أقساط المدارس الخاصة مدولرة… وافادات “الأمية” للطلاب الفقراء!

نور فياض
نور فياض

يعاني القطاع التربوي مشكلات جمة، أولها عندما اجتاح فيروس كورونا البلد وتحوّل التعليم الى “أونلاين”، وتزامنت مع هذه الجائحة أزمة المحروقات والكهرباء، ما صعّب فكرة التعلم عن بعد. أما المشكلة الثانية فهي اضراب الأساتذة وخصوصاً في المدارس الرسمية بسبب الأزمة الاقتصادية ما أدى الى شلل جزئي في هذا القطاع. واليوم تتصدر الأقساط المدرسية حديث الناس لتتفوق على كل ما مرّ من أزمات سابقاً.

وبطريقة غير مباشرة، اعتبر أولياء الطلاب أن المدارس الخاصة لا تريد تلامذة من الطبقات المتوسطة في صفوفها، وجاهرت بأقساطها المضخّمة للعام الدراسي المقبل والمسعّرة بالدولار لتهشيلهم، فيما رقابة الدولة الممثّلة بوزارة التربية هي المفتاح الأساس الذي يعيدها إلى المسار الصحيح، من خلال اتباعها القوانين اللبنانية.

في السياق، يؤكد المدير العام لوزارة التربية عماد الأشقر لـ “لبنان الكبير” أن “وزارة التربية ستحاسب قضائياً كل مدرسة تدولر أقساطها، وهذا البند وضع لأنه يخالف قانون النقد والتسليف”.

وحول معايرة بعض ادارات المدارس بأن الوزارة تدفع لموظفيها بالدولار فلماذا المدارس لا تدولر أقساطها؟، يقول الاشقر: “يروحوا يغيروا القانون. من غير العادي أيضاً زيادة الأقساط بطريقة عشوائية، بل يجب أن تتم وفقاً لبند تنظيم الموازنة الموجود في القانون ٥١٥”.

ويطالب الأشقر عبر موقع “لبنان الكبير”، بـ “دق جرس الانذار، ومن الجيد أن نطلب من المؤسسات التربوية استشارة الأهالي والمعلمين للوصول الى نتيجة ترضي الأطراف كافة”. اما صندوق التعاضد أو “صندوق مار زخيا” كما سمّاه، فلا وجود له، “وعلى المدارس أن تلتزم فقط بالموازنة المدرسية ونقطة على السطر”.

وعلى الهامش، يلفت الأشقر الى أن “المداىس الرسمية عادت الى الحياة التعليمية ولا احتمال للعودة الى الاضراب.”

جنوباً، يعتبر مدير مدرسة “أجيال” داوود حرب أن “ارتفاع الأقساط ليس غير واقعي انما هو دولرة، واذا قارنّا الأقساط بالدولار ما قبل الأزمة واليوم، نجد أن القسط أصبح أقل من السابق، مثلاً كان القسط سابقاً ٣٠٠٠ دولار بينما اليوم أقل من ١٠٠٠”.

ويوضح حرب أن “رواتب الطاقم التعليمي تشكل الجزء الأكبر من موازنة المدارس وهذا التعليل والقاعدة الأساسية التي اعتمدتها المدارس كافة، فهذه الرواتب تدولرت وزادت بما يعادل ٣ الى ٤ مرات”، معتبراً أن “ليس بامكاننا أن نجعل الأستاذ يتقاضى كما السنة الماضية ٥٠ أو ١٠٠ دولار، فلماذا نريد زيادة راتب الأستاذ ٣ الى ٤ مرات، بينما الأقساط زادت ضعفاً واحداً؟ ففي السنوات الماضية كانت الأقساط بين ٣٠٠ الى ٤٠٠ دولار كمعدل، أما اليوم فهي من ٧٠٠ الى ٨٠٠ دولار، فلماذا الرواتب التي تشكل الموازنة المدرسية هي في الأساس واضحة والسبب الرئيس دولرة الرواتب للمعلمين والمصاريف التشغيلية، وبالتالي من المنطقي زيادة الرواتب، فما الغريب؟! أما الأهالي فمن حقهم الاستغراب ولكن هذا أمر طبيعي في الواقع الذي نعيشه.”

اما في ما يتعلق بموظفي الادارات العامة، فيشير حرب الى “أننا كمدرسة أجيال أخذنا في الاعتبار هذه الفئة، وقدمنا للموظفين حسماً خاصاً سيمكنهم من ابقاء أولادهم في مدرستنا، وأبلغناهم بذلك ورحبوا بالفكرة، كما أبدوا استعدادهم للاستمرار في تعليم أولادهم لدينا. كما أننا نجري حسومات للمتفوقين وللحالات الاجتماعية الخاصة. ومن لديه النية لتعليم أبنائه في المدارس الخاصة يكمل المشوار التعليمي فيها، ومن لا يملك ذلك لو كان القسط ١٠٠ دولار يخرج أولاده منها.”

ويؤكد “أننا لم نتخلَّ عن الطلاب طوال الأزمة، ولم نطرد أياً منهم بسبب عدم دفعه القسط المتوجب عليه وهذا ما يجب أن يقدره الأهالي، ولكن اليوم من حق القطاع التعليمي الذي بات محصوراً بالقطاع الخاص لأن الرسمي شبه متوقف، الذي تعب طوال سنوات الأزمة أن يركلج حياته، اذ لا يمكنه الاستمرار بـ ٥٠ دولاراً فقط”.

