حرائق عكار “المفتعلة”… ما علاقة ترسيم الحدود بيْن الأراضي؟

إسراء ديب
إسراء ديب

تُواجه عكار مرحلة بيئية خطيرة أطلقت معها أولى شرارات “الحرائق الموسمية” التي تُعاني منها مختلف المحافظات اللبنانية “الخضراء” خلال فصل الصيف، لكنّ المستغرب في هذه الموجة “المتجدّدة” أنّها بدأت باكراً على خلاف مواسم أخرى شهدت على غياب المخطّطات أو المشاريع الاستباقية من البلديات والمعنيين لحماية هذه المساحات الخضراء المتبقية في لبنان الذي اجتاحته الفورة المعمارية والكثافة السكانية الخانقة لا سيما خلال الأعوام القليلة الماضية.

محافظة عكار التي واجهت أطول موسم حرائق وأعنفه عام 2021 وقدّرت خسارتها حينها بـ 2600 هكتار، تخشى اليوم كارثة قد تطال أراضيها من جديد مع عودة هذه الحرائق التي يصعب التعامل معها حرفيًاً. ويُؤكّد خالد طالب من فريق “درب عكار” لمكافحة حرائق الغابات، أنّ هذه الحرائق لا يُمكن معرفة كيفية التعامل معها نظراً الى صعوبات واضحة تعوق الوصول إليها بالشكل المطلوب، مذكّراً في حديثٍ مع “لبنان الكبير” بأنّ “الأضرار في هذا الموسم تصل إلى 120 هكتاراً، اذ وصلت أضرار حريق عكار العتيقة إلى 90 هكتاراً، فيما بلغت الخسائر التي عملنا على التخفيف من وطأتها عام 2022 بعد كارثة العام الذي سبقه 70 هكتاراً”.

في التفاصيل، اندلع حريق صباح السبت 24 حزيران في منطقة حرف السنّ في خراج بلدة عكار العتيقة سرعان ما تمدّد الى المنحدرات المكسوّة بالصنوبر البروتي والسنديان حتّى رأس الجبل حيث المزارع والبيوت السكنية، وعلى الفور تدخلت وحدات الدفاع المدني ثم تبعها تدخل لفريق “درب عكار”. ووصف الفريق في تقريره هذا الحريق بأنّه من “أشد الحرائق تدميراً بعد حريق القبيات 2021، بسبب ظروفه المعقّدة التي استدعت استنفار معظم مراكز الدفاع المدني في عكار خصوصاً في الجهة الشرقية من الحريق التي طاولت فيها النيران المنازل، لا سيما وأنّ شدّة النيران كانت هائلة وفوق كلّ وصف”.

وفي المقابل، لم تهدأ النيران في وادي جهنّم التي استمرّت لأيّام في شير صخري يرتفع أكثر من 600 متر، حيث كان يتعرّض المتطوّعون الى أقسى ظروف يُمكن أن يعملوا فيها مع هذه الطبيعة الصخرية التي واجهوا معها خطر تساقط الصخور عليهم بصورة كبيرة.

من هنا، يتحدّث طالب عن أبرز المعوّقات التي واجهتهم قبيل إطفاء الحريق، قائلًا: “أوّلاً الصخور كانت موجودة وصامدة على الأشجار، وفي هذه الظروف الطبيعية التي تزيد من مستوى الخطر على سلامة أيّ متطوّع عجزنا عن الوصول. أمّا ثانياً فواجهنا مشكلة الضباب الذي يُبطئ بدوره انتشار النيران أو امتدادها، لكنّه منع الطوافات من العمل”.

أمّا عن حريق حرف السن في عكار العتيقة، (الذي اندلع على ما يبدو نتيجة خلاف بين مزارعين لم يُدرك أيّ منهم هذه النتيجة المروّعة)، فهو عادة يُمكن أنْ يحصل في الأشهر الصيفية المقبلة وتحديداً في موسم الجفاف حيث يُمكن أن يستمرّ هذا الموسم إلى شهر تشرين الثاني ما يُشير إلى توقّع احتمال حصول استنزاف للموارد…”، حسب طالب.

يُمكن التأكيد أنّ هذه الحرائق تبقى مفتعلة وفق شهادة المعنيين أو المتابعين لهذا الملف، ووفق طالب فهي ناتجة عن أمرين: إمّا الرغبة في أذية الآخر، أو الاهمال، وتُقسم إلى حرائق غير مقصودة وقائمة على حرق المخلّفات الزراعية، الأنشطة الحرجية كالتحطيب والمشاحر، وأخرى مرتبطة بالتخريب المقصود والرغبة في توسعة مساحات الأراضي، مثل الخلافات على ملكية الأرض ما يدفع بعض المزارعين إلى حرق أراضي بعضهم بعضاً، وقد تكون ناتجة عن بعض الأهداف المرتبطة بزيادة التعدّيات التي تحصل بين القرى كأن يقوم أحد الأشخاص الذي يملك سند ملكية لأرضه تصل حدوده (التي يُحددها السند) الى الحرش الشمالي مثلاً، بحرقه ليحصل على مساحة إضافية لأرضه، أيّ القضايا التي تُعيد فتح ملف أهمّية ترسيم أو تحديد المساحات الداخلية في عكار المقسّمة إلى 130 بلدية تقريباً قد لا تحمل في مشاريعها خطّة استجابة واحدة تسبق الكارثة البيئية المعتادة سنوياً.

وعن البلديات والتعاون الرسمي واللوجيستيّ، يلفت طالب إلى التعاون الواضح مع بلدية عكار العتيقة، التس “أمّنت صهاريج مع دعم لوجيستي للمتطوّعين، لكن غالبية البلديات العكارية لا تملك هذه الخطط قبل الكارثة وخلال اندلاعها وكلّ بلدية حسب مواردها لكنّنا نتواصل معها لتنشيط عملها عبر الواتساب”. أمّا عن الدفاع المدني فيُشدّد على وجود تعاون معه “لأنّ دورنا يُعدّ مكمّلاً لدورهم لا إلغائيًا، فوجودنا ميدانياً مع الدرون المستخدمة يُساعدهم مثلاً مع قدرتنا على التمديد السريع وقيامهم بتغذيتنا بالمياه في المقابل وغيرها من الطرق… تُعدّ إيجابية في هذا الموسم”، فيما تتعاون وزارة البيئة وعلى رأسها وزيرها ناصر ياسين معنا بنشاط دائم، “بحيث يتحمّل مسؤولياته مع مسؤوليات وزارات أخرى بتنسيق مشترك مع قيادة الجيش، كما كان أطلق منذ فترة حملة دعم الفرق الصغيرة معلناً عن حملة تبرّعات جمع فيها مبلغ 20 ألف دولار تقريباً دُعمنا بسببه بحيث انخفضت مسألة تكلفة التشغيل علينا”.

يُمكن القول إنّ فريق “درب عكار” كجمعية شمالية فيها 15 متطوّعاً باختصاصات مختلفة، قد تحوّل من فريق استجابة أولي الى فريق تدخل مستوى أوّل، وكان انطلق ميدانياً في العام 2021 واكتملت جهوزيته عام 2022، أمّا اليوم فهو يُواجه مشكلة في التمويل بصورة رئيسية، بحيث يُقدّر تمويله بين 10 إلى 15 ألف دولار في الموسم الواحد لكن “لم نتمكّن من الحصول على 10 بالمائة من المبلغ لذلك لا نتمكّن من الصيانة اللازمة”.

شارك المقال