وهب الأعضاء في لبنان… “أمل” جديد متوافق عليه بشروط

تالا الحريري

وهب الأعضاء هو التبرع بأحد أعضائك لشخص محتاج قد ينقذه من الموت، وأكثر ما نسمع عنه هو التبرع بكلية. كما يعني وهب الأعضاء الطلب بالتبرع بها بعد موت صاحبها، ويعتبر هؤلاء الأشخاص الذين يقدمون على هذه الخطوة أنّ هذا العمل خيري يمكنه إنقاذ حياة الكثيرين ممن يصارعون الموت، وأنّ من حق شخص آخر الافادة من صحة الأعضاء بدلاً من أن تموت مع الجسد، وتتراجع فرص مرضى كثيرين كانوا ينتظرون بصيص أمل.

شهد لبنان أول عملية وهب وزرع كلى من واهب متوفى عام 1990، لكن لم يصبح لديه برنامج وطني لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة يخضع لضوابط وشروط طبية وقانونية وأخلاقية قبل سنة 2009، حين أُعطيت الهيئة الوطنية مسؤولية وضع أسس برنامج وطني.

700 مريض على لائحة الانتظار

حسب المنسقة العامة للهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية فريدة يونان “لا يزال 700 مريض في لبنان مسجلين على لائحة انتظار وهب الأعضاء، أكثرهم يحتاجون إلى كلى. عملية وهب وزرع الأعضاء هي الحل والعلاج الوحيد لكل مريض يعاني من قصور مزمن في عضو مثل القلب والكبد والكلى والرئة”، لافتة إلى أن “عملية الوهب تتم على حساب وزارة الصحة العامة والهيئة الوطنية، أما عملية الزرع فتتم في مركز الزرع التابع له المريض على حسابه أو حساب الجهة الضامنة”.

وفي هذا الاطار، أوضحت احدى السيدات لـ “لبنان الكبير” أنّها من إحدى الأشخاص المسجلين لدى الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية. فعندما يموت الشخص، تستخدم الأعضاء الصالحة فقط، وعلى الرغم من كونه موقعاً على اتفاقية استئصال ووهب الأعضاء الا أنّه في حال رفض أهل المتوفى القيام بهذه الخطوة فلا يمكن الاقدام عليها. أمّا اذا كان المتضرر في وعيه قبل أن يفارق الحياة وأخبر الأطباء عن وهبه لأعضائه فتبرز الاثباتات من الهيئة.

وهب الأعضاء ليس محرماً

دينياً، أوضح الشيخ أحمد طالب لـ “لبنان الكبير” أنّ “وهب الأعضاء جائز من الناحية الشرعية ولكن بشروط، اذا كان بعد الوفاة فيجوز أن يوصي الشخص بوهب الأعضاء الداخلية والتي لا تشكل تشويهاً للجسد يسبب هتك حرمته. أما بالنسبة الى وهب الأعضاء أثناء الحياة فهو مشروط بأن لا يسبب ضرراً على الحي قد يؤثر على صحته ويضعه في حالة حرج صحي، أو يؤدي به إلى الموت أو إلى تشوه يسبب الحرج والهتك”.

كما أشار رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو أبو كسم لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “وهب الأعضاء بالنسبة الى المسيحيين ليس محرماً دينياً خصوصاً بعد الموت، وإذا كان الشخص أوصى بذلك من أجل اعطاء فرح لحياة ثانية فالكنيسة لا تمانع أبداً، بكامل حريته وعقله وارادته عند الاقدام على هذه الخطوة وأن يكون راشداً أي فوق سن الطفولة”. وشدد على أنّ “الكنيسة حريصة على أن يكون هذا النوع من العمليات وهباً وليس بيع أعضاء، فهي ضد البيع لأن الهدف من الوهب هو العطاء من ذاته للآخر”.

شروط عمليات الوهب قانونياً

أمّا قانونياً، فشرح المحامي محمد صفصوف لـ “لبنان الكبير” أنّ “المرسوم الإشتراعي رقم ١٠٩ الذي صدر سنة 1983 سمح في المادة الأولى منه بوهب الأنسجة والأعضاء البشرية من جسم أحد الأحياء لمعالجة مرض أو جروح شخص آخر، وفق الشروط التالية:

أولاً: أن يكون الواهب قد أتم الثامنة عشرة من عمره.

