اليوم العالمي لمكافحة المخدرات… العلاقة الصحية بالأهل أولاً!

حسين زياد منصور

تواصل القوى الأمنية “حربها” على المخدرات، ونسمع بين الحين والآخر عن عمليات ناجحة تسفر عن توقيف شبكات ومجموعات وعصابات تتاجر بالمخدرات وتروّجها، كان آخرها القبض على شبكة خطيرة لتجارة المخدرات وترويجها بالجملة ضمن محافظة جبل لبنان استهدفت شريحة كبيرة من الشّباب اللبناني خصوصاً طلاب المدارس والجامعات.

وهذه العملية ليست الأولى من نوعها، بل لطالما كان لشعبة المعلولات دور بارز في محاربة تجار المخدرات والمروجين لها، وتعد أولوية بالنسبة اليها، لأنها سبب أساس ورئيس في الجرائم.

فهذه الآفة تنتشر في كل المناطق اللبنانية، وليست حكراً على دولة أو منطقة معينة في العالم، بل على العكس، فهي عابرة للدول والمناطق والطبقات. ويظهر التقرير العالمي للمخدرات لعام 2022، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعاطى حوالي 284 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً المخدرات في جميع أنحاء العالم في العام 2020. ويصادف 26 حزيران من كل عام، اليوم الدولي لمكافحة إساءة استخدام المخدرات والاتجار غير المشروع بها.

لبنان

على صعيد لبنان، تشير تقارير صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، الى تراجع كبير في عدد محاضر تعاطي المخدرات، والأمر نفسه بالنسبة الى عدد محاضر الاتجار بالمخدرات وترويجها. فبين العامين 2019 و2022، تراجع عدد محاضر تعاطي المخدرات بمقدار 1766 محضراً بنسبة 75٪، اما في ما يتعلق بمحاضر الاتّجار والتّرويج فبمقدار 494 محضراً بنسبة 57.8%.

الأمم المتحدة

يعد تخصيص 26 حزيران من كل عام يوماً دولياً لمكافحة إساءة استخدام المخدرات والاتجار غير المشروع بها، لتعزيز وزيادة درجات الوعي بمخاطر المخدرات والآثار السلبية لها على المجتمعات، الى جانب التعاون والعمل من أجل الوصول الى مجتمعات خالية من الاستخدام السيّء للمخدرات والاتجار بها.

وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتفال بيوم 26 حزيران بموجب القرار 42/112 المؤرخ في 7 كانون الأول من العام 1987. وعن ذلك كان للمديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، ومديرة مقر المنظمة الدولية في فيينا الدكتورة غادة والي رسالة بهذا الخصوص كان أبرز ما ورد فيها أنه وفق تقرير المخدرات العالمي 2023 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تشير أحدث البيانات إلى أن 296 مليون شخص على مستوى العالم تعاطوا المخدرات في عام واحد، بينما يعاني أكثر من 39 مليوناً منهم من اضطرابات تعاطي المخدرات.

دور الأسرة

توضح الاستشارية في شؤون الأسرة رنا غنوي لـ”لبنان الكبير” أن الموضوع يتشعب الى عدة مجالات، من نصائح أولاً في ما يتعلق بالعلاقة بين الأهل والأبناء، وهناك ما هو متعلق بالمادة أي المخدرات.

وتقول: “أي علاقة تحكمها الصراحة والمرونة هي علاقة صحية، وبالتالي العلاقة الصحية بين الأهل والأبناء القائمة على الحوار المشترك وتبادل المعلومات والخبرات والآراء تكون عملية التربية تشاركية. فالأبناء من أطفال ومراهقين لن يشعروا بالخوف أو الخجل أو تنتابهم أي مشاعر سلبية تجاه مشاركة أهاليهم أو مقدمي الرعاية أي معلومات تتعلق بروتينهم اليومي”.

وتضيف: “اما في حال كانت العلاقة غير صحية مبنية على سوء معاملة أو على عنف أو على تشدد متطرف فسيكون لديهم مخاوف من مشاركة تجاربهم مع أهلهم، بالتالي يجب أن تكون هذه العلاقة مبنية منذ الطفولة المبكرة على الحوار وتبادل الأحاديث، وبمجرد أن تكون هذه العلاقة صحية، فأنا كأم سيكون عندي ضمانات بأنني سأعلم بكل ما يحصل مع أبنائي منذ صغرهم حتى عمر المراهقة. في هذه الحالة أصبح أنا متلقياً، أي تلقيت التجربة”.

اما الجزء الثاني والمتعلق بالمادي، فالأهل هم أصدقاء الأبناء ولهم دور رقابي، كالمشرف أو المسؤول في العمل، ليس عليه أن يصدر الأوامر طوال الوقت، بل يقوم بالرصد أيضاً والمراقبة والملاحظة، أي يستخدم الكثير من التقنيات خلال ذلك، فكيف يكون ذلك في المنزل كأهل؟ أرصد أي تغير في سلوكهم أو جسمهم، ويجب التحاور والاستفسار منهم، بحسب غنوي، التي تضرب مثلاً “إن كان ابني يريد إطالة السهر، فيجب أن أعرف أين ومع من، وأن أبقى على اتصال معه. يجب أن يكون لنا أيضاً دور في طبيعة العلاقات التي يقيمها ونوعيتها، ويجب أن أرشده الى الطريق، لكن عليه هو أن يختار”.

