التكافل الاجتماعي في ظل تراجع الضمير الانساني

السيد محمد علي الحسيني

يعيش لبنان وضعاً اجتماعياً مزرياً لم يشهده في تاريخه الحديث والمعاصر، فالبلد الذي كان أولى به أن يكون سويسرا الشرق لم يعد يمتلك مقومات الدولة ولم يعد شعبه قادراً على تحمل هذه المعاناة التي قادته وتقوده إلى الهاوية، والأدهى والأمر أنه لم يعد يؤمن بالأمل ولا مكان للتفاؤل بأي حل في القريب أو البعيد، ولكن مع كل ما يحدث لا يجب أن يبقى القادرون ومن يمتلكون بعض القدرات والامكانيات لتقديم المساعدات وكأن الأمر لا يعنيهم، فهنا يميز الطيبون من الخبيثين “وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب”، وتظهر المواقف الانسانية التي يجب تسجيلها في مثل هذه الظروف الصعبة والقاهرة التي أودت بنسبة ثمانين بالمئة من هذا الشعب إلى تحت خط الفقر، وهي نسبة خطيرة ومقلقة تستدعي ضرورة بعث الحس الانساني وتفعيل التكافل الاجتماعي لمحاولة إنقاذ هذا البلد من الانهيار الاجتماعي الوشيك.

اهتمام الإسلام بالتكافل الاجتماعي

إن الإسلام دين قام على المبادئ الإنسانية المشتركة، ودعا منذ البداية إلى أهمية التعاون بين الناس لما فيه خير ومصلحة لهم “وتعاونوا على البر والتقوى”، كما أكدت تعاليمه على تقاسم مدلهمات الحياة وتحدياتها وتبادل المحبة والحرص على حب الخير للناس جميعاً كما جاء في الحديث النبوي الشريف “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وهو كلام ذو دلالة عظيمة فلقد قرن رسول الحكمة والمحبة إيمان الإنسان بحبه لأخيه الإنسان، وهو أبلغ كلام وأعظم دعوة للتكافل الاجتماعي، بل قال أيضاً عليه وعلى آله الصلاة والسلام: “الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”. ولا شك في أن الإسلام اهتم كثيراً بالعلاقات الاجتماعية وضرورة ترابطها وتماسكها لما في ذلك من حكمة وأهمية كبيرة ولا شك في أن مظاهره ليست محدودة، بل كل ما يتعلق بالمساعدات أياً كانت طبيعتها تدخل ضمن صرح التكافل الاجتماعي سواء بما يتعلق بالصدقة والزكاة وتأمين الأكل والشرب والأدوية وأماكن خاصة تأوي اليتامى والمساكين، وغيرها في صورة تعكس قول نبينا (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم): “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”.

لبنان بحاجة لتفعيل الضمير الإنساني

ينبغي على اللبنانيين المقتدرين والأغنياء أن يدركوا أنهم على قدر من المسؤولية تجاه إخوانهم ممن يعيشون في وضع اجتماعي مزرٍ “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”، فمن هنا يجب أن يسارعوا الى الخيرات ويبسطوا أيديهم لتقديم المساعدات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وينبغي ألا ننسى أن لا حال يبقى على حاله فكم من غني أضحى فقيراً وكم من فقير أصبح غنياً “وتلك الأيام نداولها بين الناس”. لذلك، فالجميع أمام امتحان صعب لضميره الإنساني وإيمانه ويوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”، ونحن نؤمن بطيبة هذا الشعب الكريم المعطاء الذي في وقت الأزمات هو نموذج للشعب الفاضل المضحي الصابر الذي يقدم كل ما بوسعه للخدمات والمساعدات وهو لا شك في هذه الأزمة الصعبة سيكون عصياً عليها، ويداً بيد سيصل اللبنانيون إلى بر الأمان.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال