الفصح وطقوسه: البيض للحياة والأرنب للخصوبة والمعمول لقبر المسيح

زياد سامي عيتاني

أحد الفصح، هو يوم انتصار الحياة على الموت وقيامة المسيح من بين الأموات، وتحتفل الكنائس بطقوس هذه الذكرى عند منتصف الليل، حيث يتوافد المؤمنون إلى الكنائس ويتبادلون تحية العيد الخاصة “المسيح قام.. حقاً قام”.

يعتبر عيد الفصح أو كما يسمّيه آخرون عيد القيامة واحداً من أهم الأعياد الدينيّة لدى المسيحيين، وهو احتفال بذكرى “قيامة المسيح”، حسب العهد الجديد لكتاب المسيحيين المقدس، والتي يُعتقد أنها حصلت بعد 3 أيام من صلبه من قبل الرومان.

ويطلق على الفصح أيضاً العيد الكبير لكونه أكبر الأعياد عند المسيحيين ولتميزه عن العيد الصغير، أي عيد الميلاد المجيد. ويحتفلون به في اليوم الذي ينتهي فيه الصوم الكبير الذي يمتد 40 يوماً، كما ينتهي فيه أسبوع الآلام. فعيد الفصح كمناسبة دينية إمتزجت عبر العصور بعادات وطقوس إختلفت بحسب تاريخ كل بلد وعاداته.

متى يُحتفل بعيد الفصح؟:

يصادف عيد الفصح يوم الأحد، بعد أول إكتمالٍ للقمر الكنسي (الذي يوافق القمر الفلكي إلى حد ما) بعد الاعتدال الربيعي (الذي يوافق يوم 21 آذار) في نصف الكرة الشمالي، عندما تكون الشمس متعامدة كلياً على خط الاستواء، ويتساوى حينها الليل والنهار تقريباً.

بينما في الوقت الحالي يحدد عيد الفصح لدى الكنائس الغربية بين يومي 22 آذار و25 نيسان، ولدى الكنائس الشرقية بين يومي 4 نيسان و8 أيار.

لم تنتهِ المشكلات المتعلقة بحساب تاريخ عيد الفصح كونَ مجمع نيقية الأول حدد الاطار الزمني للمناسبة، وليس طريقة الحساب. لذا، اندلعت الخلافات بشأن أي أيام الآحاد التي ينبغي الاحتفال فيها نظراً الى الوسائل المختلفة للحساب المرتبطة بتقويمات المبشرين المسيحيين الرومان والايرلنديين السائدة في ممالك نورثمبريا في إنكلترا في ذلك الوقت، وهو ما تسبب بالاحتفال بعيد الفصح مرتين (بعدما أنشأ كل تقويم جداول حسابية – عرفت باسم Computus – على أمل تحديد تاريخ عيد الفصح بطريقة صحيحة ودقيقة). 

وسعى أوزوي، ملك نورثمبريا (654 – 670م)، إلى حل مشكلة هذا الاختلاف ضمن جهوده للقضاء على أي انقسامات أخرى في مملكته. ودعا كل قادة الكنيسة والنبلاء عام 664م إلى الدير في سترين شالش بمدينة ويتبي، تحت رعاية القديسة هيلدا مسؤولة الدير في ذلك الوقت. وفضّلت غالبية حاضري اجتماع ويتبي، مثلما أصبح معروفاً بعد ذلك، الحسابات الرومانية لعيد الفصح.

لكن التعقيدات لم تنته عند ذلك الحد بكل تأكيد، إلا أن هذا الاجتماع توصل إلى نوع من الإجماع، وأصبح الاحتفال بعيد الفصح يُعقد أول يوم أحد، عقب اكتمال القمر (البدر التام) أثناء الاعتدال الربيعي أو بعده.

إرتباط الفصح بالسيد المسيح:

كان العشاء الأخير هو الوجبة الأخيرة التي تقاسمها يسوع مع تلاميذه قبل صَلبه، عندما قدَّم الخبز على أنه جسده، وكأس النبيذ على أنها دمه، وذلك في اليوم الذي يُعرف حالياً باسم خميس العهد (Maundy Thursday) المشتقة من كلمة (commandment) اللاتينية التي تعني الوصية، إشارةً إلى الوصية التي ألقاها يسوع المسيح على تلاميذه أثناء هذا العشاء.

