هل سقط النظام التربوي في الامتحان؟

حسين زياد منصور

مفرقعات وطلقات رصاص، وطاقة شمسية لم تسلم، اذ ظن البعض أننا لن نشهد رصاصاً ومفرقعات لأن النتيجة هي افادة، لا علامات، لكن الطلاب والأهالي احتفلوا بتجاوز عتبة البريفيه من دون اجراء امتحانات حتى. هذا لا يلغي حقهم في الاحتفال بل على العكس، فهناك طلاب تعبوا طيلة السنة وهم يدرسون، كي يحصدوا أواخر العام عند اجراء الامتحانات، ما زرعوه خلاله، والأمر نفسه للأهالي الذين دفعوا أموالاً في المدارس ولدى الأساتذة الخصوصيين.

في كل سنة نعيش الدوامة نفسها، “في امتحانات رسمية أو لا؟”، ومجلس الوزراء وضع حداً لهذا السؤال، “ما في بريفيه، في تيرمينال”، أي تمت التضحية بالبريفيه لاجراء امتحانات الثانوية العامة.

لكن ما هي دلالات هذا الاجراء بعيداً عن الأسباب “الروتينية” المعلنة، والتي تتعلق بتأمين الأموال اللازمة لاجراء هذه الامتحانات، والتي تعد نوعاً ما مهمة لأنها تنقل التلميذ من مرحلة الى أخرى؟

ماذا لو جرت الامتحانات؟

يعلق الأستاذ والخبير التربوي م.ع في حديث لـ “لبنان الكبير” على قرار الحكومة بالقول: “لطالما أكد وزير التربية أن الامتحانات قائمة مهما حصل من تشويش، وأنهم قادرون على ذلك. صحيح أن الوزارة والدولة مفلستان، وغير قادرتين على إجراء الامتحانات الرسمية من دون تمويل دولي، لكنهم أكدوا أنهم يريدون اجراء الامتحانات، وعزا المسؤولون السبب الآن إلى عدم إمكان قوى الأمن متابعة إجراء الامتحانات في مختلف الأراضي اللبنانية، مع العلم أن هذه القوى كانت على استعداد لاجراء انتخابات بلدية”.

ويسأل: “ما الذي سيحصل إذا عملوا المستحيل، على الأقل من أجل مستوى التعليم الذي يتدنى في البلد، ومن أجل التلاميذ الذين تعبوا ودرسوا، والأهالي الذين دفعوا الأموال لتعليم أبنائهم، إن كان للمدارس الخاصة أو الأساتذة الخصوصيين؟”، معتبراً أن “ما حصل اجراء خطير، ومهما قالوا من حجج فهي غير مقنعة. صحيح أن الغاء امتحانات البريفيه سيوفر الأموال على الوزارة والدولة، الا أن هذا لا يجب أن يكون سبباً في ضرب القطاع التربوي”.

واذ يتساءل عن آلية الترفيع إن كانت ستحصل على أساس العلامات المدرسية، أم وفق افادة من الوزارة، يرى أنه لا يمكن نكران ما تقوم به بعض المدارس الخاصة، وليس جميعها طبعاً، من تعديل و”زعبرة” في العلامات.

نعمة: الغاء البريفيه ضرورة تربوياً

ويلفت الباحث التربوي في “مركز الدراسات اللبنانية” نعمة نعمة في حديث لـ”لبنان الكبير” الى “وجوب الغاء شهادة البريفيه بالمبدأ، لكن في ظل هذه الظروف وتعديل القوانين وما يتبعها، اليوم شهادة البريفيه لا تزال مطلوبة لوظائف معينة إن كان في الدولة أو غيرها، وهناك عراقيل معينة إن كانت قانونية أو دستورية أو تشريعية تتعلق بإلغائها”، مشيراً الى أن “الغاءها على المستوى التربوي هو ضرورة، لأنه بالحديث عن الانتقال من مرحلة الى أخرى، كالانتقال من الابتدائي الى التكميلي، وكل المراحل ما قبل الثانوي، تتم العملية بحسب علامات الصف ونتائجه. وهذا الامتحان عملياً لتصفية مجموعة من التلاميذ تحوّل الى التعليم المهني أو بعضهم يترك المدرسة ويتجه الى التسرب، فالتعليم الالزامي محدود للبريفيه، أو 16 سنة مكتملة، يحق للتلميذ التوقف عن التعليم أو عند الحصول على شهادة البريفيه، هذا قانون التعليم الالزامي”.

