نكهة العيد جنوباً مميزة. صحيح أن السياسة لم تأخذ استراحة، اذ لا تزال المساعي والمبادرات لانتخاب رئيس للجمهورية قائمة، والمناوشات بين الفرقاء حاضرة، والفراغ يهيمن على الدولة، كفراغ جيوب الفقراء، الا أن “عجقة الجنوب” غلبتها.
“عيد بأية حال عدت يا عيد”… ما من وصف أفضل للتعبير عن الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها فقراء لبنان عشية عيد الأضحى المبارك إلا بيت الشعر هذا للمتنبي. فحتى الآن لم يقبض موظفو القطاع العام رواتبهم، وهذا ما نغّص فرحتهم في العيد، فليس بإمكانهم شراء ثياب أو حتى الذهاب في رحلة عائلية. وفي ظل تدهور قيمة الليرة اللبنانية وما تسببت به من غلاء فاحش، حلّ العيد على الفقراء أو ذوي الدخل البسيط بمعنى آخر من لا يزالون يتقاضون باللبناني وموائدهم شبه خالية من الأضاحي بعد ارتفاع سعر اللحوم أكثر من ثلاثة أضعاف.
كما أن اللبناني اعتاد على شراء الملابس الجديدة لأطفاله، باعتباره من أهم مظاهر البهجة التي كانت ترافقه في طفولته، ولكن بعد انخفاض القدرة الشرائية باتت هذه العادة من الماضي وخصوصاً أن لا فرق زمنياً بعيداً بين عيدي الفطر والأضحى. وعلى الرغم من أن الفقراء سيعانون في العيد، الا أن طبقات أخرى في المجتمع تقبل على كل خصائص العيد، فإكرام الحج “أضحية”.
جنوباً، يتسابق المسلمون على الذهاب الى الأسواق على عكس ما كان متوقعاً، لشراء الأضاحي، كما يقول أحد أصحاب الملاحم لـ “لبنان الكبير”، لافتاً الى أن “الاقبال لا بأس به، لا بل هو جيد نسبة الى السنوات الماضية والى الدولرة التي أصابت القطاعات كافة، فالحجوزات كانت كثيرة ولم تقتصر على المغتربين وحسب، انما بعضهم تشارك ليدفع ثمن الخروف، فمثلاً عائلة مؤلفة من عدة أخوة، يتقاسم جميعهم ثمن الخروف ليجتمعوا معاً في بيت العائلة”.
ويشير الى أن “أسعار العجل والخروف رهن بالنوع والوزن، لكن معدّل الكيلو ٥.٥ دولارات، اما أجرة التقطيع والذبح فتتفاوت بين ملحمة وأخرى لتتراوح بين ٧ و١٠ دولارات. والنوع الذي يلقى اقبالاً كبيراً هو العويس أي العجل المستورد. ويتراوح سعر رأس الغنم، الذي يعتمد في الأضاحي، على ما عداه من المواشي، بين ٢٠٠ و٢٥٠ دولاراً، بينما يلامس سعر رأس البقر الـ ١٥٠٠ دولار .”
اما أسواق الألبسة في الجنوب، فلم تخلُ من روادها من مختلف الجنسيات، وسابقاً كان السوري والفلسطيني “يغزوانها”، ولكن اليوم أضيف اليهما عدا عن اللبناني الميسور، جنسيات أخرى جاءت لقضاء العيد من جهة وتمضية عطلة صيفية من جهة أخرى.
لم تتغيّر الأسعار عن العيد الفائت، كذلك لم يتغيّر”الاقبال”، هكذا يصف العديد من أصحاب المحال التجارية حالة الأسواق قبل أيام معدودة من العيد، ويؤكد صاحب محل في صور أن “هناك اقبالاً من الناس على الشراء، وتعتبر الحركة ممتازة وخصوصاً أن لا فرق زمنياً كبيراً بين عيد الفطر وهذا العيد، فبعضهم كان في السابق لا يشتري الثياب في العيدين، بل في واحد منهما، الا أن قلوب الاطفال تدفئها هذه السنة الملابس الجديدة، وربما هي من أموال مغتربين، أو من ادخار. ولكن العترة على الفقير الذي لا مغترب ينظر اليه، ولا ادخار يمكن أن يلجأ اليه، بينما يكتفي بعض المواطنين، أصحاب الدخل المحدود والموظفون، بالتوجه إلى محال الألبسة المستعملة، أو اقناع أولادهم بارتداء ملابس العيد الماضي”.
ونجد أيضاً أن الأسواق الشعبية تسيطر على المحال الكبرى، وأن “البالة” أو الـoutlet باتا مقصداً للطبقات المتوسطة، اما المغتربون وذوو الدخل بالدولار، فالـbrands مقصدهم.
إن تحدثنا كثيراً عن الجنوب وتحضيرات أبنائه للعيد، قد يعتبر القارئ أن سكانه يعيشون في الـ “لالا لاند”، ولكن هذه هي الحقيقة، فطوال السنة وعلى الرغم من الأزمة، لم تخلُ المطاعم من الرواد، وخصوصاً في مدينة صور، (ربما تقلّ هذه النسبة في النبطية مقارنة مع عدد المطاعم في صور) ولم يخلُ الكورنيش من العاشقين لتأمّل البحر، أولاً ربما لأن النسبة الأكبر من المغتربين هي من نصيب الجنوب، وثانياً، لتنوّع النشاطات فيه، إن كان من مدينة ملاهي، حديقة حيوانات… ولكن بالتأكيد فان الجنوبي كما كل اللبنانيين، محبّ للحياة والسهر، أو ربما “تعوّد”، الا أن الفقير جداً يبقى في كل مناسبة هو المضحّى به.