التقسيم العقاري للمناطق أولوية… والدولة تقاعست عن المسح الكامل

آية المصري
آية المصري

إتجهت الأنظار في الأيام الماضية نحو حادثة مقتل شابين من آل طوق في القرنة السوداء يوم السبت، في ضوء التخوف من الانجرار الى فتنة طائفية يصعب تخطيها في هذا التوقيت خصوصاً وأن لبنان بلد العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وصحيح أن التحقيقات العسكرية والأمنية لم تنتهِ بعد من الكشف عن ملابسات هذه الحادثة وتفاصيلها، الا أن الأجواء بدت مشحونة بالغضب نتيجة سقوط قتيلين، والأسوأ في ما حدث محاولة الاستثمار سياسياً فيها.

وحمّلت غالبية الجهات والأهالي الدولة اللبنانية مسؤولية عدم الانتهاء من مشكلة التقسيم العقاري بصورة كاملة، لا سيما بعدما تبين أن هناك خلافاً بين منطقتي بشري والضنية منذ حوالي 30 عاماً حول ملكية القرنة السوداء، ووفق ما تم تداوله من معلومات فانه لا يكاد يمر عام من دون تسجيل اشكالات بين أهالي المنطقتين تصل الى حدّ تبادل النيران.

وفي هذا السياق، بات من المهم معرفة لماذا تقاعست الدولة عن القيام بدورها وإنجاز مسح شامل لكل الأراضي والعقارات في مختلف المناطق اللبنانية؟ وما الأسباب وراء هذا التقصير؟

أوساط من وزارة المالية أوضحت في حديث عبر “لبنان الكبير” أن “الدولة لم تقم بمسح كامل، وكل عام يتخذ مجلس الوزراء قراراً بمسح منطقة محددة وعلى أثر ذلك يتم تعيين مسّاحين وشركة مساحة، بحيث يقول كل مساح ان هذه الأرض لهذا الفرد أو ذاك وبإمكان الطرفين الاعتراض أمام القضاء، الذي يقرر في نهاية المطاف لمن يعود العقار. وقصة القرنة السوداء وبقاعصفرين وبشري أراضيها غير ممسوحة وهناك خلافات عليها منذ عشرات السنين”، مشيرةً الى أن “المشكلة في وجود مناطق عندما يصدر قرار المسح يرفض أهلها، ولا أحد ينتظر القضاء ويصبح الجميع يريد قطعة الأرض بالقوة”.

وأكدت هذه الأوساط “أننا وضعنا في موازنة 2022 بنداً متعلقاً بأن يدفع صاحب العقار مبلغاً معيناً من أجل تحديد عقاره الاختياري وليس التحديد والتحرير الالزامي، واذا أراد التحديد الالزامي فلا يدفع صاحب الملك أي مبلغ”، لافتة الى أن “مديرية الشؤون العقارية هي من تقترح إجراء المسح على المناطق والأراضي، وهذا الاجراء بحاجة الى ميزانية معينة وكانت غير ذات أولوية في الحكومة السابقة ولكن يجب أن تصبح من ضمن الأولويات في المرحلة المقبلة”.

وأعلن المدير العام للشؤون العقارية جورج معراوي أن “التقسيم العقاري غير منجز في المناطق لأن التنازع على الملكية لا يعود الى اليوم بل الى عشرات السنين، وهذه الأسباب أدت الى سقوط شهيدين من بشري”، عازياً عدم الانتهاء من المسح الى عدة أسباب “أبرزها يرتبط بالشق المالي، بالاضافة الى التنازعات والخلافات بين المالكين لانجاز التحديد والتحرير، وأي مساح يريد القيام بعمله اذا كانت العملية سهلة ينجز المنطقة بصورة سريعة، اما عندما يكون هناك اختلاف كبير في وجهات النظر فهذا يؤخر عملية التحديد والتحرير”.

وأشار الى “انجاز 50% من الأراضي اللبنانية خلال أيام التواجد الفرنسي، ومنذ سنة 1943 حتى اليوم تقريباً أنجزنا من 15 الى 20% من الأراضي وهذا يعود الى المشكلات التي حصلت لانجاز هذه العملية وعدم توافر ميزانية لها”، معتبراً أن “الأولوية اليوم للجزء المتبقي (35%) من الأراضي غير المقسمة والموزعة على مختلف المناطق اللبنانية كمحافظة عكار والشمال والجنوب بإستثناء البقاع لأن غالبيته مسحت خلال التواجد الفرنسي يومها”.

وقال: “ما قمنا به في موزانة 2022 وضع مادة لتسهيل هذه العملية فبدلاً من تأمين مبلغ للتحديد والتحرير بات كل صاحب عقار يدفع جزءاً على تحديد وتحرير عقاره ما يساعد الدولة على إنجاز التقسيم، ولكن نتيجة تضخم العملة باتت المبالغ منخفضة ونحاول اليوم تصحيحها ونعدّلها في موازنة 2023 ونريد التسهيل لانجاز العمل بأسرع ما يمكن”. وأكد “أننا بحاجة لانجاز التحديد والتحرير للعقار الواحد الى ميزانية كبيرة والدولة غير قادرة على تأمينها منذ السنوات السابقة نتيجة الأسباب التي ذكرناها”.

وعما حصل في القرنة السوداء، أكد معراوي أن “القاضي العقاري في الشمال يقوم بواجباته وأعد المحاضر اللازمة، والاأور يجب أن تسير الى الأمام لحل المشكلة العقارية والتي تحل المشكلات الأخرى الاجتماعية والزراعية وغيرها”.

شارك المقال