Life Coaches لتنمية مهارات الحياة… مهنة لها اطار وحدود

تالا الحريري

اختصاص الـlife coaching كان فريداً ومحط أنظار الجميع قبل أن يصبح “ترند” ويجتاح مواقع التواصل الاجتماعي. فبعدما كان life coach أشبه بالمعالج النفسي والاجتماعي الذي يقدم نصائح تطور حياة الفرد أو تجعله ذا معرفة بما يجب أن يقوم به على صعيد المهنة، العلاقات بمختلف أنواعها، الرياضة والتغذية وغيرها… أصبح هذا الاختصاص بمتناول الجميع. وعندما نقول اختصاص الـlife coach هذا لا يعني أنّ المتخصص به حاصل على شهادة جامعية أو دورات تدريبية معترف بها، بل أصبح ذلك بهدف الظهور والشهرة على السوشيال ميديا، فكل شخص يعتبر نفسه ناشطاً على هذه المواقع أو حتى أي blogger لديه متابعون بالملايين يبدأ بإعطاء نصائح لمتابعيه كونه محبوباً ولديه جمهور يتفاعل معه ليتطور هذا الأمر ويصبح كجزء من الوظيفة التي يؤديها على مواقع التواصل.

يحاول الـlife coaches تبنّي مهنة المعالج النفسي أو الاجتماعي ويتفاعل معه المستخدمون لأنّ النصائح تكون بالمجان بخلاف المعالجين الذين يطلبون جلسات عديدة بمقابل مادي. ويلاحظ أنّ الـlife coach لديه خبرة أكثر في طريقة التعامل مع السوشيال ميديا من ناحية استغلال الوقت المناسب لتقديم نصائح ما بحيث تؤثر أكثر، أو المدة المطلوبة للفيديو حتى يجذب المشاهد ويحصل على أكبر عدد من المشاهدات.

تنطلق النصائح والارشادات من خلال تجربة شخصية فردية، أي أن يكون هذا الشخص مرّ بتجربة ما وتعلّم منها درساً فيخبرها لغيره ويقدم طريقة معالجتها أو التعامل معها كما يراها بحسب نظرته الى الأمور من دون الأخذ في الاعتبار اختلاف طبيعة المشكلة وحدتها أو الشخصية أو المجتمع والزمان والمكان.

نرى تناقضاً كبيراً بين life coach وآخر من غير المتدربين أو الحاصلين على شهادة أو خبرة وكفاءة، فمنهم من يتجه إلى أسلوب التسامح واللطافة وتقديم التنازلات في المهنة أو العلاقة أو في أي مجال آخر في الحياة، فيما القسم الآخر ينصح بالتعجرف والسيطرة أو اعتبار أنّ كل ما يتعرض له الفرد يأتي ضدّه ويجب أن يصدّه. والأخطر من ذلك الاختلاف في تقديم النصائح بطريقة التعامل مع الذات والتي يذهب بها من ليس لديه خبرة إلى الحد الأقصى ومثال على ذلك: الافراط في اللامبالاة أو الاهتمام الزائد، التعليق على أدق التفاصيل، عدم البوح بأي مشاعر، الانعزال، أو بناء علاقات عشوائية وغيره…

من هنا، فإنّ الكثير من العلاقات انتهت والكثيرين خسروا أشغالهم بسبب الاستماع إلى هذه النصائح والارشادات العشوائية غير المبنية على دراسات وخبرة في طريقة التعامل والارشاد الصحيح. فالـlife coach حسب الـ mood يقدم نصائحه لمتابعيه ما يؤثر عليهم سلباً في أكثر الأحيان، ويؤدي تحديداً إلى اضطراب الذات والضياع، وعدم امتلاك القرار الشخصي للتفكير في طريقة المعالجة الصحيحة للمشكلة. هذه الظاهرة باتت تشكل خطراً ليس على من يقدمها وحسب، بل على عدد الأشخاص الذين ينجرفون مع آرائه ويستمعون اليه ويطبقون هذه النصائح على الرغم من التناقض الكبير في الأفكار، خصوصاً أنّ الفئة الأكثر تعاطياً مع السوشيال ميديا هي فئة المراهقين الذين من السهل التأثير عليهم وتحديداً الفتيات، إذ نرى أنّ غالبية النصائح المقدمة تكون بصيغة المؤنث أي أنّها تتوجه حصراً للفتاة. وهذا ما نشهده أيضاً على محطات التلفاز مع المذيعات اللواتي يقدمن برامج ويتوجهن فيها الى السيدات لاعطائهن النصائح.

