لا يختلف اللبنانيون على أن السنوات الماضية تعد من الأسوأ في تاريخ لبنان على صعيد البيئة، من موجة الحرائق المرعبة في تشرين 2019، التي أتت على مساحات خضراء كبيرة، وطالت أشجاراً وغابات معمرة، كان لها أثر سلبي على البيئة في لبنان من مختلف الجوانب، الى الحملات الجائرة لقطع الأشجار بغية استخدامها في التدفئة بعد رفع الدعم عن أسعار المحروقات. وتعددت التكهنات حول أسباب الحرائق التي بدأت تنتشر بقوة، اذ اعتبر البعض أنها كانت مفتعلة، فيما رأى البعض الآخر أن موجات الطقس المتقلّب بسرعة والجفاف والتغير المناخي تسببت بها.
ولا تقتصر المشكلات البيئية في لبنان على ذلك، بل للموارد المائية حصة، والتنوع البيولوجي كذلك، وأيضاً المقالع والكسارات.
علوية: الواقع البيئي الأسوأ في المنطقة
وفي حديث لموقع “لبنان الكبير” يرى المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية أن “الواقع البيئي اليوم في لبنان على الرغم من وجود منظومة من التشريعات والقوانين والمراسيم والقرارات التي تنظمه، من التنظيم المدني، والمخططات التوجيهية للمقالع والكسارات، وقانون المياه، وقانون استثمار الأملاك البحرية، والقوانين المتعلقة أيضاً بحماية تلوث الهواء، وتلك التي تنظم نشاط المؤسسات الصناعية، الا أنه لا يزال الأسوأ في المنطقة، وذلك يعود الى مؤشرات عالمية”، مشيراً الى أن “الواقع البيئي يرتبط بثلاثة عوامل تتعلق بتطبيق المبادئ الثلاثة بإدارة الموارد البيئية والمائية، ألا وهي الشفافية والمشاركة والحوكمة”.
ويقول علوية: “في لبنان لا تزال الشفافية غائبة، ومشاركة الجمهور أو الرأي العام في القرارات والمحاسبة لا تزال غائبة، وكذلك الحوكمة. بالتالي لدينا سوء إدارة للموارد البيئية في لبنان أدت الى استمرار تردي الموارد وانهيارها، الى جانب ما يعاني منه قطاع المياه حالياً، من تلوث وسوء إدارة، وهو ما له أثر أكبر من التلوث المباشر”.
ويوضح أن “الدراسات تشير الى أنه كلما انخفض مستوى الشفافية في إدارة قطاع المياه كلما ارتفع مستوى التلوث، وهو ما نعاني منه. فالزبائنية والمحاصصة مسيطرتان على القطاع وهي صورة من صور انعدام تطبيق القانون في كثير من الحالات وتؤدي الى غياب الشفافية وعدالة التوزيع، إن كان بين الأحواض، أو المشتركين أو بين القطاعات، وهو ما يؤدي الى تردي كبير في نوعية المياه وغياب الوعي لدى صانعي القرار والمواطن لأهمية حماية الموارد المائية في لبنان”.
ويؤكد علوية أنهم في مصلحة الليطاني أنجزوا تقارير تتعلق بالمقالع والكسارات، والنفايات الصلبة، ومخيمات اللاجئين السوريين وكميات الصرف الصحي والصرف الصناعي، والتعديات على الأملاك النهرية، وتمكنوا من إيقاف المقالع والكسارات ضمن جبال الريحان والعيشية والحد من ظاهرة النفايات والمكبات العشوائية ضمن الحوض الأدنى لنهر الليطاني، وإزالة عدد من مخيمات اللاجئين السوريين الموجودة ضمن أراضي المصلحة، وأيضاً اجبار أكثر من 90 مؤسسة صناعية من الفئات الأولى والثانية والثالثة على تركيب منظومات لمعالجة الصرف الصحي ووقف تحويله الى البحيرة ونهر الليطاني.
ويضيف علوية: “يمكن القول ان تطبيق القانون كان وسيلتنا الوحيدة، وبالتالي يمكننا التأكيد أنه عند تطبيق مبادئ إدارة الموارد المائية من الحوكمة والمساءلة والمحاسبة والشفافية، يمكننا تحقيق الانجازات، وإن لم نطبق القانون فستتردى أكثر فأكثر نوعية الحياة والبيئة والموارد المائية في لبنان”.
رعد: تعاون الناس مطلوب
ويقول المستشار الاعلامي في “الحركة البيئية اللبنانية” مصطفى رعد: “في يوم البيئة العالمي يتحدث الشعار هذه السنة عن موضوع تخفيف انتاج النفايات البلاستيكية، في حين ينتج لبنان حوالي 219 ألف و800 طن منها سنوياً، أي ما يعادل 14٪ من نفاياتنا بلاستيكية، وبحسب دراسة أجريت عام 2015 هناك حوالي 1.57 مليون طن من النفايات التي ننتجها الى جانب النفايات العضوية وغيرها من النفايات”.
ويؤكد “أننا بحاجة الى خطة مستدامة لإدارة قطاع النفايات الصلبة في لبنان وفي الوقت نفسه يجب البدء بالعمل على الاقتصاد الدائري لاسترداد كلفة النفايات التي ننتجها ونقوم بإعادة التدوير والفرز من المصدر، مثل التنك والمواد التي نعيد تدويرها، ويجب أن تكون هناك محفزات مادية كي يتشجع الناس على موضوع فرز النفايات وبيع المفروزات لمؤسسات قادرة على اعادة التدوير والافادة من هذا الإنتاج”.