اما من الناحية التربوية، فيقول: “عملياً البريفيه كشهادة، ليست لها أي قيمة، في الحالات العادية أو الطبيعية، اما في الحالة التي نعيشها نحن، ونظام التقويم الموجود في المدارس إن كان في التعليم الخاص او الرسمي، أي نظام تقويم الدولة، يستند الى الامتحانات، والامتحانات بما تعنيه هي مرحلة انتقالية. ليس هناك تقويم مستمر، ولا نظام تقويم فعلي للمكتسبات المعرفية ولا للمهارات المطلوبة، التي تحدد إن وصل الى مستوى البريفيه أم لا، مثل المهارات التي تتعلق بالكتابة والقراءة واللغات الأجنبية، والمعارف الأولية بالعلوم”.

ويشرح نعمة أن “لا نظام تقويم حديث يسمح بإلغائها، إذاً الغاؤها في ظل هذه الظروف غير مناسب، تأثيرها فعلياً وبحسب دراسة لمركز الدراسات اللبنانية، 44٪ فقط من طلاب لبنان الذين شاركوا في الاستمارة يعتبرون أنفسهم جاهزين للامتحانات، بحسب المنهاج الموضوع، والذي أصبح حقيقة يشكل 35٪ من المنهاج الأساس، وبالتالي المكتسبات المعرفية التي حصلوا عليها على مدى السنوات الأربع الماضية هي 30٪ من المكتسبات المطلوبة كي يصبح التلميذ في البريفيه، ونحن نتحدث عن مجموعة من التلاميذ سيتقدمون لامتحان لا قيمة له أصلاً، لأن الامتحان أقل من 40٪ من مستوى المكتسبات التي يجب أن يحصل عليها على مدى 4 سنوات، أي كأن التلميذ لا يتعلم”.

ويذكر بـ “خفض أيام التدريس من 180 الى 120 يوماً عام 2016، ثم الاقفال سنتين بسبب كورونا، وبعد الكورونا كانت أيام التدريس 96 يوماً، تخللتها إضرابات، والأمر نفسه السنة الماضية. هناك فاقد تعليمي على مستوى طلاب البريفيه، ومن المفترض الآن أنهم أصبحوا في المرحلة الثانوية”.

القصة أكبر من عملية الغاء

ويرى نعمة أن “المستوى التعليمي يتراجع، كذلك مستوى التلاميذ، لأنهم فعلياً لا يتعلمون كمعرفة ومهارات وبالتالي عند اجراء الامتحان على أساس 20 و30٪ من المنهاج، هذا ليس امتحان ولا قيمة له، الغاؤه قد يكون أحد المخارج، ولكن القصة أكبر من عملية الغاء، فالوزارة لا تملك خطة طوارئ لاستدراك الفاقد التعليمي الموجود، فإلغاؤها أو ابقاؤها عملياً الأمر نفسه طالما أن المعارف المكتسبة نفسها ضعيفة وهزيلة، والمعارف لم تتحقق”.

ويضيف: “في نظام تعليمي مستقر وأوضاع عادية يجب الغاؤها والاعتماد على التقويم المدرسي المستمر، وهذا ما يتطلب ترشيداً تربوياً ومراقبة العلامات في المدارس الخاصة أو الرسمية، مستوى الامتحانات، وجود بنك للأسئلة، ومجموعة من آليات التقويم لتوحيد المستوى التعليمي بعد البريفيه أو حد أدنى، وهذا غير موجود”.

ويؤكد أن “هناك أكثر من 60 ألف تلميذ يريدون تقديم البريفيه، هؤلاء حكماً سيحصلون على الترفيع أي الإفادات لأن الدولة اللبنانية لا تعتمد على العلامات، بل الترفيع، وفي العادة يكون هناك بحدود 45 ألفاً أو 50 ألفاً في حالات معينة يرفعون، الآن هناك 60 ألفاً سيتم ترفيعهم، 10 آلاف تلميذ في الأول ثانوي، يمكن أن يكملوا مشوارهم أو لا، بالتالي هناك استنزاف، أي تلاميذ لا يمتلكون الكفاءات موجودون ويؤثرون على تعليم زملائهم”.

