يزداد تفشي المخدّرات وانتشارها في مجتمعنا اللبناني على الرغم من زيادة مستوى العلم والمعرفة، ويقلّ الوعي بخطورة هذه الآفة وانعكاساتها وآثارها على المتعاطين وخصوصاً القاصرون منهم، ومن المحتّم في عالمنا الحاضر أن يتعرّض جميع الشباب للاتصال بالمتعاطين في وقت من الأوقات.
في الواقع بات الشباب يعلمون عن المخدّرات في وقت مبكر، وبصورة سهلة عن طريق وسائل الإعلام أو عبر الانترنت ومن خلال الأصدقاء أو الأولاد الأكبر سناً. ولكن من الأفضل أن يعرفوا عنها عن طريق الأهل بدلاً من رفاق السوء أو في مكان مختبئ أو أثناء مشاهدة التلفزيون أو استعمال الكمبيوتر. وهنا تكمن أهمية الرقابة الدائمة من الأهل الذين يتحملون المسؤولية الأكبر إذا تورّط أبناؤهم في تعاطي هذه الآفة، فأساليب التربية العائلية تلعب دوراً كبيراً في هذا الاطار.
وقالت مديرة البرنامج الوطني للوقاية من الادمان في وزارة الشؤون الاجتماعية أميرة ناصر الدين لموقع “لبنان الكبير”: “إن 77% من الموقوفين يتعاطون المخدرات بحسب الاحصاءات ما يسبب ارتفاع معدل الجريمة والارهاب. فالتحرر من التعاطي كدرب جلجلة والكلام سهل لكن التطبيق صعب. فالمدمن يحكم على نفسه وينعزل، والمجتمع يعاقبه ويحكم عليه، فيما يخاف الأهل من أن يُحكم عليهم مجتمعياً بالفشل”.
من يتحمّل المسؤولية؟
يعاني الجيل الحالي الكثير من التحديات والمشكلات على الصعيد التربوي والاجتماعي والاقتصادي، ويؤثر التسرب المدرسي والبطالة على الصحة النفسية للشباب، فيما يساهم التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي في نضج هذا الجيل، ما يعني أن القاصرين والمراهقين خصوصاً، أصبحوا بحاجة إلى إشراف ومتابعة أكثر من ذويهم ليقفوا إلى جانبهم وتحديداً في مرحلة المراهقة حين يكون التواصل بين الأهل والأولاد حجر أساس وضرورة لمساعدة الشباب على كيفية التعامل مع مصادر الضغوط والتحديات.
وأشارت ناصر الدين الى أن القاصر، صبياً كان أم فتاة، يتأثّر برفاقه أكثر فأكثر، ويمضي وقتاً أقل مع أهله، وقد يبدأ حتى بانتقادهم. هنا يشعرالأهل بنوع من الفشل أو الرفض فيما تزيد رغبة الشباب في الشعور بالاستقلالية أكثر، من دون أن يخسروا دعم العائلة العاطفي والجسدي.
فدور الأهل التربوي مستمر لأن كل مرحلة عمرية هي تحضير للمرحلة التي ستليها وصولاً إلى مرحلة البلوغ التي يتماهى الشباب خلالها بأصدقائهم، فغالباً ما يقولون: “أصدقائي كلهم يسهرون حتى منتصف الليل”. ويعتبر الأهل سلوك أبنائهم تمرّداً للحصول على فسحة من الحرية والاستقلالية لكن هذا عاديٌّ جداً بحيث تتشابه مشكلات أهل المراهقين، غير أن الذين لا يتحدّثون عن قلقهم يخسرون فرصة الحصول على الدعم من أهل آخرين واجهوا الحالة نفسها، فمشاعر القلق، والاحباط، ولوم الذات، والغضب وحتى اليأس شائعة بين أهالي المراهقين وهي أمر طبيعي للغاية. فلا ينمو الأطفال والمراهقون في عزلة عن العالم، بل يتأثرون بكل ما يدور حولهم وأهم منَ يؤثر بهم العائلة، والمدرسة والمجتمع حيث يتعلم الفرد أموراً تؤثر في حياته ومستقبله.