أما المديرة التربوية لمدرسة “ستارز كولدج” – العباسية مريم ياسين فتوضح أن لارتفاع الأقساط أسباباً واضحة، “فأولاً، المدارس الخاصة غير متكلة على الأحزاب أو مؤسسات لتموّل. ثانياً، لا يقبل الأساتذة اليوم براتب أقل من ٣٠٠ دولار حاله كحال الموظف العادي”، مشيرة الى “أننا لم نرفع الأسعار بطريقة جنونية، بل خففنا من أرباحنا على عكس العديد من المدارس وأصبح القسط لدينا بين ٩٠٠ الى ١١٠٠ دولار، نسبة الى راتب المعلم وكلفة المحروقات وبدل النقل الذي بات يشكل أقله ربع الراتب. ونحن يجب أن نربح جميلة ففي الوقت الذي غالبية المستلزمات والمؤسسات تدولرت وارتفعت، كانت الأقساط ٨ ملايين ليرة. وحينها أيضاً كان الأهالي يسجلون أبناءهم في معاهد للتعليم الخصوصي بكلفة ١٢٠دولاراً، وبالتالي اليوم يمكنهم أن يدفعوا ذلك المبلغ كجزء من القسط شهرياً”.

وتقول ياسين: “في دراسة لجداول الطلاب تبيّن أن عدد أبناء القطاع العام ٢٠٠ شخص ومن بينهم عناصر الجيش اللبناني الذي له حسم يمكن أن يكون بين ١٠ الى ٢٠% وذلك وفق عدد أولاده، كما يمكن أن نحولهم الى الصندوق الاجتماعي الممول من المغتربين والاغنياء ويقسم المبلغ بالتساوي على من هم بحاجة الى حسم. وعلى هذا العنصر أن يتحمل أعباء أولاده اذ أنه سمح له اليوم بالعمل أيام عطلته، وغالبية زوجات العساكر هن عاملات في المجتمع وبالتالي هو يتحمل جزءاً ونحن الجزء الآخر. اما الكتب فككل سنة يتبرع بها الأهالي وأضعها في الملعب والجميع يأخذون ما هم بحاجة اليه، كما أحرص على ألا تصل لائحة الكتب الى أكثر من ١٠٠ دولار للصفوف العالية، بينما الروضات بين ٣٥ الى ٥٠ دولاراً”.

وترى أن “لا نزوح متوقعاً من المدارس الخاصة الى الرسمية في صفوف الطلاب، بل ان الأهالي يحفرون الصخر لمتابعة تعليم أولادهم في المدارس الخاصة لأن الرسمية لا ثقة بها، ونجد في هذا الاطار تضحيات كبرى من الأهالي اذ أن البعض منهم تخلى عن سيارة المنزل الثانية التي تعتبر اليوم من الكماليات، كما قرر البعض الآخر بيع المحابس وغيره ما لديه من مجوهرات. اذاً الرحمة لا تزال موجودة، وبالنسبة الينا التعليم هو شيء رئيس”.

وحول بند وزارة التربية المتعلق بمنع دولرة الأقساط، تلفت ياسين الى أن “الوزارة تدفع لموظفيها بالدولار، ولا يمكننا أن نكتب ٢٠٠ مليون على ورقة الأقساط ثم نتقاضاها بالدولار، والوزارة سبق أن اطلعت على الأقساط ولم تتحرك. الدولار تقريباً اليوم ١٠٠ ألف، وليس باستطاعة ولي الأمر أن يأتي بهذا المبلغ على اللبناني فمن الممكن أن يغتال على الطريق. حين يكون القانون مضحكاً، تُلزمي بألا تطبقيه، أقروا قانوناً يحترم عقولنا فنطبّقه.”

بعد أن كانت المدارس تفرض زودة كل بضعة أشهر، “بقت البحصة” في هذا العام ودولرت أقساطها، ناعية هي أيضاً الليرة اللبنانية ومساهمة في تدهورها، كما أضيف عبء آخر على الأهالي الذين حاولوا سابقاً توزيع أولادهم على المدارس القريبة لتوفير كلفة الباص، تقوم اليوم المدارس بغربلتهم، وكأن بعضها يقول بالفم الملآن “التعليم بات حكراً على الأغنياء”. فهل فعلاً كما زعمت بعض الادارات أن الاهالي سيتعودون على هذه الدولرة، أم ستكون لهم كلمة أخرى ينتفضون بها على الوضع المستجد وخصوصاً اذا طالبت المدارس بعد الدولرة بزودات خلال العام الدراسي؟ “تحدّد الأقساط لناحية قيمتها أو لجهة العملة التي يقتضي أن يتم الدفع فيها على النحو الذي يمكّن أولياء التلامذة من الاستمرار” هذا ما قاله وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، فهل بهذا القول شرّع الدولرة وأسقط بالتالي محاسبة المخالفين؟ وماذا عن مصير الفقراء هل ستمنحهم الدولة افادة “الأمية”؟

شارك المقال