كيف باتت طرابلس مسرحاً للمسدسات التركية؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تُخفي أوساط طرابلسية خطورة انتشار المسدّسات التركية شمالاً بدءاً من مدينة طرابلس وصولاً إلى عكار، فهذه الظاهرة التي ازدادت في الأشهر الأخيرة الماضية، لم تنته حتّى بعد قيام المديرية العامة لأمن الدّولة بتوقيف “أحد أبرز تجار المسدسات التركية”، مع لبنانيَين وسوري في طرابلس بالجرم المشهود ومصادرة آليتين تُستخدمان لعمليات تجارة المسدسات، إضافة إلى 200 مسدس تركي، إذْ تُؤكّد هذه الأوساط لـ “لبنان الكبير” أنّ هذه التجارة لا تزال مستمرّة، متوقّعة أن يكون انتشارها مضاعفاً في الفترة المقبلة، وأنّ التاجر الذي أوقف منذ فترة لن يكون الوحيد الذي يستغلّ هذه الأزمة لتوزيع أسلحة “بالجملة والمفرّق” في الأسواق.

وكان العديد من الشماليين لجأوا إلى هذا السلاح في الآونة الأخيرة بعد التدهور الأمني الذي شهدته البلاد، والثابت أنّ هذه الأسلحة المنتشرة بكثرة لم تعد تستثني أيّ منطقة أو فئة عمرية تصلح لاستخدامها أم لا، بحيث يعتمد عليها مواطنون كما لاجئون بغية استخدامها لأغراض مختلفة، في وقتٍ تغيب فيه مؤسسات الدّولة عن المشهد الاجتماعي الذي يربط المواطن بدولته.

ويقول أحد الزبائن الذي يعمل على واحد من الأكشاك المتنقلة ضمن أوتوستراد طرابلس لـ “لبنان الكبير”: “اشتريت من أحد الأشخاص في عكار مسدّساً تركياً وقام بإرساله إلى طرابلس وتسلمته منذ شهرين تقريباً، وأنا أحمله معي في عملي ليلاً ونهاراً خصوصاً في أوقات المساء وبعد غروب الشمس وسيطرة العتمة على الطرقات، اذ نخشى من الفلتان الأمني، فنضع هذا المسدس على خاصرتنا وقد لا يبوح بعض أصحاب الأكشاك بهذه (الحيلة) إذا لم نبالغ في الوصف، لكنّ الخوف من السرقة والنشل أو القتل يبقى مسيطراً على أفكارنا وحياتنا اليومية في ظلّ غياب العناصر الأمنية لحماية المواطنين”.

ولم يكن شمال البلاد لا سيما طرابلس في الأعوام الماضية، محصّناً ضدّ آفة الفلتان ولا ضدّ إقحام التجار هذا النوع من الأسلحة في المحافظة، وذلك للافادة منها في خضمّ الأزمات المالية والاجتماعية التي يُواجهها المواطن الذي قد يستخدم هذه المسدّسات لا في سبيل حماية نفسه فحسب، بل قد يرتكب بها جريمة أو يهدد حياة آخرين، وقد تُؤدّي أيضاً إلى كارثة أمنية تدفع إلى تكريس مبدأ الأمن الذاتي المنافي لمقوّمات الدّولة “السوية” من جهة، أو انتشار العشوائية، الفوضى والسلاح غير الشرعيّ المنبوذ من جهة ثانية.

في الواقع، قد لا تكون تركيا رائدة في مجال تجارة السلاح أو صناعتها، إلا أنّها تمكّنت في الأعوام السابقة من اكتساب شهرة في مجال صناعة الأسلحة الخفيفة خصوصاً الشخصية منها لتُصبح واحدة “من أكبر منتجي هذه الأسلحة ومصدريها” وفقاً لبيانات وتقارير رسمية تدفع البعض إلى الاعتقاد بأنّ تركيا كانت سبباً في انتشار الفوضى وفرض السلاح غير الشرعي في البلاد، إلا أنّ أحد المتابعين لهذه القضية، يُشدّد على أنّ “من يقوم بشراء هذه الأسلحة هم تجار لها في لبنان سواء أكانوا من التجار المهمّين أم لا”، مؤكداً أنّ “التجار الذين عادة ما يكون شراؤهم للسلاح مرخصاً وشرعياً عبر سفرهم إلى تركيا، يقومون بشراء كمّيات كبيرة من المسدّسات لإدخالها بطريقة غير شرعية عبر المعابر من سوريا إلى لبنان، ونشر هذه البضاعة التي تُعدّ رخيصة الثمن في الأسواق”.

ولهذه المسدّسات أنواع مختلفة كما لكلّ منها سعر، يتراوح بين 150 أو 160 دولاراً وقد يفوق الـ 800 دولار، وقد يشتري هذه الأسلحة تجار آخرون من التاجر الأصليّ لبيعها وتوزيعها في الداخل.

ويُشير أحد المراقبين لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ “اقتناء الأسلحة غير المرخصة أو غير الشرعية، لا تحتاج اليه المافيات أو العصابات المعروفة والمنظمة، فمعظم من يقتني هذه الأسلحة هم من المواطنين الذين يخشون على أنفسهم في هذه الظروف، كما تتوافر بعض المواقع الالكترونية التي يُمكن من خلالها شراء أسلحة تركية، إذ تُعرض بصورها، مواصفاتها وأسعارها لشرائها من التجار عبر المواقع المختصة بالأسلحة، ما يعني أنّ شراءها من تركيا يُعدّ من أسهل ما يُمكن، لكن لم نرصد رواج هذا الأسلوب في لبنان بعد”.

شارك المقال