أنصار الخير… افطارات الأحياء تكسر التمييز والطبقية

نور فياض
نور فياض

منها تتعلم العطاء، وبها يحلو اللقاء… هكذا توصف بلدة أنصار الجنوبية في مبادرتها الرمضانية المفعمة بالخير والمحبة.

لا تزال الأزمة الاقتصادية تعصف بالمواطن اللبناني وتنغص عليه فرحته بإحياء شعائره الدينية، اذ أننا شهدنا في المناسبات كافة تقليص بعض الشعائر المرتبطة بها. وكل سنة يلحظ اللبناني اختفاء احدى شعائر رمضان كالزينة مثلاً التي باتت خجولة في غالبية المناطق جنوباً، والمسحراتي الذي استبدل بصوت مكبرات المساجد، ودعوات الافطار شبه المختفية… الا أن بلدة أنصار الجنوبية انتصرت على هذه الأزمة وباتت مثالاً يحتذى به، من خلال احياء حركة “أمل” – شعبة أنصار للسنة الرابعة على التوالي، افطارات متنقلة تعرف بإفطارات الاحياء لتقول ان الأزمة الاقتصادية ليست عائقاً أمام الخير والعطاء، وان اللقاء يحلو بجمعة الأحبة، وان التكافل لا بد منه، ولا تزال الدنيا بألف خير.

يشير مسؤول مكتب الشباب والرياضة في حركة “أمل” – شعبة أنصار، أسامة صفاوي الى أن “المكتب التربوي استهل الأنشطة الرمضانية سنة ٢٠١٨، تحت عنوان التكافل الاجتماعي، وكبرت هذه الأنشطة وكان نفسها ثورياً، ثم قررنا مواجهة ظاهرة تحضير الافطار للفقراء وتصويرهم، بفكرة افطارات الأحياء المبنية على التكافل الاجتماعي وتقريب الناس بمختلف مستوياتها الاجتماعية من بعضها البعض.”

ويلفت الى أن “رمضان شهر الرحمة والغفران، كما أن الامام السيد موسى الصدر يقول انه شهر الالفة وتحسس آلام الآخرين، وتناسي الأحقاد وتوحيد القلوب، اذاً يتكلم الامام عن مشروع كامل اجتماعي – ديني – روحي – ثقافي، من هذا المنطلق تحضّر الناس افطاراتها ويتم توزيعها اذ أن الفقير يأكل من طعام الغني، والعكس صحيح ما يخلق تشاركاً بينهما، ونحن أيضاً نؤمّن العديد من الأصناف لإظهار فكرة كسر التمييز والطبقية بين أبناء الحي.”

اما في ما يتعلّق بالدعم المادي، فيقول صفاوي: “في السنوات الأولى من المشروع كان يعود ريع الدعم الى كسوة العيد والألعاب للأطفال، أما للإفطارات فكنا نطلب من الناس احضار الخبز، ولحم بعجين فقط… أي مساعدات عينية، ولكن مع بداية الأزمة بتنا مضطرين الى زيادة الطعام وعلى الرغم من ذلك، كان الأهالي يعدون كمية كبيرة من الأصناف، وكذلك لمسنا الدعم من النواب وخصوصاً النائبان هاني قبيسي وناصر جابر اللذان رحبا بالفكرة وكانا يتواجدان في الافطارات اضافة الى دعمهما المادي، كما أن حركة أمل عموماً لم تبخل في تقديم المساعدات، ولكن الدعم الرئيس من أهالي البلدة والأيادي البيض.”

ويؤكد صفاوي أن “هذا المشروع أعاد الصلة بين الناس التي فتحت منازلها لتحضير القهوة والصلاة، وعززت الالفة الاجتماعية”، موضحاً “أننا بدأنا مع ٣٠ عضواً من الشبان والصبايا والآن تجاوز الرقم الـ١٥٠ شخصاً أتيحت لهم الفرصة لتفعيل دورهم في المجتمع، وهذا ما يوصي به الامام موسى الصدر أن يكون الشباب فاعلاً في المجتمع وطاقاته توظف بالطريقة الصحيحة.”