كما تؤثر أساليب التربية الوالدية ونوعية الأهل بمعنى إن كانوا متساهلين أو متسلطين أو مهملين أو ديموقراطيين، على توجه الشباب نحو تعاطي هذه الآفة، فالعائلة الإيجابية تساعد على توجيه الأولاد نحو حياة سليمة صحياً وسعيدة وناجحة في المستقبل.
ويتحمّل المعلمون والمدرسة أيضاً المسؤولية، فهم الذين يدفعون أداء التلاميذ نحو الأفضل في مسائل أكاديمية تزداد تعقيداً. وللمجتمع المحيط بالمراهقين نظرات مختلفة، فالبعض يراهم مصدر إزعاج ونقمة وتحدٍّ، والآخر يراهم يساهمون في سعادة المجتمع من خلال مشاركتهم في النشاطات المجتمعية والمنظمات الخيرية والمناسبات أو من خلال مساعدة الأشخاص.
عند معرفة العوامل التي تؤثر في حياة المراهقين، يصبح من السهل معرفة قدرتهم على اتخاذ قرارات حكيمة وسليمة أو العكس ما لم يحظوا بدعم أهلهم وعائلاتهم ومعلميهم وكبار آخرين مهمين لهم، إلى جانب دعم مجتمعاتهم أيضاً.
إجعلوا الحماية الوقائية البارعة طريقة عيش
هناك أمور أساسية يجب على الأهل اتباعها كي يقوا أولادهم ويحموهم من الانجرار وراء اللجوء الى تعاطي المخدّرات وهي:
1. الدعم العائلي والتواصل العائلي الإيجابي ووضع الحدود العائلية ونوعية قضاء الوقت مع الأولاد في المنزل وأهميته.
2. البراعة في الوقاية في المدرسة: التربية تبدأ في المنزل وتستكمل في المدرسة، ومن هنا أهمية مشاركة الأهل في التعليم بمعنى الانخراط في المدرسة والصلات بينها وبين المنزل.
3. المجتمعات البارعة وقائياً:
أ- الجوار المهتم والجماعات المهتمة.
ب- مجتمع يقدّر الشباب.
ج- الشباب يقدمون خدمات للآخرين.
د- نشاطات إبداعية رياضية كشفية روحية اجتماعية ثفافية وفنية .
4. العلاقات الاجتماعية البارعة في الوقاية:
أ- التأثير الايجابي للأصدقاء.
ب- العلاقات مع كبار آخرين.
ج- القدرة على التفاعل مع الناس.
د- الكفاءة الثقافية.
ه- حل النزاعات سلمياً.
- البيئة الآمنة ومهارات أولادكم البارعة في الوقاية:
أ- الأمان والسلامة.
ب- التحفيز.
ج- تقدير الذات.
د- مهارات مواجهة الضغوط.
ه- نظرة ايجابية إلى المستقبل الشخصي.
و- تحديد الأهداف.
ز- التخطيط واتخاذ القرارات.
الطرق الصحيحة للتربية الوقائية:
مراقبة المصروف الشخصي للأبناء وتنظيمه.
ضرورة ملء أوقات فراغهم والتشديد على ضرورة انتساب الاولاد إلى النوادي الرياضية والثقافية والجمعيات.
ضرورة ابتعاد الأهل عن أسلوب الصراخ والعقاب، بل اعتماد أسلوب الحوار والمصارحة مع الأبناء، لأن التربية السليمة تبدأ فـي مرحلة الطفولة وليس في مرحلة الشباب.
الاعتدال والتوازن في تربية الأبناء وتوجيههم.
التقرب من أصدقائهم والتعرف الى أهاليهم.
متابعة اجتماعات الأهل في المدرسة والواجبات الدينية.
مرافقتهم لزيارة طبيب العائلة.
الاستماع إلى الأولاد وأخذ الكلام منهم وليس التوجه اليهم بالايعاظ والصراخ فقط.
مراقبتهم الدائمة، وملاحظة أي من الأعراض الغريبة الخاصة بهم وأي تغييرات جسدية ونفسية، والانتباه الى أي من العلامات المشبوهة على الجلد في أماكن الحقن.