وتنص أناجيل العهد الجديد على أن المسيح أقام العشاء الأخير، وصُلب في جُلجُثة بمدينة القدس (في الجمعة العظيمة أو جمعة الآلام “Good Friday” المشتقة من كلمة “guode” الانكليزية القديمة التي تعني “مُقدَّس”. وبُعث بعد ثلاثة أيام من القبر الذي دُفن فيه (يوم أحد القيامة)، وذلك أثناء التحضير للاحتفال بعيد الفصح اليهودي. فيما تُظهر الأناجيل الإزائية (أناجيل متّى ومرقص ولوقا) العشاء الأخير بوصفه عشاءً فصحياً (عشاءً شعائرياً يهودياً)، على الرغم من أن بعض النصوص مفقودة على ما يبدو.

لذلك، كان يُنظر إلى المسيح على أنه الفصح الجديد، وأصبح الاحتفال بقيامته أول عيد مسيحي. وفي مقابل ذلك، كان عيد الفصح يُشار إليه باسم شهر الفصح نسبة الى المسيح، الذي ذُبح فداءً للبشرية.

وكغيره من الأعياد، تُرافق الاحتفالات بعيد الفصح تقاليد وطقوس شعبية إمتزجت مع الجوانب الدينية للمناسبة لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الاحتفالية بالفصح، حتى أصبح يرمز إليه بالبيض والأرنب والمعمول. فعيد الفصح كمناسبة دينية إمتزجت عبر العصور بعادات وطقوس إختلفت بحسب تاريخ كل بلد وعاداته.

البيض رمز الحياة:

إرتبط الاحتفال بعيد الفصح في التقاليد الشعبية بالبيض رمزاً لعودة الحياة إلى الطبيعة في فصل الربيع، حيث أن الأمراء والملوك المسيحيين كانوا يوزعون البيض على الفقراء أثناء موسم الفصح. والعادة أن تتم عملية سلق البيض قبل تفقيسه. والتفسير الشعبي له هو أنه عند فتح البيضة بعد كسرها يظهر أولاً اللون الأبيض، وهو يرمز إلى النور الأبيض المنبعث من قبر السيد المسيح عند حدوث القيامة.

– تلوين البيض:

وتلوين البيض في عيد الفصح له قصة حقيقية حصلت بعد قيام السيد المسيح عليه السلام، وذاع الخبر وبدأ بالانتشار وكانت إمرأة تبشر بقيامته ورأت إمرأة أخرى تحمل بيدها سلة مملوءة بالبيض فقالت لها: “المسيح قام”، فأجابت: “لا أصدق هذا غير مقبول!”. فقالت المبشرة: “صدقيني إنه المسيح قام”. فردت صاحبة السلة: “لو أن هذا البيض الذي في هذه السلة، أصبح كل ما فيها لوناً مختلفاً أصدقك”، وما أن نظرت إلى السلة، حتى وجدت كل بيضة لوناً. فدهشت جداً وقالت: “حقاً لقد قام المسيح”.

وعادة تزيين البيض ورمزيته قديمة جداً أيضاً للاحتفال بالربيع وعودة الخصوبة، إذ عثر على بقايا بيض مزخرف في قبور تعود إلى فترة ما قبل إنتشار المسيحية.

من هنا جاء طقس سلق البيض وتلوينه بألوان عديدة، فمثلاً، قديماً كانوا يضعون في الماء الذي يحتوي البيض قشور بصل أو كمية من الشاي. ومنهم من كان يضع مع البيض أوراق نبتة “الصفير” أو “الصفار” فيتخذ البيض اللون الذي يتلاءم مع ما وضع في الماء. أما حديثاً، فيقوم الناس بشراء الأصباغ الجاهزة بألوان مختلفة في أوعية عدة لسلق البيض.

– البيض المذهب:

وإختلفت العادات في تزيين البيض ونقشه من منطقة الى أخرى، ولكن الألوان الزاهية والمزخرفة كانت القاسم المشترك بين الجميع. وكان يزين برقائق من الذهب عند الأغنياء. وعرفت روسيا في أيام القياصرة صناعة بيض الفصح، مصنوعاً من المجوهرات والأحجار الكريمة، وفي داخلها أعمال فنية صغيرة صنعت خصيصاً للقياصرة وعائلاتهم .

وقد إنتشرت موضة البيض المصنوع من الذهب في أوروبا وروسيا في القرن الثامن عشر، وتفنن صاغة تلك الأيام بصناعته. ويحكى أن صناعياً فرنسياً صنع بيضة على شكل علبة مفاجآت وقدمها إلى أحد أمراء إسبانيا وكانت مطلية من الخارج بالميناء الأبيض ومحفورة عليها كلمات إنجيل الفصح، وعندما تفتح تستمع إلى 12 لحناً من ألحان الأوبرا. كما صنع الصائغ كارل فابرجيه بيضة ذهبية قدمها إلى قيصر روسيا ألكسندر الثالث، صفارها يتضمن دجاجة صغيرة من الذهب الخالص وعلى الدجاجة تاج مصغر لتاج القيصر بأدق تفاصيله وقلبه من زمرد. كما دأب الملك لويس الخامس عشر على إهداء بيضة صناعية مطلية بالذهب إلى جميع نساء قصره.

