إزالة التعدّيات بـ “إشارة سياسية وأمنية” تُثير جدلاً في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تخلو عملية إزالة شرطة بلدية طرابلس الخيم والبسطات التي نصبت عند مستديرة نهر أبو علي في التبانة وعند مدخل المهجر الصحي في المدينة من “مضاعفات” كانت متوقّعة مع اتخاذ البلدية هذا القرار منذ أشهر، وترجمت بتوتر كبير نتيجة الاعتراض على هذه العملية التي احتاجت إلى تعزيزات عسكرية من الجيش اللبناني منذ ساعات بعد قيام أحد المعترضين بإطلاق النار في الهواء كردّ فعل غاضب على هذه الاجراءات التي بدأت في الميناء وانتقلت إلى أحياء طرابلسية.

البسطات التي اعتبر الكثير من الطرابلسيين أنّها تجاوزات وتعدّيات فاضحة على الطرق والمراكز التجارية وبإزالتها تكون المدينة قد تخلّصت من أحد أبرز آفاتها المدنية، رأى آخرون أنّ وجودها وبقاءها مهمان بالنسبة الى الفقراء في المدينة، واصفين هذه الخطوة بأنها تمسّ لقمة عيش أصحابها والعاملين عليها ومصدر رزقهم الذي يعجزون عن تأمينه في ظلّ هذه الظروف المعيشية القاسية.

في الواقع، تُثير مسألة إزالة البسطات جدلاً واسعاً في المدينة، فإذا كان إطلاق النار من أحد أصحابها مؤشراً واضحاً على الرفض، كاد آخر أن يرمي بنفسه من الشباك منذ فترة وجيزة، الأمر الذي يطرح إشكالية تحدّث عنها بعض المتابعين الطرابلسيين الذين أكّدوا أهمّية هذه الخطوة التي كانت ولا تزال مطلباً شعبياً مهمّاً ناتجاً عن الانعكاسات السلبية لهذه البسطات والخيم التي زادت من مستوى الفوضى على الطرق من جهة، وزحمة السير الخانقة من جهة ثانية، لكن ليس خافياً على أحد أنّها خطوة ناقصة مع غياب الدراسات التي تطرح بديلاً مهنياً لهؤلاء الذين باتوا بمعظمهم عاطلين عن العمل من جهة، أو بديلاً جمالياً يُمكن أن يعوّض الفراغ الذي تركته هذه البسطات ويكمن في أهمّية تنظيف ما خلّفته هذه العربات بصورة رئيسة وغيرها من الخطوات التي لا بدّ من إدراجها في دراسة منطقية تضاف إلى سلسلة الدراسات التي تُجريها البلدية في ملفات مختلفة محلّياً.

لا يُمكن إغفال أنّ هذه البسطات التي كانت تحجب الرؤية عن كثير من زائري مدينة الميناء الذين عجزوا عن السير على الكورنيش بسبب كثرة هذه العشوائيات التي وقفت حاجزاً أحياناً بينهم وبين البحر، كانت رفعت من مستوى الازدحام على طرق طرابلسية مركزية: كالتبانة قرب سوق الخضار القديم، الزاهرية مقابل جامعة العزم أو عند مستديرة نهر أبو علي في التبانة، كما يُمكن القول إنّ هذه العشوائيات التي نظمت إزالتها بجهود البلدية قطعاً، أزيلت بعد اتفاق سياسيّ أو إشارة خضراء سياسية وأمنية رفعت الغطاء عن العدد الأكبر من هذه البسطات التي كانت “محمية” سابقاً، ما سمح للبلدية بإتمام هذه الخطوة بشرط المؤازرة الأمنية المطلوبة بالتأكيد خصوصاً مع انتشار السلاح المتفلّت والعشوائيّ بين الكثير من المواطنين.

وليست المرّة الأولى التي تُحاول فيها البلدية القيام بهذه الخطوة، لكن غالباً ما كانت تقوم التدخلات السياسية بـ “إجهاض” هذه المحاولات، فيما امتنعت أحياناً عن إزالة بسطات أخرى تابعة لذوي الاحتياجات الخاصّة سواء أكانت في الميناء أو من داخل طرابلس تعاطفاً وتقديراً لجهودهم كما بعد ضغط شعبي وإنسانيّ، مع العلم أنّ الكثير من أصحاب هذه البسطات كانوا يُواجهون الأمرّين بسبب الشروط اتي كانت تفرض عليهم سابقاً.

أمّا هذه المرّة، فقد فرضت “الجدّية” السياسية والأمنية نفسها بإشراف وتعاون وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي الذي يصرّ على هذه الخطوة، فيما يتعرّض هذا الوزير الطرابلسيّ إلى سلسلة من الانتقادات التي تطاله محلّياً في ظلّ غياب الأمن والأمان في المدينة، كما قال أحد أصحاب البسطات لـ “لبنان الكبير” (من دون ذكر اسمه وكان بائعاً للخضار): “ليهتمّ وزير الداخلية بشؤون مدينته لفرض هيبة الدّولة لا على الفقراء بل على أغنيائها الذين سرقوا الفقير، وكنّا نتمنّى أن تفرض ضرائب على أثرياء البلاد أو أن تفرض علينا شروط يُمكننا الالتزام بها عوضاً عن إزالة البسطات التي لم أجد عملاً آخر بعدها، حتّى كعامل نظافة أنا عاجز عن العمل في هذه المهنة التي تحتاج إلى واسطة وضغط”.

شارك المقال