرجة الأولى على الخضروات الغنية بالألياف والفيتامينات والأملاح المعدنية، وهذا ما يتوافر بكثرة في صحن الفتوش، الذي يتمتع بفوائد غذائية عديدة، بحيث صُنّف بأنه صيدلية طبيعية.

يتألف الفتوش من الخس والخيار والبندورة والنعناع والبقلة والبقدونس والفجل والفليفلة الخضراء والبصل الأخضر والزعتر الأخضر، ويُضاف إليه السماق وعصير الحامض ودبس الرمان والثوم والملح والبهار وزيت الزيتون والخبز المحمص أو المقلي.

وهناك حكايتان شعبيتان عن سبب تسمية هذا النوع من السلطة بـ”الفتوش”:

الحكاية الأولى تُرجع أصل الكلمة إلى “فت وشوف”، أي يتم تفتيت الخضار والخبز إلى قطع صغيرة، وعندما يُصبح جاهزاً تبعث مشاهدة ألوان مكوناته الزاهية الاستلطاف لناظره، فسُمّي “فت وشوف”، ومع مرور الزمن صارت تُلفظ “فتوش”.

أما الحكاية الثانية فتُعيد التسمية إلى أن أصول تحضير الفتوش يقتضي تقطيع الخضار الى أحجام صغيرة جداً وعندما تُمزج في الطبق تضيع هوية الأصناف فيحتاج كل من يتذوقه الى أن يفتش عن كل قطعة في حال أراد التمييز بين المكونات، فأُطلق عليه تسمية “فتوش” بمعنى التفتيش.

وكان أهل بيروت وطرابلس قديماً يسمون الفتوش “زريقة”، وذلك لغلبة اللون الأزرق أي الأخضر عليه.

شوربة العدس:

“يللي بيعرف، بيعرف… ويللي ما بيعرف، بيقول كف عدس”. في التراث البيروتي، العدس هو “لحم الفقراء”، كما يرد في الأقوال الشعبية. ومرد ذلك المثل متوارث من أيام الشح والمجاعة التي عانت منها بيروت إبان الحرب العالمية، مقرونة بندرة كل أصناف الطعام إلا النذر اليسير من الحنطة والبقوليات، وهذا ما دفع أبناء ذلك الجيل إلى توصيف العدس بأنه “مسامير الركب”.

بهذه المعلومة، مهدنا للحديث عن شوربة العدس، فمن بين عشرات الأطباق التي تزدان بها المائدة الرمضانية، تعتبر الشوربة بأنواعها المختلفة سيدة الأطباق التي يقبل عليها الصائم ساعة الافطار، وعلى وجه التحديد شوربة العدس، لتأتي ملائمة مع حاجاته الى شراب ساخن غني بقيمته الغذائية ولا يمثل ضغطاً على المعدة.

وتاريخ شوربة العدس يعود إلى العهود المصرية القديمة، بحيث لا تزال الجدات والأمهات المصريات يحرصن على إعدادها والنصح بفوائدها الجمة. فتشير الدراسات التاريخية إلى أن الفراعنة هم من أوائل شعوب الأرض التي تعرفت على حبوب العدس وكيفية إستخدامها في طعامهم. وقيل إنه كان يطلق عليه “الأدس” طبقاً للغة الهيروغليفية.

ويكتسب العدس أهمية خاصة في فئة البقوليات التي عرفها الفراعنة لقيمتها الغذائية العالية. وقد ورد اسمه في القرآن، في قصة بني إسرائيل مع نبي الله موسى. بينما ورد في العهد القديم أنه طعام أيام القحط والحزن والألم، في حين اعتبره الرومان من أغذية الطبقات الوضيعة جداً، يأكله الفقراء والراغبون في التقشف وترك متاع الدنيا من الطعام.

تبقى الاشارة إلى أن كلمة شوربة فارسية وتعني الحساء والمرق، أما بالعربية فالحساء حسب قاموس المنجد، هو السهل من الأرض الذي يستنقع فيه الماء. ويقال في العربية إن الحساء أيضاً هو ما يمكن تناوله كشراب وبمعنى أن من يحتسي هو من يشرب.

في الختام، علينا أن نتذكر وصف أمير الشعراء أحمد شوقي لشهر رمضان بقوله: “حرمان مشروع، وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، ظاهره المشقة، وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر ويعلم الصبر، حتى إذا جاع من تعود الشبع، ورحم المترف ألوان المتع، عرف الحرمان كيف يقع وألم الجوع إذا لذع”.

إقرأ الجزء الثاني: أطايب رمضان (2): الحدف (البقلاوة الزغلولية) تاج الحلويات البيروتية

شارك المقال