أصحاب الطلبات الحرة رُفّعوا تلقائياً

ويقول: “من ناحية ثانية، يقال أن هناك 1450 طلباً حراً وهؤلاء جميعهم رفعوا تلقائياً من دون معرفة ما قاموا بدراسته، أو مستواهم التعليمي، وبمجرد تقديمهم للطلب الحر، حصلوا على افادة، وبالتالي يمكنهم التسجيل في أي مدرسة أو التقدم الى وظيفة من خلال هذه الافادة. الى جانب ذلك، هناك ما يسمى دكاكين التعليم والتي تسجل أسماء وهمية لأناس لا يتابعون الدروس بصورة فعلية في المدارس ويضعون أسماءهم في تقديم البريفيه ويقبضون على أسمائهم، وهذه المشكلة لا نعرف الأعداد الصحيحة لها، فلا نحن نعرف الأرقام ولا الوزارة، وذلك لغياب التفتيش التربوي، وهؤلاء أيضاً يرفعون الى المرحلة الثانوية، ونحن لا نعرف ما هو مستوى المعلومات والمعارف لديهم، وان كانوا حقاً متابعين للدراسة، ولا تقويم لهم، لمجيئهم بطريقة ملتوية”.

وعن المستوى العام في المرحلة الثانوية، يصفه نعمة بـ “المتدني”، موضحاً أن “طلاب الثانوي تعلموا هذه السنة بحدود 40 يوماً من أصل 120 يوماً، بسبب الاضرابات، ولا يزال جزء من الأساتذة ممتنعاً عن التعليم بسبب مشكلة الرواتب، وبالتالي إن استمرت الوزارة بهذه الطريقة فسيحصدون البكالوريا بإفادة وبالتالي لا وثيقة أو دليل أو نظام تقويم لمعرفة أن كانوا قد اكتسبوا المعارف والمعلومات أم لا. ومن الممكن أيضاً أن يكملوا المرحلة الجامعية، وفي حال النجاح في الجامعة، هذا يعتبر أمراً جيداً وايجابياً أي أنهم جديون، وفي حال العكس من الممكن أن نشهد في بعض الجامعات نظام (هات ايدك ولحقني)، فنحن لا نعرف ما هي المفاجآت التي يمكن أن نواجهها في هذا النظام التعليمي”.

مستوى التعليم سيتدنى أكثر

ويشدد على أن “كل ما تقدم يؤثر على مستوى التعليم، أي أنه سيتدنى أكثر مما هو متدنٍ، ونحن أصبحنا الدولة الأخيرة على مستوى الدول العربية من ناحية تقويم التعليم، لكن طبعاً هناك مدارس خاصة تتمتع بمستوى مميز، وكذلك المدارس الرسمية التي تضم إدارة جيدة ومتماسكة، وعملياً تقدم جهداً مضاعفاً، ومستوى جيداً. لكن الظلم أن تقويمهم العام بسبب وجود الافادات، مساوٍ لتقويم من لم يلتحق أبداً بالمدرسة، من هذه الناحية ليست هناك عدالة، فنظام العدالة الموجود عندنا إن كان بين الرسمي والخاص أو بين الرسمي والمجاني أو بين المجاني والخاص وبين المهني أيضاً، ليس عادلاً فالكفاءات ليست عادلة”.

ويعتبر أن “ما يحصل ضرب للنظام التربوي ببنيته، والمناهج أصبحت مشوهة ومختصرة ومقلصة وفعلياً لم يعد هناك ما يتعلمه الطلاب. كل ذلك ليست له قيمة إن لم تحصل عملية إعادة رسم خطة طوارئ كان يجب أن تحصل منذ 3 سنوات والى اليوم لم تحصل. فنحن بحاجة الى خطة طوارئ كي نتمكن من تعويض ما يحصل واستعادته واستدراكه، أو على الأقل وقف انهيار النظام التعليمي في البلد وبناء نظام متماسك يرفع المستوى وهذه الخطة تحتاج الى 10 سنوات، لا يوم أو يومان”.

شارك المقال