الشاشات خطر على الأطفال… تزيد حالات التوحد وقصر النظر

راما الجراح

من المستغرب أن نعلم أضرار الشاشات على الأطفال، تحديداً بين سنتين إلى خمس سنوات، والتي تتراوح ما بين مشكلات النظر والرؤية، إلى تأخر نمو الطفل، وتطور مهاراته وقدراته، وعلى الرغم من ذلك لا نزال نسمح لأطفالنا بالجلوس أمام شاشات الهواتف والـ”الآيباد” لساعات طويلة بحجة “المهم يلتهي”. وبحسب منظمة الصحة العالمية يجب ألا يجلس الأطفال دون سنّ السنتين أمام الشاشة، أما ما بين السنتين والـ5 سنوات فلا يُسمح للولد بالتعرّض للشاشة لأكثر من ساعة واحدة يومياً.

ولدٌ يتحوّل إلى “سبايدر مان”، وآخر يحاول القفز من مناطق عالية، وآخرون يجسدون شخصيات سيئة ومؤذية شاهدوها على الشاشة وتعلّقوا بها، حتى بات الموضوع تقليداً لهذه الشخصيات وكأنها المثل الذي يحتذى به بالنسبة اليهم. كل هذه الأمور وأكثر يواجهها الأهل في لبنان الذين فقدوا السيطرة على سلوكيات أطفالهم بسبب عدم الوعي لأضرار الشاشات الجسدية والنفسية.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ “إبعاد الأطفال الأقل من عامين عن الأجهزة اللوحية ضروري جداً بسبب عدم اكتمال نضج جهاز الإبصار للطفل بعد، ويصعب عليه التعرض للضغط المستمر والنشاط البصري الخاص بالشاشة، مع تدهور نمو طبقات العين المعنية بالإبصار، مسبباً مشكلات بصرية عديدة للطفل، ويؤثر على معدله في اختبارات اللغة والتفكير. والأطفال الذين أمضوا أكثر من 7 ساعات، عانوا ترققاً في قشرة الدماغ المسؤولة عن المهارات الاستنباطية والتفكير النقدي، مع وجود صعوبات في مشاركتهم في الممارسات غير الالكترونية كاللعب في الهواء الطلق”.

بحسب الدكتورة والمعالجة النفسية غادة الهواري أن “تأثير الشاشة على الأطفال مضر جداً خصوصاً في أول خمس سنوات من عمره، لأنها الفترة التي يكتسب فيها اللغة، والتواصل مع المجتمع. والجلوس أمام الشاشة لا يساعد على اكتساب اللغة كما يعتقد البعض، وأن يتعلم الطفل استعمال الهاتف أو الآيباد في سن صغيرة ليس فخراً للأهل الذين يتباهون بهذا التصرف، بل هو دمار لهم وله، ويزيد من حالات التوحد لأن في هذه الفترة يجب أن يحصل تواصل بين الأطفال وأن يتلقى ويُعبّر في الوقت نفسه، بينما أمام الشاشة يرى فقط ويتلقى ليس أكثر”.

وأوضحت في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “التأثير الأكبر عند وضع الطفل أمام شاشة غير مبرمجة، وبالتالي الأهل لن يكونوا مدركين لجميع الفيديوهات التي يشاهدها أطفالهم، ولا يخفى على أحد الألعاب الخطيرة التي حذرنا منها منذ سنتين وموجودة إلى اليوم مثل لعبة مريم التي تسببت بانتحار عدد من الأطفال في لبنان، بسبب تعلقهم بها، وهي تعمل وكأنها تتواصل معهم وتعيش حياتهم وبعدها تأمرهم بفعل أشياء مؤذية وسيئة حتى الانتحار”.

