بعدما كان شهر حزيران يعتبر الأقل حرارة بالنسبة الى لبنان على الأقل، تبيّن في تقرير “مرصد كوبرنيكوس للمناخ” التابع للاتحاد الأوروبي، أنّ العالم شهد أكثر أشهر حزيران حراً على الاطلاق، والارتفاع الشديد في درجات الحرارة في بعض الدول الغربية مثل فرنسا واسبانيا والمكسيك نتجت عنه حالات وفاة.
وأظهر التقرير أن درجة حرارة الأرض كانت خارج المخططات الشهر الماضي بحيث اجتاحت موجة حر شديدة جنوب الولايات المتحدة والمكسيك وارتفع دفء المحيط إلى مستويات تنذر بالخطر. ووجد التحليل الذي أجرته “خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ” في الاتحاد الأوروبي أن الشهر الماضي كان الأكثر سخونة على كوكب الأرض “بهامش كبير” أعلى من الرقم القياسي السابق، والذي تم تحديده في العام 2019.
حسب رئيس دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية عبد الرحمن زواوي، فان “شهر حزيران وأول شهر تموز كانا شديدي الحرارة في جنوب فرنسا وكورسيكا واسبانيا حيث وصلت إلى حدود الـ40 درجة وكذلك في شمال أفريقيا، لكن لبنان في شهر حزيران كان طبيعياً جداً ولم نشهد تجاوزاً للمعدلات الطبيعية. شهدنا ارتفاعاً في الحرارة في أيار لأيام معدودة (يوم واحد كل أسبوع)”.
وقال عبر “لبنان الكبير”: “اذا قارنا آخر عشر سنوات شهدناها في المعدلات بين 1970 و2010 نجد أن هناك ارتفاعاً في معدلات الحرارة وهذا مرتبط منطقياً بارتفاع حرارة الأرض الناتج عن التغير المناخي المتأثر بالانبعاثات الغازية للمصانع والسيارات والطائرات وكل منتجات الانسان. بالنسبة الى لبنان، نلاحظ تأخر البداية الفعلية لموسم الأمطار التي كانت تحصل في أيلول وباتت تحصل في أواخر تشرين الأول. وبالنسبة الى فصل الشتاء فالبداية تكون في نهاية كانون الأول وهذا طبيعي جداً، أمّا بالنسبة الى فصل الصيف فحتى الآن لم نشهد درجات حرارة غير اعتيادية ولكن من الملاحظ أن تأخر دخول لبنان قليلاً في موسم الصيف كمستوى درجات حرارة يتبعه تأخر بداية موسم الخريف في 21 أيلول، وبالتالي استمرار الصيف حتى نهاية تشرين الأول خلال السنوات الست الماضية على الأقل”.
ولفت زواوي إلى أنّ “حزيران شهر متقلب، بالنسبة الى أوروبا نشهد أمطاراً غزيرة أحياناً ولفترات محدودة وارتفاعاً في الحرارة أيضاً. السنة الماضية، شهدت طرابلس أمطاراً غزيرة في شهر حزيران ولمدة 24 ساعة. التخوف الحقيقي من تغير المناخ هو تكرار حصول أمطار غزيرة في حزيران وفي بداية تموز ما يؤدي الى فيضانات وأضرار نتيجة سرعة الرياح (وهذا ما حصل في فرنسا منذ يومين)، بالاضافة إلى ارتفاعات كبيرة في درجات الحرارة في مناطق أخرى (اسبانيا وكورسيكا وجنوب فرنسا)”.
وفقاً للوكالة، فان 9 من أصل 10 أحداث سخونة في السنوات العشر الماضية، دليل على أن أزمة المناخ التي يسببها الإنسان تدفع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة. ووجد “كوبرنيكوس” أيضاً أن درجات حرارة سطح المحيط كانت الأكثر دفئاً على الاطلاق لشهر حزيران، مدفوعة بصورة أساسية بالدفء الاستثنائي في شمال المحيط الأطلسي وتقوية ظاهرة النينيو في المحيط الهادئ.
قالت عالمة المناخ في كلية ييل للبيئة جينيفر مارلون إنّ “هذا أمر مقلق، من الصعب تخيل كيف سيكون شكل الصيف لأطفالنا وأحفادنا في الأعوام العشرين المقبلة. هذا هو بالضبط ما يبدو عليه الاحتباس الحراري”.
وكان العلماء حذروا من أن درجات الحرارة القياسية هذه تحمل بصمات أزمة المناخ. وما زاد الطين بلة، أن النجوم تتماشى هذا العام مع تحطيم العديد من الأرقام القياسية، بحيث ترفع ظاهرة النينيو، التي لها أيضاً تأثير الاحترار، درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة.
الأيام الحارة للغاية والتي يمكن اعتبارها أكثر أيام الصيف حرارة أصبحت أكثر تواتراً الآن مما كانت عليه في العام 1970 في 195 موقعاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفقاً لمجموعة الأبحاث “كلايمت سنترال”. من بين هذه المواقع ، يواجه ما يقرب من 71% الآن ما لا يقل عن سبعة أيام إضافية شديدة الحرارة كل عام.
كما واصلت المحيطات اتجاهاً ملحوظاً للاحترار منذ بداية العام 2023، وسجل شمال الأطلسي درجات حرارة المحيطات الدافئة بصورة استثنائية في حزيران، مع موجة حرارة بحرية من الفئة الرابعة – تُعرف بأنها “شديدة” – لوحظت حول ايرلندا والمملكة المتحدة وبحر البلطيق. في حين أن ارتفاع معدلات تلوث كوكب الأرض هو الدافع الرئيس لمثل هذه الحرارة الشديدة.
أوضحت مارلون أن “احترار المحيطات أكثر إثارة للقلق لأنه مع ارتفاع درجة حرارتها، فإنها تتوسع، ما يعني ارتفاع مستويات سطح البحر، واندفاعات أكبر للعواصف، والمزيد من الفيضانات في المجتمعات الساحلية”.
كان الشهر الماضي أيضاً أكثر رطوبة من المتوسط في معظم جنوب أوروبا وأجزاء من ايسلندا وروسيا، مع هطول أمطار غزيرة تسببت بفيضانات في تركيا وكوسوفو ورومانيا. وفي الوقت نفسه، شهدت أجزاء عديدة من العالم من شرق أوروبا والدول الاسكندنافية إلى معظم أميركا الشمالية ظروفاً أكثر جفافاً من المتوسط في حزيران، مع اشتعال حرائق الغابات في القرن الأفريقي وكندا وأجزاء من أميركا الجنوبية وأستراليا. ووصل الجليد البحري في القطب الجنوبي أيضاً إلى أدنى مستوى له في حزيران – عند 17٪ أقل من المتوسط – منذ أن بدأت عمليات مراقبة الأقمار الصناعية، ما أدى إلى تحطيم الرقم القياسي السابق في حزيران الذي سجل في العام الماضي فقط.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.