فقه اللجوء واستجارة الخائف

السيد محمد علي الحسيني

منذ قديم الزمان، اضطر الإنسان في ظل ظروف وعوامل ودوافع مختلفة الى الخوف على نفسه والاستجارة واللجوء إلى مکان أو لدى مقام أو موقع يأمن فيه على نفسه وأهله وماله، ولا زال هذا الموضوع سارياً ومستمراً حتى يومنا هذا ما يبين أهميته عبر التاريخ الإنساني.

وإن أهمية الإسلام، تأتي من حيث أنه أسس ورسخ للکثير من المفاهيم والقيم الإنسانية ووضع ما يمکن اعتباره منهاجاً للأخلاق وکيفية التعامل والتعاطي مع بني البشر والطبيعة بما تحتويها، وإن غالبية المفاهيم والأمور التي تستفيد منها المجتمعات الإنسانية في سائر أرجاء العالم، ترجع في الأصل إلى أحكام الشريعة الإسلامية أو مقتبسة ومأخوذة منها کما هو مع قضية اللجوء السياسي – الإنساني وقضايا التبرعات والمساعدات الإنسانية وحتى نصرة الشعوب أو الجماعات المهددة بالإبادة من قوى غير منصفة أو باغية، وغيرها من المواضيع الأخرى وفي سياقات واتجاهات متباينة.

اللجوء والاستجارة من المبادئ ذات العمق الإنساني في الإسلام

لو رجعنا إلى القرآن الكريم وبحثنا عن كل ما يتعلق بموضوع الاستجارة واللجوء، فإننا نجد الکثير مما له علاقة به، ولعل من أهمها ما قد حصل مع النبي موسى (ع) في هذا الصدد مع رجل من قومه عندما استجار به بسبب محاولة اعتداء عليه، وکذلك قصته بعد خروجه من مصر ولجوئه إلى شعيب وما ناله من سلام وأمن وعيش وزواج واستقرار، ويعتبر ذلك من الدروس السماوية الأولى التي يتعلمها الإنسان ويستفيد منها في حياته على أکثر من صعيد.

أما في الفقه الإسلامي فإن اللجوء والاستجارة، لهما أهميتهما الخاصة ومن خلال الآية الکريمة: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، نجد أن الإسلام ومع موقفه الحازم والجدي مع المشرکين، إلا أنه في حالة استجارتهم بالمسلمين فإن لهم الأمان، ذلك أن الآية الکريمة وکما يبدو واضحاً من سياقها تخاطب النبي محمد (صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم)، وإن حکمها سار على کل المسلمين دونما استثناء، وبطبيعة الحال فإن انقطاع بعض المسلمين عن القيم والمبادئ النبيلة ذات العمق الإنساني في الشريعة الإسلامية، يجعلهم في الکثير من الأحيان يتصرفون بطريقة وأسلوب يتعارض مع ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص ودعا إليه.

اللجوء بأنواعه يرسخ مفهوم التكافل الانساني للعيش بسلام

لا شك في أن العالم بما يشهده اليوم من تطورات وأحداث مضطربة تتداخل فيها الأمور کثيراً، يسلط الأضواء بقوة على موضوع الاستجارة واللجوء ويمنحه الأولوية على الکثير من المواضيع الأخرى، ولهذا فإن الترکيز على هذا الموضوع ولفت الأنظار إلى طابعه وعمقه الديني، وکونه ذا أهمية قصوى لهذا العصر عموماً ولهذه المرحلة الحساسة والخطيرة التي يمر بها العالم وما تعصف به من أحداث بسبب التطرف الديني والإرهاب والتي تسببت بتشريد الكثيرين من أوطانهم ودفعهم إلى البحث عن أماكن يعيشون فيها بأمان، وإن العودة إلى الأصل والأساس النبيل والمتسامح للإسلام کفيل بإسباغ حالة من الانفتاح والتعاطي الإنساني المتسم بروح السماحة وتقبل الآخر مما يحد من غلواء التطرف الديني والإرهاب وإن من فقه الإسلام، أن لا نرد طالب حاجة وأن لا نقفل باباً أمام مستجير، وأن لا نترك لاجئاً وشأنه بل علينا أن نتعاون ونتكاتف ونساعد بعضنا على حفظ من استجار بنا ورعايته واحترامه ومساعدته، فهم بحاجة إلى الرعاية والمساعدة ولولا الظروف القاسية التي أخرجتهم من بلدانهم ما كانوا ليتركوا ديارهم ومورد أرزاقهم، وإن مساعدتهم مسؤولية الجميع أفراداً وجمعيات ومنظمات إنسانية حتى نرسخ في الأذهان کلها بأن العالم لا يزال بخير وأن المستقبل هو للتکافل الإنساني والعيش بمحبة وسلام وليس للعداوة والبغضاء والتناحر.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال