هجرة الرأسمال البشري تفرغ لبنان من “شبابه”

حسين زياد منصور

تعد مشكلة الهجرة الشرعية وغير الشرعية الى جانب معدلات الخصوبة من أكثر المشكلات التي تواجهها الدول وخصوصاً الغربية. ومع تزايد أعداد المهاجرين خلال الفترات الماضية، الى جانب اللاجئين نتيجة الحروب والمعارك في مختلف مناطق العالم، ووفق حرس الحدود الأوروبي، فإن نسبة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط ارتفعت بنسبة 300٪ منذ بداية العام 2023. ومع دعوات بعض الدول الى جذب هؤلاء المهاجرين على الرغم من فرضها الكثير من القيود والشروط عليهم في الوقت نفسه، فانها بهذه الخطوات قد لا تتمكن من ذلك، وفي الوقت نفسه سيتراجع عدد سكانها وستزداد الأعباء الضريبية على شبابها لتمويل الإنفاق على التقاعد والرعاية الصحية للمسنين، رفع الضرائب وزيادتها يعني تدهور مستوى المعيشة وتراجع معدلات الخصوبة.

هذه الأسباب والنتائج قد تدفع بالكثير من الدول الى تغيير سياساتها، وقد يكون للحكومات بعض الأدوار في منع توسع دائرة الهجرة.

وعلى صعيد لبنان، تزايدت خلال السنوات القليلة الماضية أعداد المهاجرين والمغادرين لتحسين ظروف حياتهم الصعبة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة.

يونس: الهجرة جزء من بنية المجتمع اللبناني

تشير أستاذة علم الاجتماع الدكتورة ماريز يونس في حديث لـ “لبنان الكبير” الى تحول في نظرة الشباب لمستقبلهم وذلك يعود الى اليأس والاحباط وتداعيات الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا. وبعد دراسة أجريت على الفئات المهمّشة من الشباب اللبناني، تبين أن الشباب يرى المشكلة هي “لبنان”، ولا أحد لديه حلول سوى الهجرة، بسبب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن كما تقول “هذه الأسباب مختلفة عن الهجرة لدى الشباب العربي المحملة بالهموم والمخاطر والخوف والقلق، فهجرة اللبنانيين نتيجة الأوضاع الراهنة من جهة، ومن سبقهم أيضاً من جهة ثانية”.

وتوضح يونس أن “الهجرة تاريخياً جزء من بنية المجتمع اللبناني بتركيبته الاجتماعية، اذ يتمثل بالنماذج التي هاجرت وحققت النجاحات والانجازات في كل بلدان الاغتراب”.

وعن انعكاسات الهجرة، تؤكد يونس أنها خطيرة، لافتة الى أنها “أثرت على قيم الشباب ونظرتهم الى تأمين لقمة عيشهم، وخطوات الزواج أيضاً، كالزواج من أجانب من أجل المصلحة الشخصية، وهو ما يؤثر على الهرم السكاني نفسه بسبب التزاوج بين الجنسيات المختلفة”.

اما بالنسبة الى السياسات التي تضعها الدول، فتوضح يونس أنها “من الناحية الاجتماعية الى حساسية من هؤلاء الشبان تجاه سياسات هذه الدول والمجتمعات، وستؤثر على التفاعل بين هجرة الشباب والمجتمع المضيف. الى جانب النظرة التي تطلقها هذه المجتمعات تجاه العرب عموماً، مثل التضييق على الشباب المهاجر، وفي بعض الأحيان تسيء اليهم وتكون عنصرية”.

ومن الناحية الاقتصادية، تعد الدول الغنية التي تتحدث لغات منتشرة عالمياً أو كانت قوى استعمارية قديمة أكثر قدرة على جذب المهاجرين الجدد، بحسب يونس التي تعتبر أن “رفع الضرائب في دولة معينة سيجعلها أقل جاذبية للمهاجرين الجدد، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الدول الى هؤلاء المهاجرين بسبب انخفاض معدلات الخصوبة. وفي هذه الحالة من سيفكر في مغادرة بلاده سيختار دولة ضرائبها قليلة”.

نشابة: الضرائب تشعر المهاجرين بعدم الاستقرار

وعلى ذلك، يعلق الخبير الاقتصادي شادي نشابة في حديث لـ “لبنان الكبير” بالقول: “ان هجرة الأدمغة هي هجرة رأسمال بشري ويفقدها البلد في مختلف القطاعات، ضارباً مثالاً حول هجرة ما يقارب 1500 طبيب و2000 ممرض وغيرهم من باقي القطاعات، وهو ما يؤثر في نوعية الخدمات التي تقدم في البلاد”.

ويوضح أن “الرأسمال البشري هذا، كان من الممكن أن ينشئ شركة أو مؤسسة داخل البلد وتشارك في الدورة الاقتصادية بصورة أكبر، لكن عدم حصول هذا أثر سلباً، الا أنهم في مكان آخر لعبوا دوراً في الدورة الاقتصادية من خلال التحويلات لكنها لن تكون بحجم المساهمة من داخل البلد”.

وعن الشروط القاسية والضرائب التي أصبحت بعض الدول تفرضها على المهاجرين، يشير نشابة الى أن “هناك دولاً لديها شروط أكبر وأكثر من دول أخرى، لكن الضرائب والرسوم بالتأكيد تؤدي الى تخفيف ادخاراتهم، بحيث يدفعون غالبية أموالهم في هذه الدول لتسديد الضرائب، وهو ما سيؤدي الى عدم قدرتهم على تحويل أموال أكثر الى عائلتهم من جهة، وسيشعرون من جهة أخرى بعدم الاستقرار”.

ويرى أن “الاستقرار أو بدء استقرار الوضع في لبنان سيلعب دور أساسياً، فعلى سبيل المثال من سافروا في الفترة الأخيرة ووجدوا أن الوضع الاقتصادي في لبنان قد عاد وبدأ يأخذ تموضعه الطبيعي يمكن أن نشهد عودة لهم في ظل الشروط القاسية التي تفرضها هذه الدول”.

شارك المقال