وأشارت الى أن “الهاتف أصبح الوسيلة الأسهل للأهالي ليتلهى أطفالهم عنهم عندما يريدون الجلوس بهدوء أو القيام بأي عمل في المنزل، وروت لي إحدى الأمهات أن طفلتها قامت بتحطيم مجموعة التجميل خاصتها بصورة كاملة، والسبب أن فتاة محجبة داخل لعبة في أحد البرامج على التلفون تعطي الأطفال أوامر بتخريب المنزل لوالدتهم، وإيذاء اخوتهم، وطبعاً هذه الظاهرة مخيفة جداً ويمكن أن تؤدي بهم إلى الانتحار أيضاً، وهؤلاء الأطفال يجب أن يخضعوا لجلسات علاج نفسية طارئة قبل فوات الأوان”.

وأكدت الهواري وجوب “أن تكون هناك رقابة من الأهل، وقبل عمر الـ ٥ سنوات لا يجب أن يمسك الطفل الهاتف، وفي حال أراد ذلك، وخرج الموضوع عن سيطرة الأهل، يجب برمجة الهاتف على ألعاب أطفال معروفة وتنزيل برامج خاصة بأعمارهم أوفلاين، وذلك لحمايته من أي فيديو أو مشاهد ممكن أن تؤثر عليه. طبعاً، كل هذا يؤثر على الخلايا العصبية للأطفال، وعلى نظرهم، وحياتهم الاجتماعية بصورة كبيرة”.

أما المتخصصة في مجال الاعاقات البصرية هبة ساطي فقالت: “هناك نسبة كبيرة من الأطفال أصبحت ترتدي نظارات، وتعاني عدة مشكلات في النظر، نتيجة تعرضها فترات طويلة للضوء الأزرق الخارج من الأجهزة اللوحية والتلفاز وغيرها، وأكثر أمراض العين المنتشرة بسببها، وهي وهن العين أي ضعف النظر وآلام الرأس للإفراط في التركيز على الشاشة، وكثرة استخدام العين، جفاف الأعين الناجم عن استخدام الشاشات لفترات طويلة أيضاً، وقصر النظر المرتفع، الذي يعتبر مشكلة صحية عامة خطيرة بسبب ارتباطه بزيادة مخاطر الاصابة بالعديد من أمراض العين بما في ذلك تنكس الشبكية بسبب قصر النظر، وانفصال الشبكية، والزرق، وإعتام عدسة العين، وضعف البصر والعمى”.

وتوقعت أن “تزداد أعداد المتأثرين بقصر النظر من حوالي ملياري شخص في العام 2010، إلى ما يقرب من خمسة مليارات شخص في العام 2050″، لافتة الى أن “أحدث الدراسات أثبتت أن التعرض القريب للعمل، بما في ذلك التعرض المهني لدى البالغين، يمكن أن يرتبط بقصر النظر، وزادت احتمالاته لدى العمال المعرضين مقابل غير المعرضين للعمل القريب بنسبة 26٪ (18 إلى 34٪)، وبنسبة 31٪ (21 إلى 42٪) لدى الأطفال و21٪ (6 إلى 35٪) لدى البالغين”.

أضافت: “وفقاً لبعض الدراسات، يرتبط قصر النظر بصورة كبيرة بالقراءة المستمرة ومدة أطول للقراءة ومسافة قراءة أقصر بسبب تعزيز نمو العين من خلال الاقامة المستمرة. لا فروق ذات دلالة إحصائية بين قراءة الورقة (الإقامة عند 50 سم) وعمل الكمبيوتر (الإقامة عند 80 سم)، وفي هذه الحالة نوصي بأن يتبع جميع الأطفال قاعدة 20-20-20 (خذ استراحة لمدة 20 ثانية كل 20 دقيقة من العمل القريب والنظر إلى الأشياء على بعد 20 قدماً على الأقل)، مع زيادة الأنشطة الخارجية”.

الطفل تحت سن الخامسة لا يمكنه الفصل ما بين الخيال والواقع، وعليه سينطبع في ذهنه كل ما يشاهده، وهنا دور الأهل في الرقابة وإلا فسيصلون إلى يوم لا ينفع الندم… بين عيادات النظر والعلاج النفسي.

شارك المقال