حذار من “دكاكين” المياه شمالاً!

إسراء ديب
إسراء ديب

يكثر في الأعوام الأخيرة انتشار معامل المياه العشوائية أو ما يُطلق عليه المعنيون والخبراء بـ”الدكاكين” في طرابلس والشمال. وكانت المدينة عانت العام الماضي من وباء الكوليرا (الذي أعلنت وزارة الصحة العامّة انتهاءه محلياً منذ أيّام)، لكنّها لا تُريد خوض هذه التجربة من جديد، لا سيما في ظلّ عدم إدراك بعض المواطنين خطورة استخدام المياه الملوّثة أو الجرثومية وعدم اكتسابهم المعطيات المعلوماتية التي تتيح لهم حماية أنفسهم من أيّ مرض ناتج عن بعض العوامل التي تنعكس على صحة المياه من جهة، كما مع عدم معرفة مصادر المياه التي تستغلّها بعض هذه الشركات شمالاً، من جهة ثانية.

تُعدّ أزمة تلوّث المياه من أكثر “المعضلات” التي تشغل بال الطرابلسيين لا سيما مع بداية فصل الصيف الذي يدفع الناس إلى استخدام المياه بصورة مضاعفة، سواء بهدف الشرب أو الاستخدام المنزلي، ولا يخفى على أحد أنّ النتائج التي صدرت عن جولة قامت بها مصلحة الاقتصاد في الشمال على 12 مركزاً لتعبئة المياه الصالحة للشرب ومصانع الثلج في مدينة طرابلس وقضاء الكورة، قد أضافت المزيد من القلق على بعض الأهالي الذين يخشون على صحتهم.

وفي التفاصيل، سحبت عيّنات من تلك المراكز لفحصها في المختبرات المعتمدة من الوزارة للتأكد من سلامتها، وقد أظهرت النتائج أنّ سبعة معامل من أصل 12 معملاً فيها تلوث جرثومي بسيدوموناس “وهي جرثومة يُمكن أنْ تتسبّب بأضرار جسيمة على الأشخاص الذين يُعانون من ضعف في المناعة”، في إشارة إلى أنّ “بعض المعامل غير مجهزة بالصورة المطلوبة وستختم بالشمع الأحمر، أمّا المعامل الأخرى فستوقف عن العمل وتعطى مهلة زمنية حتى تصحيح الوضع والتأكد من مطابقتها للمواصفات الصحية”.

ولمزيد من المعلومات حول صحّة مياه الشرب التي يحصل عليها الشماليون، تواصل “لبنان الكبير” مع رئيس مجلس إدارة والمدير العام لمؤسسة مياه لبنان الشمالي الدكتور خالد عبيد الذي طمأن المواطنين الى أنّ مياه المؤسسة صالحة للشرب وسليمة بصورة كاملة، وقال: “لا ندرك ما إذا كان بعض هذه المعامل يُمكن إطلاق عليه تسمية معامل أو دكان مثلاً، فنحن نأخذ عيّنات من المياه يومياً في كلّ الشمال، ونؤكّد أنّ مياه المؤسسة صالحة للشرب نظراً الى كونها نظيفة دائماً وبمواصفات صالحة وممتازة، أمّا بعض المعامل فيعتمد على مصادر غير موثوقة للمياه، ولا علاقة لها بالمؤسسة التي تُعدّ مصدراً سليماً وفق جدول يوميّ وشهري يُؤكّد صحة هذا الكلام”.

ولا يُخفي عبيد أنّ المؤسسة تعرف المعامل التي تأخذ من مصادرهم، لكن “منذ فترة تعرّضنا للسرقة من بعض المعامل، التي حتّى لو سرقت وأخذت منا فستكون مياهها نظيفة أو صالحة للشرب أكثر من غيرها وغالبيتها غير مرخصة، لذلك كنّا طلبنا مؤازرة أمنية لازالة الاعتداءات التي يقوم بها البعض لأخذ المياه لكن لا يُمكنني الحديث عن سلامتها، لأنّها بالتأكيد تحتاج إلى رقابة وفحوص لتُؤكّد ذلك وكيفية تعبئتها تُحدّد أكثر أيضاً”.

بدوره، شدّد الخبير في معالجة مياه الشرب كمال مولود، على أنّ هذه “الدكاكين” تلوّث المياه حتّى ولو لم تكن ملوّثة، موضحاً لـ “لبنان الكبير” أن “هناك الكثير من المعامل التي تقوم بوضع فلاتر لسنوات من دون القيام بتغييرها، وكأنّ هذه الفلاتر التي لا بدّ لها من تنقية المياه، خلقت لتستمر إلى أبد الآبدين، فخرطوشة هذا الفلتر يجب تغييرها أساساً بصورة دائمة، وما اتضح لنا أنّ هذه المعامل لا بدّ من إحاطتها بأمرين رئيسين: ضرورة تغيير الفلاتر أوّلاً، وتشديد الرقابة عليها وعلى خطوات التعقيم الرئيسة مع تدوين كلّ المعلومات لمعرفة صورة هذه المياه ثانياً”.

ولا يغفل مولود عن أمر أساس يُؤثّر أيضاً على صحة المياه عموماً ويرتبط بصورة رئيسة بـ “الخزانات”، بحيث تقوم بعض المؤسسات بإزالة الكلور عن المياه ووضعها في الخزانات، ما يعني أنّهم “أزالوا المناعة عنها”، مشيراً الى أنّ “الخزان المصنوع من البلاستيك أو الكاوتشوك لا بدّ من تنظيفه في المنازل وكلّ مكان، كل 6 أشهر”.

إنّ هذه المعامل تضاعف عددها كثيراً لا سيما بسبب الأزمات الاقتصادية، ونقص الرقابة وتعدّي البعض على القانون، ولفت مولود إلى أنّ “عددها كان يصل منذ 10 أعوام إلى أكثر من 600 شركة (8 منها مرخصة فقط)، أمّا الآن فوصل عددها إلى الآلاف مع تأزم الوضع والتغيّرات التي طرأت عليه، موضحاً أنّ بلدية طرابلس كانت أخذت عيّنات من مياه المدينة وأكّدت أنّها سليمة، ما يعني أنّنا ننصح كما دائماً بشرب مياه طرابلس من الحنفية مباشرة أيّ من المصدر، أمّا طريقة نقل المياه عبر الغالونات التي قد تكون ملوثة أو الخزانات التي لا تخضع للرقابة فقد تُؤذي نوعية المياه”.

وحذر مولود من “اللافتات” أو الدعوات إلى شرب المياه “عن روح أبي أو أمي”، فيقوم الشخص بتعبئة المياه ليعتاد على المحل. فيما نبّه على المعامل التي “تتهرّب من المؤسسة فتحفر الآبار التي قد تكون ملوّثة أو تحتاج مياهها إلى تعقيم ورقابة…”.

وأشار إلى أنّ معظم الشماليين يثقون بمياه المؤسسة التي “يُمكن الشرب منها أو استخدامها لأنّها موثوقة علمياً، وهذه المسألة ليست لعبة بل لا بدّ من استخدام المياه الآمنة والنقية من الشوائب أيّ المواد السامّة وتخليصها من المواد العضوية. عموماً إنّ المواد الجرثومية ليست مزحة وقد تُؤدّي إلى حدوث أمراض مستعصية لا سيما في مياه قد تحتوي على البراز البشري…”.

شارك المقال