ويوضح رعد أن “وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين يعمل على خطة عشرية أي خطة لعشر سنوات، بحيث نكون قادرين على انشاء ادارة للقطاع وفي الوقت نفسه نجد طريقة كي يصبح هذا القطاع مستداماً وليست هناك أي مشكلة فيه، ويجب أن نعطي سلطة للبلديات كي تكون لديها مساهمة كبيرة في ادارة هذا الملف كون الناس هم المعنيون بالاحتكاك المباشر مع البلديات ضمن نطاقها كي يتمكنوا من حل ملف النفايات”.
ويعتبر أن” تعاون الناس مطلوب، ويجب أن يتعاملوا بصورة جدية مع ملف النفايات وتحملهم جزءاً من الكلفة الى جانب الدولة والبلديات فهناك مسؤولية عليهم”، مشدداً على وجوب “أن تكون هناك نيابة عامة بيئية مستقلة، وهو أمر غير موجود عندنا، فهي ضرورية كي تتمكن من الحكم في القضايا المتعلقة بالتلوث وتكون على قاعدة الملوّث يدفع، كما في الدول الأجنبية حين يتم التعامل مع ملف النفايات، فمن يكون مخالفاً في القضايا البيئية وخصوصاً في ما يتعلق بالتلوث، يدفع الثمن ويتحمل نتيجة فعلته”.
ويضيف: “نحن نمتلك القدرة على تحقيق العدالة في ملف النفايات وتحديداً في ما يتعلق بالقضايا البيئية، والى جانب ذلك هناك موضوع التغير المناخي فلبنان ملتزم بحماية 30٪ من المحميات البرية والبحرية وصولاً الى العام 2030 وفقاً لأجندة التنمية المستدامة التي وقع عليها لبنان في العام 2015 بالاضافة الى الكوب 16 التي تتعلق بالتنوع البيولوجي والكوب 28 التي ستقام في دبي هذه السنة”.
ويتمنى “التزام لبنان بهذا الملف، والتمكن من تحقيقه الى جانب الاهتمام المناسب والوعي الكافي من الناس كي يتمكنوا من المساهمة مع مراعاة الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها، وأنه يجب المحافظة على الطبيعة، خصوصاً أن لبنان يتمتع بالتنوع البيولوجي، ولا يجب للتلوث أن يؤثر على طبيعته وجماله ويجب التشجيع على السياحة الداخلية لأننا نمتلك 22 محمية برية وبحرية يجب التعرف عليها وزيارتها قبل التعرف على بلدان أخرى”.
ياسين: نسبة حماية الغابات ارتفعت
وكان وزير البيئة شدد على ضرورة إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر حرائق الغابات، وأن هذه الاستراتيجية تم تحديثها تماشياً مع أبرز المتطلبات الواجب اتخاذها في التصدي للتحديات المستجدة حول خطر اندلاع وانتشار حرائق المساحات الخضراء في لبنان والتي تتقلص عاماً بعد عام.
وبحسب الوزير تهدف الاستراتيجية الجديدة الى توعية المواطنين والشراكة بين الجهات المحلية والرسمية والأمنية من الجيش وقوى الأمن والقطاع الخاص والقطاع الأكاديمي على مبدأ الوقاية من الحرائق قبل حدوثها من خلال تنفيذ خطط وإجراءات محلية.
وأشار ياسين الى أن الجهود التي بذلتها وزارة البيئة خلال العام 2022 استطاعت أن ترفع نسبة حماية الغابات في لبنان إلى 91% عن معدلات السنوات السابقة.
الدفاع المدني: للالتزام بالإرشادات
وتجنباً للمخاطر المرافقة لحلول فصل الصيف، تذكر المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين بالإرشادات التي توزعّها دورياً والمتعلقة بالاحتياطات التي يجب اتخاذها درءاً للمخاطر. فبالنسبة الى إرشادات الوقاية من حرائق الغابات، تنصح المديرية بحفر حفرة صغيرة بعيدة عن الأعشاب أو الأغصان اليابسة تستعمل لاشعال النار للشوي تردم عند الانتهاء منه بالتراب ويسكب عليها الماء لتبريدها، ويجب مراقبة النار باستمرار خصوصاً عندما يكون الهواء قوياً مما يسبب بتطاير الشرارات وانتشارها وإبعاد المواد سريعة الاشتعال عن مكان النار. الى جانب جمع النفايات في أكياس لوضعها في صناديق القمامة وخصوصاً الزجاجية، وعدم رمي أعقاب السجائر من السيارة على أطراف الطرق أو عند التنزّه في الغابات وفي محيط المناطق الحرجية، ووجود مطفأة يدوية لاستعمالها في الحالات الطارئة.
كما ينصح الدفاع المدني في الأعياد والمناسبات بعدم استعمال المفرقعات بالقرب من الغابات أو الأعشاب الجافة.
وبالنسبة الى أصحاب الأراضي الزراعية، تشير الارشادات الى عدم حرق الأعشاب اليابسة عند تنظيف الأراضي لأنها تشكّل وقوداً سريع الاشتعال خصوصاً عند وجود هواء قوي، ووضع الأعشاب والأغصان الصغيرة في أماكن آمنة بعيدة عن الغابات بعد عملية التنظيف.