أوضحت البروفيسور في علم النفس التربوي والأستاذة في الجامعة اللبنانية رشا تدمري لـ “لبنان الكبير” أنّ “مدربي التنمية البشرية هم أشخاص ليست لديهم الخلفية الدراسية نفسها، أي أن كلاً منهم درس تخصصاً ما، ولكن يفترض أن تكون لديهم سمات شخصية مشتركة أبرزها الثقة بالنفس ورغبتهم في الأعمال التطوعية والرغبة في تطوير المجتمع”.

وقالت: “بالنسبة الى قدرتهم على القيام بالتغيير، حسب المشاهدات والملاحظات الميدانية لم نرَ أنّ هناك تغييراً جذرياً خصوصاً في ما يتعلق بالأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية، بالطبع مدرب التنمية البشرية غير مؤهل لممارسة العلاج. التنمية البشرية تستهدف تطوير مهارات وليست تقديم علاج، يعني تنمّي المهارات في طريقة حل المشكلة، التخطيط، التنظيم، التعامل مع الأزمات وكلّه يكون عبارة عن معطيات عامة وليس بصورة عميقة أو عن مواقف محددة”.

في رأي تدمري “لا وجود لاختصاص الا وهناك حاجة اليه، وبما أنّ هناك حاجة الى هذا الاختصاص ومستمر، اذاً في مكان ما هو نافع لكن ضمن حدود. هناك الكثير من الأشخاص اسمهم لامع في هذا المجال فالاختصاص مفيد لكن علينا معرفة اطاره وحدوده، هو موجود فقط لتنمية مهارات موجودة أساساً. لا نريد التقليل من شأن أي اختصاص ولكن النفساني قبل ممارسته المهنة يدرس حوالي 5 سنوات إضافةً إلى عمل ساعات مكثفة من التدريب، واذا كان معالجاً نفسياً نضيف إلى ذلك دراسته في احدى المدارس العلاجية التي لا تقل عن 3 سنوات، في حين أنّ مدرب التنمية البشرية هو شخص تخصص في كورس معين يمكن أن تكون عدد ساعاته 30 ساعة وأخذ شهادة مدرب تنمية بشرية”.

وعن التداخل بين علم النفس والتنمية البشرية، أكدت أن “لا تداخل بينهما، طريقة التعامل والموضوعات تختلف، لكن المشكلة عدم وضوح هذا الاختلاف في ذهن المجتمع. عامة الأفراد في المجتمع يحتاجون الى تثقيف صحي حتى يتمكنوا من التمييز إلى من يتجهون وفي ظل أي ظروف. حتى في العمل النفسي هناك تخصصات ومسارات يجهلها المجتمع، فهناك نفساني يعنى بعملية التشخيص والاستشارات، وهناك المعالج الذي يعنى بعملية تدخل غير دوائي لاضطرابات نفسية من أجل تقديم جلسات علاج…”، مشيرةً إلى أنّ “الخطوة الأساسية والمهمة أنّه باتت هناك نقابة للنفسانيين حتى لا يقع الأشخاص في فخ التنمية البشرية، يمكنهم حينها التأكد ما اذا كان الشخص لديه اذن مزاولة مهنة من وزارة الصحة أو اذا كان منتسباً الى النقابة، بينما ليس هناك أي مدرب تنمية بشرية مرتبط بنقابة النفسانيين لأنّه لا يتبع اليها، وبالتالي اذا أخطأ بحق أي شخص لا يمكنه تقديم شكوى ضده ضمن أي مكان ما لتحصيل حقه”.

شارك المقال