والمألوف لدى العامة قديماً، أنهم كانوا يأخذون البيض المسلوق موضوعاً فوق طبق إلى الكنيسة ليلة العيد ليباركه الكاهن قبل تناوله. ومنهم من كان يوزع البيض المسلوق على المحتفلين بالكنيسة رمزاً للعيد.

– المفاقسة بالبيض:

ولا تقتصر عادة تحضير البيض وأكله على تزيينه إنما يتحول البيض ليصبح جزءاً من الألعاب الشعبية لدى الأولاد. وتعرف هذه الألعاب باسم “المفاقسة”، بحيث يقوم كل ولد بإختيار أفضل أنواع البيض وأجودها، خصوصاً الصلب منه ويفحصه بطريقة ضرب البيضة بأسنانه بصورة خفيفة ويستمع إلى صلابة البيض. وينطلق بعدها مع كمية من البيض إلى الحدائق والمنتزهات حيث يتجمع عدد من الأولاد مُحملين بالبيض المسلوق. وتتم المنافسة بطريقة ضرب الطرف الضيق من البيضة ويعرف باسم “الرأس”، مع رأس البيضة المنافسة. ثم ضرب الجهة العريضة وتعرف باسم “العيز”. ومنهم من يفاقس بطن البيضة مع بطن البيضة المنافسة.

الأرنب رمز الخصوبة:

أما الأرنب الذي يرافق الاحتفالات بالفصح فهو يرمز إلى الخصوبة والإنجاب. ويُقال إن أول من بادر إلى إعتماد الأرنب كرمز من الرموز الدالة على معاني الفصح هم الألمان الذين نقلوا عادتهم إلى مختلف شعوب العالم من خلال الهجرة.

وبات الأرنب لا ينفصل عن عيد الفصح كرمز لتجدد الحياة، بحيث إبتكرت طرق عديدة تجسيداً للأرنب من الشوكولا المصبوبة على شكله، وكذلك الدمى، وحديثاً إبتكرت ألعاب إلكترونية عديدة تمثل الأرنب.

ويعود رمز الأرنب الذي يرافق الإحتفالات بعيد الفصح إلى عدد من التقاليد القديمة جداً، والتي يرجع بعضها إلى الآف السنين. ففي الزمان البعيد لاحظ البشر الصلة بين الدورة الشهرية للمرأة التي كانت مرتبطة مع ولادة الأطفال ودورة القمر. وفي أقدم سجلات الحضارات الآسيوية، كان الأرنب رمز القمر، لذلك أصبح كل من القمر والأرنب على حد سواء رمزاً للقيامة أو الحياة بعد الموت.

وعند قدماء المصريين الأرنب يرمز الى الخصوبة والقيامة، وإنتشر هذا الاعتقاد منهم إلى الاغريق ثم الرومان الذين تقاسموا هذا الإيمان مع بقية أوروبا.

وفي وقت لاحق، إحتفلت الشعوب الكلتية وغيرها من المجموعات الأوروبية المبكرة بمهرجان “إستر”Easter وهي ربة الفجر المرتبطة بالربيع والتي يرمز اليها بالأرنب، الحيوان الأكثر خصوبة ورمز الحياة الجديدة.

المعمول يرمز إلى قبر المسيح:

أما المعمول فيرمز إلى قبر المسيح وفق المفهوم الشعبي، لذلك درجت العادة على تقديمه كضيافة للزوار للتهنئة بالعيد. وهو مصنوع من طحين القمح أو السميد، بصورة دائرية ليرمز إلى اكليل الشوك الذي وضعه الجنود الرومان على رأس المسيح قبل صلبه، ويحشى هذا النوع من المعمول بعجوة التمر. والنوع الثاني من معمول الفصح، مصنوع بصورة هرمية يحشى بالجوز واللوز المفروم والسكر، ويغلف بقطعة عجين أخرى، ويؤكل من أعلى الهرم للدلالة على فتح قبر المسيح وقيامته من الموت.

وهكذا، فإن عيد الفصح المجيد كان ولا يزال عيداً عظيماً للصغار والكبار في جميع أنحاء العالم منذ القرون المسيحية الأولى حتى اليوم، بحيث حافظ المسيحيون على الاحتفال به، تأكيداً على إنتصار السيد المسيح على الموت وعبوره إلى الحياة “القيامة” وللإقتداء بآلامه وعذاباته وتضحياته، لإدراك معنى العطاء الفعلي والتضحية من أجل الآخرين.

شارك المقال