وتشدد على أن “التعلق بالمادة المخدرة ليس آنياً، بل هي عملية تصاعدية بوتيرة متزايدة، فمن يكتفي اليوم بغرام منها، سيريد غداً غراماً ونصف الغرام كي يحقق اللذة والاشباع، لذلك لا يمكن للأم أو السيدة أن تأتي الى العيادة وتقول ان ابنها أصبح مدمناً فجأة من دون أن تشعر! لا، أنت لم تقومي بدورك وواجبك في المراقبة والرصد والملاحظة والحوار مع الأبناء، ولا يكفي التواجد معاً في الغرفة نفسها، وكل مع هاتفه، بل على العكس، فعندما نكون قريبين من أبنائنا لن يمنعهم أي شيء من اخبارنا بما يتعرضون له، وجميع الأبناء يتعرضون، لكن الفكرة هي في كيفية إدارة التجربة عند وقوعها والذكاء الأكبر كيفية تفادي الوصول الى هذه المرحلة”.

وتشير غنوي الى التوعية “فمهما كانت البيئة التي نعيش فيها سليمة آمنة، حتى المدرسة والمحيط، وكما تتم توعية الولد أو البنت في ما يتعلق بالبلوغ، الامر نفسه يجب أن ينسحب على التوعية في ما يتعلق بالحماية، بكل شيء، وكيف يجب أن يكون الأهل نموذجاً صحيحاً لأبنائهم، فلا يمكن أن أقوم بأمر معين أمامهم، ثم أقول لهم ليس عليكم أن تقوموا به”.

في القانون

حول الواقع القانوني للتشريعات اللبنانية المتعلقة بالمخدرات، يقول رئيس اللجنة القانونية في “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” جاد طعمه: “ان القوانين في لبنان جيدة وتحاكي التشريعات العالمية لكننا نعاني من أزمة تطبيقها بصرامة وملاحقة القضايا بجدية”.

ويوضح أن “متعاطي المخدرات هو إنسان مريض لجأ إلى الادمان نتيجة عوامل نفسية ضاغطة لديه أو نتيجة توريطه في هذا المجال، والتعامل معه لا بد من أن يتم من هذا المنطلق لاصلاح المجتمع. أما المروج والتاجر، فلا بد من لجمهما وقمعهما وتنفيذ الاشارات القضائية ومذكرات التوقيف بحقهما، لأن لا شيء يبرر بث السموم في شرايين المجتمع اللبناني”.

ويؤكد طعمه أن “الظاهرة الأخطر اليوم في زمن الانهيار الاقتصادي الذي استتبع بانهيار آخر أخلاقي يكمن في ترويج المخدرات في المدارس والجامعات، وهذه طامة كبرى تحتاج الى التفاتة كبيرة من الأجهزة الأمنية اللبنانية كافة”.

طريق المخدرات نفق مظلم

الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية حنان مطر تنصح الأهل بأن يعطوا أبناءهم الحب المطبق غير المشروط، وأن يسمعوهم، ويبنوا الثقة بينهم والاستقلالية والاعتماد على النفس، كي يتمكنوا من تحديد اختياراتهم، وألا يتركوهم للشارع ورفاق السوء أو أي جهة تدفعهم الى سلوك طريق المخدرات، لأنه نفق مظلم، ولا يمكن التخلص منه بسهولة.

وتتوجه الى الشباب بالقول: “لا يجب أن تضيع مستقبلك من أجل موقف لذة وتدمر على أثره حياتك، حدد اختياراتك وأهدافك في هذه الحياة وضع بدائل، فالحياة حلوة عندما نعيشها بطريقة صحيحة. فعندما نتجه الى الإدمان بسبب الحزن سنعلق به، اما إن جربنا كأساً من الكحول وكنا سعداء فلن نتعلق بذلك، لهذا السبب نحن نحدد متى نتجه الى الإدمان ومتى لا، القرار ملكنا، طبعاً في الحالة السوية، اما في الحالة غير السوية، عندما يكون عندنا اضطراب ونبحث عن أي شيء ينسينا الوجع والألم فنلجأ الى ذلك”.

الآفة من ضمن أولويات المسؤولين

وتعلق أستاذة علم الاجتماع ش.ع على ذلك، فتعتبر أن الوقاية والتوعية هما الأساس للحد من انتشار المخدرات في المجتمع، الى جانب تطبيق القوانين والتشريعات بالتنسيق بين مختلف المؤسسات والوزارات المعنية.

وتشدد على وجوب “التنبه خصوصاً خلال هذه الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد، من مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤثر في حياة أفراد المجتمع، لأن الاحداث التي تمر بها البلاد في ظروف كهذه قد تدفع المراهقين أو الشباب الى الانجرار نحو هذا المستنقع، خصوصاً في ظل غياب الرقابة والتوعية اللازمة”، داعية المسؤولين المعنيين الى أن تكون هذه الآفة ضمن أولوياتهم، لحماية الشباب منها، لأنهم مستقبل البلد ودعامته.

شارك المقال