“ترند” حفلات الطلاق… تحرر من القيود أم محاولة لكسر “التابو”؟

تالا الحريري

حفلات الزفاف تشكل ركناً أساسياً من عاداتنا وتقاليدنا، ليس في لبنان وحسب بل في العالم العربي أيضاً، أكثر من الدول الأوروبية التي تفضل أحياناً احتفالاً أو عشاء بسيطاً أو الاكتفاء بالمراسم الضرورية. قد يستغرق الاحتفال بالعروسين أسابيع، وتكمن أهمية العرس في تفاصيله من فستان العروس الأبيض وقالب الكاتو الشهير بطبقاته العديدة وزينته. أما اليوم، فالاحتفال يكون بفستان أبيض قصير أو أي موديل آخر ترتديه العروس مع بوفيه مفتوح وقالب حلوى وزينة، بحضور الأهل والأصدقاء باستثناء العريس، لأنه يكون للطلاق الذي تصدرت حفلاته في الفترة الأخيرة “الترند” وأثارت الجدل حول غرابتها.

يرمز الاحتفال بالزواج إلى السعادة والتعبير عن حب الشريكين لبعضهما البعض وتقديسهما لهذا التاريخ الذي يجمعهما الى الأبد تحت سقف واحد ليؤسسا عائلة لطالما حلما بها، لكن ما الداعي الى حفلات الطلاق؟ هذا السؤال يجول في بال الكثيرين، فهل بات الطلاق وتفكك الأسرة يستدعيان حفلة صاخبة؟

ينظر البعض إلى المرأة على أنّها تحررت من زواج كان يقيدها أو رجل لا يستحقها، لذا تحتفل بحريتها، ولكن في الواقع جزء كبير من مجتمعنا الشرقي لم يتقبل هذه الفكرة.

نصار: تقبل الفكرة لا يعني الاقتناع أو الدعم

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور فادي أنطوان نصار أكد لـ”لبنان الكبير” أنّ “المجتمع يعتبر حفلات الطلاق غير لائقة لأنّه يرى الطلاق فشلاً للزواج وبالتالي لا يجب ولا يجوز الاحتفال به. الزواج لا يزال قيمة مجتمعية معتبرة والعائلة تعتبر أساس المجتمع”.

وعما اذا كان استمرار هذه الظاهرة قد يفرضها على المجتمع لتصبح تقليداً، أوضح نصار أنّ “لا وقت محدداً ليتقبل المجتمع فكرة ما، اذ يتوقف ذلك على نوع الفكرة إذا كانت تتلاءم أو على الاقل لا تتعارض بصورة مباشرة مع التقاليد والأفكار المجتمعية، علماً أنّ لبنان بلد متعدد جداً وبالتالي ما هو مقبول عند البعض قد يكون مرفوضاً عند آخرين. إن تكرار الحدث قد يدفع الناس إلى تقبله بعد فترة كأمر واقع من دون أن يعني ذلك بالضرورة الاقتناع أو الدعم”.

تفسيرات حول ظاهرة حفلات الطلاق

وشرح الأخصائي في علم النفس والخبير في العلاقات العاطفية شربل معربس لـ”لبنان الكبير” أنّ “حفلات الطلاق تعد ظاهرة اجتماعية معقدة، يمكن تفسيرها من منظور نفسي بعدة طرق، فقد يكون لهذه الظاهرة تأثيرات نفسية على الأفراد المشاركين في هذه الحفلات، بالاضافة إلى تأثيرها على المجتمع عموماً. يجب ملاحظة أن التفسير النفسي لظاهرة حفلات الطلاق يعتمد على العديد من العوامل الفردية والثقافية والاجتماعية. قد يكون لكل فرد أسباب مختلفة لتنظيم هذه الحفلات وتفسيرات فردية للظاهرة. يجب أيضاً أن نأخذ في الاعتبار أن هناك أفراداً آخرين قد يرون هذه الظاهرة بصورة سلبية أو يعتبرونها تجاوزاً للعادات والتقاليد الاجتماعية”.

وأشار إلى بعض التفسيرات النفسية المحتملة لظاهرة حفلات الطلاق:

1- التعبير عن التحرر والاستقلالية: قد يعتبر بعض الأشخاص حفلات الطلاق فرصة للتعبير عن حريتهم واستقلاليتهم بعد انتهاء علاقة زوجية غير ناجحة، ويرون فيها فرصة للتخلص من العبء النفسي والعاطفي للزواج الفاشل.

2- التكيف مع التغيير: قد تمثل إقامة حفل طلاق تكيفاً مع التغيرات الحياتية وقبول الواقع بصورة إيجابية. ويعتبر بعض الأفراد أن الاحتفال بالطلاق هو طريقة للتعبير عن قدرتهم على التأقلم مع التحديات الحياتية وبدء فصل جديد في حياتهم.

