كيف نحدّ من ظاهرة تزويج الطفلات؟

ليال نصر
ليال نصر

تقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أن واحدة من بين كل 5 فتيات سوريات في لبنان، في مقابل 4% من الفتيات اللبنانيات، تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً، متزوجة.

ونستخدم عبارة “تزويج الطفلات” وليس “زواج الطفلات”، لأن العناصر الرئيسة الثلاثة وهي الارادة والوعي والرشد، مسلوبة من الطفلات (أقل من ثمانية عشر عاماً) حتى لو كان جواب بعض الأهل أن عنصر الرضا متوافر في إقدام الفتاة على خطوة الزواج.

وفي لبنان كما في دول أفريقيا وجنوب آسيا، يحدث تزويج الطفلات عادة بسبب النزاعات والحروب والأوضاع الاقتصادية التي تترافق معها والفقر.

ازدياد النسب

وتقول الصحافية والناشطة النسوية مريم ياغي لموقع “لبنان الكبير” إنها وفي لقاء مع ناشطين وناشطات في المخيمات السورية وخلال الحديث عن سبب ازدياد هذه النسب، يحدث تزويج الطفلات بسبب “الخوف من الاعتداءات الجنسية والمضايقات في المناطق المكتظة وعدم وجود مساحات آمنة” ما يدفع الكثير من العوائل إلى تزويج طفلاتهم على اعتبار أن الزواج يشعرهنّ بالأمان، فيما يتخلّص الأهل من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم تجاههن.

ويعتقد الأوصياء أو أولياء الأمور في المجتمعات التي تمارس تزويج الطفلات حتى اليوم، أن لديهم الوعي الكامل والرشد لأخذ هذه القرارات عن أبنائهم أو بناتهم في حين أن قرارات كهذه لا تكون نابعة سوى من صور نمطية يعيد مجتمعنا الأبوي الذكوري إنتاجها، ولا تؤدي إلا إلى المزيد من التمييز والمشكلات ومظاهر التخلف.

خطورة إجبار الفتيات

إذا اطلعنا على القوانين الطائفية في لبنان والتي هي أسيرة المحاصصة السياسية، نرى أن المشكلات المرتبطة بالتمييز بين النساء والرجال وبين النساء أنفسهن انبثقت من هذه القوانين وأبرزها قوانين الأحوال الشخصية خصوصاً في ما خص سن الزواج، بحيث نجد أن كل القوانين والمحاكم الشرعية والروحية تبيح تزويج الطفلات. وحتى المحاكم التي رفعت سن الزواج إلى ثمانية عشر عاماً، أوجدت إستثناءات لتزويج الأطفال تحت شروط معينة، ما يعزز من خطورة إجبار الفتيات على الزواج أو تزويج الطفلات حتى لو بصورة غير إجبارية أي إذا اختارت الفتاة الزواج. فوقوع الزواج في ظل منظومة ليست أبويّة قانونياً وحسب، وإنما عرفياً ودينياً، يعتبر فعل ممارسة للتمييز بحق النساء ويدفعهن إلى تبني قرارات المنظومة وتنفيذها.

الدوافع والخلفيات

وراء ظاهرة تزويج الطفلات أسباب متعددة ولها خلفياتها المرتكزة على ظواهر أخرى مثل التمييز ضد النساء في مجتمعات أساليبها التربوية هي أساليب أبوية ذكورية تمييزية تنميطية، خلقت صورة نمطية عن النساء والأدوار المرتبطة بهن، وصوّرتهنّ بقالب معيّن كل من تخرج عنه يمكن أن تكون مرفوضة إجتماعياً.

وتضيف ياغي: “إن النصوص الدينية الجامدة تسمح بتزويج الطفلات ولا ترى أن هذه الممارسة غير إنسانية أو غير منطقية، ويرفض الكثير من القيّمين على المؤسسات الدينية أخذ موضوع التجديد الديني في الاعتبار ويبقى الجمود في ما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية في المؤسسات الدينية سيد الموقف”.

فالصورة التربوية منذ الصغر تجعل الطفلات ينشأن على حلم أن الفتاة ستكبر وتصبح “عروساً” و”أماً” و”ربة منزل”. هذه التصورات المسبقة التي توضع في عقول الفتيات، تخلق لدى الكثيرات منهن تصوراً عن مستقبلهن ما هو إلا انعكاس لما يفرضه عليهنّ هذا المجتمع.

وما يعزز الظاهرة أيضاً، الأزمات المتتالية التي تقع في لبنان حيث يرى الكثير من الأهالي وأولياء الأمور أن تزويج الطفلات هو نوع من تخفيف المسؤولية، إذ يعتبرون أن الزواج حتى لو كان مبكراً، هو لمصلحة الفتاة وأحد أدوارها الاجتماعية التي خلقت من أجلها بالاضافة إلى مفهوم السترة بانتقال الفتاة من بيت أهلها إلى بيت زوجها.

هذه المفاهيم والموروثات العرفية والاجتماعية إضافة إلى الوضع الاقتصادي المنهار، عوامل أدت إلى أن تعتبر بعض العوائل غير المقتدرة أنها تخفف المسؤولية عن نفسها فتنتقل مسؤولية الفتاة إلى شاب أو رجل من دون إدراك قدراته المادية خصوصاً أن البعض يعتبر تزويج الطفلات حلاً لتأمين مستلزماتهن.

وكلما زادت المشكلات جرى اللجوء إلى حلول سلبية ومن ضمنها تزويج الأطفال أو إرسالهم إلى العمل ما يساهم أيضاً في معضلة التسرب المدرسي.

ما الحل؟

حلول عدة يجب أن تنفّذ بدءاً من أهمية التنشئة التربوية والاجتماعية التي تلغي أشكال التنميط والتمييز ضد النساء كافة وتأكيد أهمية القيام بالدورات الاجتماعية والتوعوية التي تعقد لتوعية النساء والفتيات بشأن حقوقهن بالاضافة إلى الدورات التمكينية لهن.

وتعامل الكثير من المؤسسات الدينية ورجال الدين مع رفض ظاهرة تزويج القاصرات كما لو أن الرافضين والرافضات لتزويج الأطفال يعترضون على الدين أو المراسم الدينية أو القواعد الإلهية، فيما حري بهم أن يجددوا هذه التشريعات بما يقتضي ويحقق مصلحة الأطفال والأسرة طالما هي أولوية وقدسية.

وبما أن الحل الجذري لهذه الظاهرة لا يكون إلا داخل الاطار القانوني، يجب إقرار قوانين تجرّم هذه الظاهرة وتمنعها وتعاقب كل من يمارسها سواء من الأهل أو رجال الدين.

ويبقى الحل الأول والأخير بإقرار قانون أحوال شخصية مدني موحد يحدد سناً أدنى للزواج بثمانية عشر عاماً ولا يميز بين الفتيان والفتيات.

شارك المقال