ذوو متلازمة داون… دمجهم في المدارس أبسط حقوقهم

نور فياض
نور فياض

يستغرب البعض تعلّم الأشخاص الذين يعانون من اعاقة أو متلازمة داون في مدارس عادية جنباً إلى جنب مع زملائهم من غير ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن ذلك الاستغراب بحد ذاته مُستغرب، فالدمج هو الأفضل لتأمين حقهم في التعلم بصورة متكافئة، وهذا ما تثبته التجارب والعلم. ولوحظ في لبنان أن المساعي الدؤوبة والجهود المتواصلة التي تقوم بها الجمعيات أسهمت وتسهم في تكريس تعليمهم في المدارس العادية من خلال برامج دمج تربوي.

العديد من البلاد العربية تطبّق دمج أطفال متلازمة داون في مدارسها، ومؤخراً بدأ أهالي الكويت المطالبة بهذا الأمر، وأنشأوا “الفريق الكويتي لدعم متلازمة داون” الذي يقول أحد أعضائه لـ “لبنان الكبير”: “الحملة بدأت من الفريق الكويتي لدعم متلازمة داون ومجموعة من الأمهات، اجتمعنا ووضعنا وثيقة رسمية للمطالبة بحقوق متلازمة داون التعليمية، والدمج في المدارس الحكومية، لأن الدمج الأمر الأنسب لمتلازمة داون، وهو نظام متبع في دول الخليج وكذلك دول العالم، وها نحن نسعى وباذن الله الى أن نحقق مطلبنا، ونحتاج دعمكم معنا.”

اما في لبنان، فتؤكد مديرة الارشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي هيلدا خوري لموقع “لبنان الكبير” أن “وزارة التربية تعمل على دمج المتعلمين الذين لديهم احتياجات خاصة في المدارس الرسمية منذ سنة ٢٠١٨،وحتى الآن وصل عدد المدارس الرسمية الدامجة الى ١١٠ مدارس (٩٠ في الدوام الصباحي و٢٠ في الدوام المسائي). وتعمل الوزارة بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والانماء على تعميم ثقافة الدمج من خلال تدريب المعلمين وتأمين فريق الاخصائيين لمواكبة المتعلمين بدعم من منظمة اليونيسف والاتحاد الأوروبي .”

وفي ما يختص بالمناهج الجديدة التي هي قيد التحضير، تشير خوري الى أن “هناك لجنة للدمج انبثقت من الاطار الوطني للمناهج في المركز التربوي للبحوث والانماء وهي في طور تحديد الأسس التي على المناهج الجديدة الارتكاز عليها لتأمين منهج دامج يساعد في جعل المدارس دامجة تستقبل جميع المتعلمين وتؤمن لهم التعليم النوعي. منذ سنة ٢٠١٨ حتى الآن استطاعت الوزارة استقبال المتعلمين الذين لديهم احتياجات خاصة باستثناء بعض المتعلمين الذين لديهم احتياجات متقدمة وتعمل الوزارة حالياً على التحضير لاستقبالهم”.

وتلفت الى أن “الأطفال المصابين بمتلازمة داون يمكنهم الالتحاق بالمدارس الدامجة، وهناك فريق في الوزارة في جهاز الارشاد والتوجيه يهتم بذلك ويوجه الأهل الى المدرسة الأقرب الى سكنهم ويعمل على دمجهم.”

وتضيف خوري: “يصل العديد من الطلاب الذين يعانون من متلازمة داون إلى المرحلة الثانوية ويستطيعون الوصول الى التعليم العالي. وتجدر الاشارة الى أن ما يعزز قدراتهم التعلمية هو :التدخل المبكر وخصوصاً خلال مرحلة الروضات عبر أنشطة تطور قدراتهم الانمائية، ومنهج متطور في المراحل الابتدائية والمتوسطة يراعي خصوصيتهم ويستجيب لاحتياجاتهم وهذا ما يعمل المركز التربوي على تحضيره.”

وتشدد على أن “التعليم النوعي المرن هو حق للجميع ومعالي وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي أعطى المتعلمين الذين لديهم احتياجات خاصة الأولوية، وهذا ما ينعكس في جميع المشاريع التي تنفذ في المديرية العامة للتربية وفي المركز التربوي للبحوث والانماء علّنا نصل الى ثقافة المدرسة الدامجة ومنها الى لبنان دامج .”

نجح ذوو متلازمة داون في مجالات شتى في المجتمع، فمثلاً أحد الأطفال حصل على الدكتوراه ، وآخر فاز بجائزة الأوسكار 2023 في فئة أفضل فيلم قصير (جيمس مارتن)، وغيرهم. كما تمكن هؤلاء الاشخاص، من الحصول على عمل في لبنان يوفر لهم الدخل، ويحقق دورهم في المجتمع، فمقهى “اوغانيستا” كسر قوالب نمطية من خلال توظيفهم. ومؤخراً ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالطفل حسن، نجم مسلسل “شتي يا بيروت”.

“حسن منذ سن الثلاث سنوات يملك موهبة التقليد والتمثيل، اذ كان يترجم هذه الموهبة عبر ڤيديو ينشره على انستغرام”، وفق ما تقول والدته فاطمة كريّم لموقع “لبنان الكبير”. وتشير الى أن “شركة الصباح شاهدت هذه الڤيديوهات وتواصلت معنا لاجراء كاستينغ لحسن لأن الشخصية في المسلسل تتطلب طفلاً من متلازمة داون، وفي ضوئها شارك حسن في المسلسل وكانت معاملة كامل فريق العمل معه جيدة، أولاً لينجح العمل وثانياً لكي يتجاوب معهم، ما أسفر عن تجربة ناجحة”.

اما في ما يتعلق بالناحية التعليمية، فتوضح “واجهنا صعوبة في إيجاد مدارس تحوي على دمج مناسب، حسن اليوم مسجّل في مدرسةbeirut baptist school، يتابع بعض الحصص مع الطلاب كافة، والبعض الآخر مع أطفال في مثل حالته، اضافة الى وجود اخصائيي نطق، وترافقه معلمة ظل تساعده في كل ما يحتاجه أيضاً”.

وتلفت الى أن “الفريق المدرسي يدرك كيفية التعامل معه ويفسر للطلاب أن هذه الحالة يمكنها أن تكون موجودة معهم ويوضح لهم كيفية التعامل معها، وبالتالي تمكن حسن من انشاء صداقات عدة ويتبادل معهم الزيارات ويشارك في أعياد ميلادهم”، مؤكدة أن “المشكلة الوحيدة التي يعاني منها أهالي طلاب متلازمة داون أن أقساطهم أضعاف الطلاب العاديين ولا مساعدات من الدولة انما الكلفة كاملة على عاتق الأهل”.

يؤكد ذوو متلازمة داون للجميع أنهم قادرون على العمل والإنتاج حيثما توافرت لهم البيئة المناسبة، فالعوائق في طريقهم هي المشكلة دائماً، وليست الاعاقة في حدّ ذاتها، مهما كانت. وبالتالي، معاملتهم كبشر طبيعيين تجعلهم يحققون إنجازات مثل أقرانهم. فدمجهم من أبسط أشكال الحضاره الانسانية، وعزلهم تمييز عنصري وجريمة في حقهم وحق المجتمع.

شارك المقال