لا بيئة عمل سليمة في لبنان

تالا الحريري

يستمر لبنان في احتلاله المراكز الأولى عالمياً أو على مستوى الشرق الأوسط في تصنيفات عديدة، لكن هذه المراتب قائمة على معايير سلبية، فمنذ بداية الأزمة حلّ أولاً في العديد من التصنيفات السلبية منها تضخم أسعار المواد الغذائية، ارتفاع نسب التدخين والمدخنين، الدول الأكثر تعاسة، أكثر الشعوب غضباً، تخبط الحالة النفسية، قتل الطيور المهاجرة… وكان آخرها احتلاله المرتبتين الثانية والثالثة كأكثر بلد يعاني فيه الموظفون توتراً يومياً وغضباً في بيئة عملهم.

حسب تقرير “غالوب” (شركة شركة تحليلات واستشارات أميركية) عن حالة مكان العمل العالميّة للعام 2023 الذي يلقي نظرة على حالة الموظّفين في مكان عملهم وحياتهم من أجل تقدير أداء المؤسّسات ومتانتها، احتل لبنان المرتبة الثانية كأكثر بلد في المنطقة يعاني فيه الموظّفون توتراً يومياً في بيئة عملهم، حيث أنّ 67% منهم يعانون هذه الحالة (مَسبوقة فقط من تركيّا مع نسبة توتّر تقدّر بـ68%). وحلّ في المرتبة الثالثة لحالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظّفين عند مستوى 41% (مسبوقة من تركيا بنسبة 48% والعراق بنسبة 47%).

ارتكز التقرير على ثلاثة مقاييس، مشاركة الموظّفين (Employee Engagement) والمشاعر السلبيّة اليوميّة (Daily Negative Emotions) وسوق العمل. وأشار إلى أنّ لبنان أتى في المرتبة 13 من أصل 15 بلداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث معيار مشاركة الموظّفين في بيئة العمل، إذ أنّ هذه النسبة وصلت إلى 9%.

وكشف التقرير أخيراً أنّ لبنان في أدنى مرتبة بين نظرائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث مناخ العمل، بحيث أنّ 7% من الموظّفين المستطلعين قد اعتبروا أنّ الوقت الحالي مُناسب للبحث عن وظيفة جديدة، حسب التقرير الأسبوعي لبنك “الاعتماد اللبناني”.

وعن أهمية تواجد بيئة سليمة في العمل، شدد الأخصائي والمعالج النفسي أنطوان الشرتوني لـ”لبنان الكبير” على “ضرورة وجود أخصائي نفسي في كل مكان عمل لحل المشكلات وليجد الموظفون شخصاً يلجؤون إليه في العمل عند مواجهتهم أي مشكلة. ولسلامة الموظف يجب أن يتم احترامه ويحصل على حقوقه، وأن يكون المدير قائداً وأن لا يزعجه”.

وأكد أن “الدخل المادي يؤثر كذلك على الموظف فيجعله يقدم أكثر لعمله ويشعر بالقدرة على العطاء أكثر، والعكس صحيح. فاذا لم يكن هناك مقابل مادي في نهاية المطاف الموظف لن يعمل بجهد وبالتالي كل الموظفين لن يشعروا بالراحة”، مشيراً إلى أنّ “العامل النفسي يلعب دوراً مهماً وكبيراً في بيئة العمل إذ يشعر الموظف أنّ له قيمة. يحق للموظف أن يرتاح خلال دوام عمله وأن يتناول طعامه وأن يدردش مع زملائه أو مع مديره حتى فكلما كان مرتاحاً زادت انتاجيته”.

ولفت الشرتوني إلى أنّ “التخفيف من قيمة الموظف أو التعجرف عليه أو عدم اعطائه التحفيزات وعدم المعاملة العادلة ورفض جميع طلباته يخفف من اهتمامه ويؤثر على انتاجيته وهذا بالتأكيد يؤثر على العمل”.

وبالطبع العنصر الأهم في هذا الموضوع هم الموظفون الذين أجمع عدد  كبير منهم (يعملون في مجالات مختلفة) لـ”لبنان الكبير” على أنّ “السبب الرئيس للغضب والتوتر هو بيئة العمل، ويقصد بذلك تعامل الزملاء مع بعضهم البعض، والتصادم أثناء العمل، إضافة إلى طول ساعات العمل من دون مقابل مادي يوازي عدد الساعات أو الشهادة أو مجهود الموظف ومكانته”.

عبدالله يعمل في مجال التصوير والمونتاج والصوتيات، قال لـ”لبنان الكبير”:  “مع بداية الأزمة الاقتصادية وتخبط الأوضاع في البلد بقيت عاطلاً عن العمل لسنة كاملة، وبعد بحث طويل توظفت في شركة في موقع أقل مما أستحقه لكنني قبلت حتى لا أبقى عاطلاً عن العمل. ومع ذلك لا أتقاضى الراتب الفعلي الذي يجب أن أتقاضاه مقارنة بشهادتي وخبرتي”.

أضاف: “المشكلة في لبنان في غالبية الأشغال هي عدم وجود تأمين، وإذا وجد فنسبته تغطي 5%، لا مكافآت ولا محفزات. يهتمون بالعمل وزيادة الربح على حساب الموظف من دون الأخذ في الاعتبار راحته وسعادته في العمل وهو الذي يعتبر عنصراً مهماً للاستمرارية. لكن في الواقع غالبية الأشغال في لبنان مستمرة ليس بسبب ارتياح الموظف بل بسبب اضطراره الى العمل ما يدفعه الى تقديم المطلوب منه من دون اعتراض”.

شارك المقال