ثانياً: أن يعاين من الطبيب المكلف إجراء العملية والذي ينبهه على نتائجها وأخطارها ومحاذيرها ويتأكد من فهمه لكل ذلك.

ثالثاً: أن يوافق الواهب خطياً وبملء حريته على إجراء العملية.

رابعاً: أن يكون إعطاء الأنسجة أو الأعضاء على سبيل الهبة المجانية غير المشروطة. ولا يجوز إجراء العملية لمن لا تسمح حالته الصحية بذلك، أو في حال احتمال تهديد صحته بخطر جدي من جرّائها”.

أضاف صفصوف: “نصت المادة ٢ من المرسوم المذكور على أنه يمكن أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية من جسد شخص ميت أو نقل ميت الى مستشفى أو مركز طبي، لمعالجة مرض أو جروح شخص آخر أو لغاية علمية، وذلك عند توافر أحد الشروط التالية: أولاً: أن يكون المتوفى قد أوصى بذلك، بموجب وصية منظمة حسب الأصول أو بأي وثيقة خطية أخرى ثابتة. ثانياً: أن تكون عائلة المتوفى قد وافقت على ذلك، وتتم الموافقة باسم العائلة حسب الأولويات التالية: الزوج أو الزوجة، وفي حال عدم وجودهما الولد الأكبر سناً، وفي حال غيابه الأصغر فالأصغر، وفي حال عدم وجود الأولاد تؤخذ الموافقة من الأب، ومن الأم في حال عدم وجوب الأب. أما في حال عدم وجود أي شخص من الأشخاص المذكورين، فيجوز للطبيب رئيس القسم في المستشفى أن يعطي الموافقة. ولا تؤخد معارضة الأقارب من غير المذكورين أعلاه في الاعتبار.”

ولفت إلى أنّ “المرسوم التطبيقي رقم ١٤٤٢ الذي صدر في العام 1984 ينظم أصول أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية. كما ورد في المادة ٧ من المرسوم الإشتراعي معاقبة من يخالف تلك الشروط بعقوبة الحبس من شهر حتى سنة وبغرامة مالية. وكانت إحدى أبرز الشروط أن يكون إعطاء هذه الأنسجة والأعضاء على سبيل الهبة المجانية غير المشروطة بحيث لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي. يجوز فتح جثة المتوفى لغاية علمية، كما يجوز أثناء عملية فتح الجثة أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية من جسد الميت شرط وجود الموافقة اللازمة المشار إليها أعلاه. أما إذا كانت جثة المتوفى موضوع تحقيق قضائي، فلا يجوز أن تؤخذ منها أنسجة، وأعضاء بشرية إلا بموافقة القضاء. كما لا يسمح بإجراء عمليات نقل الأنسجة والأعضاء وزرعها إلا في المستشفيات أو المراكز الطبية المصنفة من الفئة الأولى بموجب قرار يصدر عن وزير الصحة بناء على اقتراح المدير العام، وبعد الحصول على الترخيص القانوني اللازم”.

وأشار صفصوف إلى أنّ “وزارة الصحة عيّنت لجنة طبية وطنية ولجنة أخلاقيات وطنية مسؤولة عن التحقيق في كل عملية وهب من غير الأقارب لمنع أي عمل غير قانوني. مهمة الهيئة الوطنية هي التدقيق بكل طلب لعملية زرع أعضاء للتأكد من تطبيق القوانين والضوابط وطلب موافقة وزارة الصحة العامة لاجراء عملية الزرع، بحيث أن وهب الاعضاء هو قرار حرّ، غير مشروط، مجاني وسرّي، حسب أحكام القانون اللبناني. وهب الأعضاء محصور بأحكام المرسوم التشريعي رقم ١٠٩ والمرسوم التطبيقي رقم ١٤٤٢ بحيث يقتضي لكل واهب أن يتقيد والطاقم الطبي وكل الجهات ذات الصلة بالنص الحرفي والمتطلبات المذكورة”.

ورأى أن “على الدولة اللبنانية أن تؤمن الموارد والأدوات اللازمة بغية دعم الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء من أجل مراقبة تطبيق القوانين وايلاء موجبات العناية والحيطة والحذر، كما التعاون مع البلديات بغية نشر التوعية الطبية الأساسية”.

شارك المقال