إجبار الأولاد على إجراء الفحوص المخبرية الخاصة بالادمان عند أول اشتباه أو شك، والانتباه الى عملية امتناع الأولاد عن إجراء الفحوص، حينها يجب الشك بعملية التعاطي .
تفتيش دقيق عن أي مواد مشبوهة ومراقبة أماكن السكن والسيارة ومراقبة الهاتف الخاص في حال الاشتباه بعملية التعاطي.
مراقبة أصدقائهم وتصرفاتهم وتمييزها من خلال المنطق والانتباه إلى التصرفات غير السليمة والثياب المريبة والمظهر الخارجي والنقوش على الجسد والثياب مع رسوم توحي بالمظاهر الشيطانية أو غيرها من الموسيقى الصاخبة…
توجيه الأهل وتشجيعهم على تقديم الشكاوى عند القوى الأمنية لدى الشك بأي شخص له علاقة بالمخدرات.
اكتراث الأهل بمشكلات التدخين والكحول، لأن المخدرات الشرعية قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى استعمال المخدرات غير الشرعية.
توضيح علاقة الادمان بمرض السيدا من خلال الحقن والأمراض الجرثومية.
لا تستهتروا بعملية التدخين وشرب الخمر والأدوية المنومة من الأهل وتعاطيهم إياها أمام الاطفال فهم المثال الأعلى لهم.
إشرحوا خطر المنشطات الرياضية وضررها على الشباب.
اعلموا أن سرية العلاج من المسؤولين موجودة وتنفذ حسب القانون اللبناني ويمكن اعطاء المريض اسماً وهمياً خلال عملية العلاج.
كونوا خير أصدقاء لأبنائكم/ن.
نصائح للأهل:
عليكم كأهل اتخاذ خطوات كثيرة لكي تخففوا من تعرض أولادكم لتعاطي المخدرات:
كونوا دائماً صريحين ومستعدين لانفعالات سلبية صادرة عن أبنائكم، توقعوا الإنكار والغضب.
تذكروا أهمية المحافظة على هدوئكم ولا تتسرّعوا وتَذكروا أن لرد فعلكم، وطريقة تعاطيكم مع الموضوع أهمية كبيرة.
يمكن للأهل أن يساعدوا أبناءهم وقائياً على مواجهة الوضع والنجاح والمساعدة العملية والنصائح عندما يشتبهون في تعاطيهم المخدرات. لا ترتعبوا، فالسبيل لمساعدة ولدكم هو التعاون، وأخيراً لا تركزوا على المخدرات التي يتعاطاها بل على الأسباب أيضاً.
ضعوا أنفسكم مكان الآخرين
تصوّروا أن صديقاً طلب منكم مساعدته إذ اكتشف للتوّ أن ابنه/ته يتعاطى المخدرات ماذا ستقولون له؟
لنعلم أن حربنا على تجار المخدرات لا المدمن الضعيف، فالبطولة في احتضانه ليتحرر وينطلق من جديد، لن نحاكمه بل سنحكمه، لذا أدعوكم للوقوف الى جانب هذا المريض والاستماع الى مشكلاته وتأهيله واندماجه ودعمه.
في المحصلة إن استمرارية التحدث بين الأهل وأولادهم وأن يكونوا خير أصدقاء لهم/ن ويصغون إليهم/ن في جميع الأوقات مهما كانت انشغالاتهم، من أهم الأساليب التي تخلّص القاصرين من الوقوع في فخ التعاطي. وعملية بناء القوى والقدرات الوقائية تحمل الأبناء على الشعور بالحماية، فالوقاية لا تتطلب مالاً، بل وقت يكرّسه الكبار المهتمون والأصدقاء الذين يدعمون الشباب ويشجعونهم ويوجهونهم (مجتمع الشباب: المدرسة، المجموعات الكشفية، الفرق الرياضية، مكان العمل ومنازل الأصدقاء والأقارب) ليصبح شعار الشباب لا للمخدرات… نعم لمستقبل واعد.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.