3- تخفيف الألم النفسي: يعتبر البعض تنظيم حفل الطلاق نوعاً من التحسين النفسي، إذ يساعد على تخفيف الألم النفسي والعاطفي الذي قد يرافق نهاية العلاقة الزوجية. يمكن أن يكون هذا الحفل نوعاً من آلية التعافي والتخلص من الشعور بالحزن والخيبة.

4- ايجاد الاغلاق وإعادة التوجه: تنظيم حفل الطلاق قد يساعد بعض الأفراد على إيجاد إغلاق نفسي للعلاقة الزوجية والانتقال إلى مرحلة جديدة في حياتهم.

5- الاحتفال بالتحرر والتحول: قد يعتبر بعض الأشخاص حفلات الطلاق فرصة للاحتفال بالتحرر من علاقة زوجية سيئة والتحول إلى حياة جديدة وأكثر إشباعاً.

6- تحقيق الاعتراف والتأكيد: بعض الأشخاص قد يشعر بالحاجة إلى الاعتراف وتأكيد قراره بالانفصال وإعلانه أمام الآخرين. يعتبر حفل الطلاق وسيلة لإظهار قوة الشخصية والقدرة على الخروج من العلاقة التي لا تناسبه.

7- تعزيز الانتماء الاجتماعي: قد ينظم البعض حفلات الطلاق كطريقة للتواصل مع المجتمع والأصدقاء والعائلة. يعتبر هذا الحفل فرصة لإظهار الدعم والتضامن من الأحباء والأقارب والأصدقاء في هذه المرحلة الصعبة من حياة الشخص.

8- تحقيق الإغراء والانتباه: في بعض الأحيان، يمكن أن ينظم حفل الطلاق لأسباب مرتبطة بالاغراء والانتباه. قد يرغب البعض في جذب الاهتمام والثناء من خلال تنظيم حفل طلاق فاخر أو مبهج. يمكن أن يكون هذا السلوك نتيجة لرغبة الشخص في تأكيد الذات أو استعادة الثقة الضائعة.

أمّا عن سبب انتشار “الترند”، فقال معربس: “هناك عدة عوامل:

أولاً: التأثير النفسي الاجتماعي، يمكن أن يؤثر الترند على النفسية الفردية وسلوكيات الفرد. قد يكون هناك شعور بالضغط الاجتماعي لاتباع الترند، وعدم الشعور بالتماشي إذا لم يتبع الشخص التوجه الحالي. قد يعتبر البعض الانتماء إلى الترند علامة على النجاح الاجتماعي وقد يشعر بالقلق من الاختلاف عن الآخرين.

ثانياً: التأثير الاعلامي والتكنولوجي: يمكن أن تؤثر وسائل الاعلام والتكنولوجيا على انتشار الترند بصورة كبيرة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية. وقد يتم تبادل الأفكار والمعلومات بسرعة واسعة النطاق، ما يعزز انتشار الترند وجعله أكثر وضوحاً وشهرة.

ثالثاً: الانتماء والانغماس الجماعي: يشعر البعض بالراحة والانتماء عندما يشارك في الترند السائد، بحيث يمكنه من التواصل مع الذين يشاركونه الاهتمام نفسه. يمكن أن يوفر الترند إحساساً بالتضامن وتعزيز العلاقات الاجتماعية”.

ولفت إلى وجوب التذكر، أنه “مهما كان التفسير النفسي لانتشار الترند، فالقرار النهائي لمتابعته أو عدمه يعود الى الفرد نفسه. ينبغي أن تكون لدينا القدرة على التفكير النقدي وتقويم التأثير الإيجابي أو السلبي للترند على صحتنا النفسية ورفاهيتنا الشخصية”.

وأكد أنّ “تفسير ظاهرة حفلات الطلاق يمكن أن يكون متعدد الأبعاد ويختلف من شخص الى آخر. ومن المهم أن نعتبر وجهات النظر المتعددة: أولاً، تشجيع على الطلاق: قد يرى بعض الناس أن تنظيم حفلات الطلاق يعكس اتجاهاً تشجيعياً عليه، بحيث يمكن أن يعزز هذا السلوك قرار الانفصال ويخفف من الضغوط النفسية المرتبطة بالانفصال. ثانياً: كسر تابو الطلاق: يمكن أن يعتبر بعض الأشخاص حفلات الطلاق وسيلة لكسر التابو المرتبط به في المجتمع، من خلال تنظيم هذه الحفلات وتجهيزها بالطريقة نفسها التي تجهز بها حفلات الزفاف، يمكن تغيير النظرة المجتمعية تجاه الطلاق وتقبله كجزء من الواقع الاجتماعي”.

شارك المقال