ويعتبر أن “هذا النشاط خلق منافسة بين الأحياء من حيث الزينة وتحضير الأطعمة القروية، وكل حي ينتظر دوره وفي حال تأخرنا عنه تبدأ الاتصالات والمناشدات لاقامة الافطار لديه، وهذا ما يفرح قلوبنا أننا استطعنا زرع البسمة وخلق جو من الفرح في كل أنحاء البلدة”.

ويقول أحد أعضاء كشافة الرسالة الاسلامية حيدر جابر لـ “لبنان الكبير”: “ان حركة أمل وجمعية كشافة الرسالة الاسلامية فوج أنصار، أخذتا على عاتقهما منذ ٤ سنوات مبادرة أنصار الخير، التي استطاعتا من خلالها تقديم المساعدات العينية الى كل أبناء البلدة اضافة الى الافطارات في الأحياء.”

وفي ما يتعلق بالتحضيرات، يؤكد جابر أن “التحضير سهل في ما يتعلق بالوجبات، اذ أن أهل الحي يأتون بطعامهم الى مكان الافطار، اما الصعوبة فتكمن في توزيع المهمات، وحركة أمل والكشافة الاسلامية كانتا تؤمنان اللوازم الأساسية من بلاستيك، طاولات، مياه، جلاب، لبن، تمر… اضافة الى الطبق الرئيس الذي يقدّم للجميع وخصوصاً الى أولئك غير القادرين على تأمين الطعام أو تحضيره في منازلهم. والفريق الذي يقوم بتوزيع هذه الأساسيات مؤلف من مئة شخص، لكل واحد مهمة بعضهم عليه تقشير البطاطا، سكب الشوربا، تحضير الطاولات… والهدف فقط خدمة أهل البلدة”.

ويلفت الى أن “الأجواء كانت ايجابية اذ كنا نلمسها في كيفية التعاطي معنا، وحين يحضّر الناس وجبات اضافية ليشاركونها مع الجيران، من هنا يتبيّن لنا أن هذه الافطارات حصلت على صدى ايجابي بين أبناء الحي”، معتبراً أن “هذه النشاطات أعادت أجواء شهر رمضان التي كان المجتمع يفقدها شيئاً فشيئاً. وفي السنوات الأخيرة كانت الافطارات عبارة عن برستيج بدلاً من أن تكون جمعة رمضانية، ولم نكن نرَ الافطارات الجماعية، والشعور مع الفقير والمسكين والنائمين من دون طعام أيضاً كان على وشك الاختفاء، الا أن في هذه الافطارات الفقير والغني على المائدة سوياً يأكلان الصنف نفسه، ما أعاد زرع الالفة والمودة بين الناس جميعاً”.

يذكر أن نشاطات بلدة أنصار لم تقتصر على الافطارات المتنقلة انما تضمنت السحور أيضاً، اذ أقامت حركة امل بالتعاون مع مديرية انصار في الحزب القومي برعاية بلدية أنصار وبحضور رئيس البلدية صلاح عاصي وقنصل برازافيل محمد عاصي سحوراً رمضانياً السبت الماضي في حديقة الشهيد علي نوفل، وفاق الحضور الـ ٥٠٠ شخص وسط أجواء من الفرح والبهجة.

استطاعت بلدة أنصار أن تتحدى الظروف الاقتصادية، وأن تعيد الالفة والمحبة التي كنا على وشك أن نفقدهما في مجتمعاتنا، وصحيح أن البلدة وأبناءها عانوا من العديد من المحن والصعوبات، الا أنها أعادت اظهار وجهها الحقيقي عبر ترك بصمة خير وتجسيد روحية الشهر الفضيل.

شارك المقال