اليابان تنقرض بلا زواج وانجاب… ما علاقة ثقافة الساموراي؟

تالا الحريري

هناك دول تعاني من تضخم سكاني لكثرة المواليد فيها، ودول أخرى باتت مهددة بالزوال بسبب تراجع المواليد فيها. اليابان واحدة من أكثر الدول التي أثارت جدلاً في الفترات الأخيرة تحت مسمى أزمة وجودية تعود إلى انخفاض قياسي في معدل المواليد. في الواقع لا تعتبر هذه المشكلة الوحيدة في اليابان، فمقابل هذه الأزمة الوجودية هناك تضخم في عدد المسنين الذين يشكلون 29% من الشعب الياباني في ظل غياب اليد العاملة لتمويل المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية للأكبر سناً. قد يرى البعض أنّ تراجع معدل المواليد في اليابان أمر طبيعي لأنّنا اعتدنا على انخفاض هذه المعدلات في الدول الغربية أو الاجنبية مقارنة بالدول العربية التي تتمتع بثقافة ضرورة الزواج وتكوين الأسرة، لكن اليابان حالة استثنائية.

سجل عدد المواليد الجدد في اليابان، خلال العام 2022، انخفاضاً قياسياً، ليصل لأول مرة إلى مستوى أقل من 800 ألف، وفق ما كشفته بيانات رسمية نشرتها وزارة الصحة اليابانية، فكان هناك 799728 مولوداً في اليابان في العام 2022، قابله انخفاض سنوي قدره 43169 طفلاً، مع انخفاض إجمالي إلى أقل من 800 ألف طفل لأول مرة منذ تجميع إحصاءات المواليد لأول مرة في العام 1899، وذلك بعدما تغيرت اليابان للمرة الأولى مع ثورة ميجي الاصلاحية عام 1868 لتصبح متقدمة ومنفتحة. واللافت أنّ التراجع السنوي الذي يصل إلى 400 ألف سيؤدي إلى انخفاض تعداد اليابان إلى معدل الثلث بنحو العام 2060.

“اليابان تختلف عن أوروبا في فكرة عدم الانجاب” هذا ما يوضحه الباحث في الانتروبولوجيا حسين شامي لـ”لبنان الكبير”، إذ إنّ “أوروبا لديها دوافع وأسباب ترتبط بالفردانية والتراجع عن فكرة العائلة، أمّا في اليابان فهذه ليست الفكرة الوحيدة الموجودة بل هناك الادمان على العمل ما يدفع المواطنين الى العزوف عن الزواج لاعتباره مع الانجاب مضيعة للوقت”.

مصطلحات ومعتقدات عديدة تنتشر في اليابان شرحها يبيّن الوجه الحقيقي لحياة اليابانيين، بدا ذلك في ثقافة الساموراي الحديثة التي كانت غايتها إظهار الياباني موظفاً مجتهداً ليتم ربطها أيضاً بالثقافة اليابانية القديمة حين كان الانتحار موتاً مشرفاً لمقاتل الساموراي عندما يشعر بالعار أو الفشل. وهذا واقع اليابانيين اليوم الذين باتوا منعزلين عن بعضهم البعض وعن العالم وبات عيشهم من أجل العمل فقط. يشرح شامي أنّ “هناك مصطلح كاروشي المرتبط بالعمل وقداسته، لذلك نرى أنّ حالات الانتحار تكثر في اليابان بمجرد فشلهم في العمل أو حتى في التحصيل الدراسي. تنشأ المنافسة بينهم ومن لا يحصل على علامة عالية أو تفوق في مهنته يتم احتقاره اجتماعياً، هذه عوامل من أحد مفاعيلها أنّها تدفع اليابانيين إلى الانسحاب الاجتماعي ما يوصلهم الى الانتحار”. (يعتبر مصطلح كاروشي من أخطر ظواهر اليابان، إذ يبدأ مع عدم تحقيق الموظف الانتاجية التي تطلبها الشركة فيلجأ إلى الانسحاب الاجتماعي والانعزال من ثم الانتحار، وهذا ما يسمى بالهيكيكوموري).

وليس هذا وحسب، “بات هناك احتقار لفكرة الزواج ولفكرة العلاقة الجنسية بحد ذاتها في اليابان”، بحسب شامي. ففي دراسة جرت في العام 2011، بيّنت أنّ 61% من الرجال غير المتزوجين و49% من النساء بين 18 و34 لم ينخرطوا في أي علاقة جنسية. وحسب استطلاع أجري عام 2017، 45% من النساء بين 16- 24 يحتقرن الاتصال الجنسي، إضافة إلى أنّ 70% من اليابانيات تركن وظائفهن بعد انجاب أول طفل، وبسبب الخوف من التقصير في العمل تم اجهاض 168 ألف جنين عام 2013.

في الخلاصة، يشير شامي الى أن “اليابان حالياً بلد ينقرض، فلا زواج ولا انجاب ولا حتى علاقات طبيعية لدرجة أنّه في طوكيو حينما ينخفض معدل الانتحار عن 20 ألفاً يحتفلون”.

شارك المقال