الكراهية الدينية… حرية تعبير أم انتهاك لها؟

عامر خضر آغا

موضوع الكراهية الدينية على الساحة الدولية والمحلية ليس بظاهرة جديدة، بل بات اشكالية تُطرح بصورة شبه مستمرة عند حصول أي نزاع بين لاجئين في بلد ما وسكانه الأصليين، وخصوصاً بعد بروز النفس الاستعلائية الأوروبية منذ أن هبّت عليها رياح النزوح العاتية والحافلة بالاختلاف الجذري الديني والثقافي والديموغرافي، وآخر أشكالها إحراق شاب نسخة من القرآن الكريم.

هذا الأمر أدّى وبصورة مستعجلة الى انعقاد جلسة للمجلس العالمي لحقوق الانسان (مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة) من أجل التصويت على قرار يدعو الدول الى محاربة الكراهية الدينية، فصوّتت 28 دولة لصالح القرار فيما عارضته 12 وامتنعت 7 عن التصويت .

جاء في نص القرار: ان المجلس يرفض بشدة أي دعوة أو إظهار للكراهية الدينية، بما في ذلك أعمال التدنيس العلنية والمتعمّدة الأخيرة للقرآن. الا أن الدول المعارضة وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية قالت إنه يتعارض مع نظرتها الى حقوق الانسان وحرية التعبير. فهل من مشروعية لمعايير تقيّد حرية الرأي والتعبير؟

يمكن تعريف الكراهية الدينية بأنها نوع من التواصل الذي يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالاشارة الى شخص أو مجموعة أشخاص على أساس ملاحظات وسمات تمييزية تبرر الكره وأهمها القضايا الدينية .أمّا حرية التعبير عن الرأي فتعني قدرة الفرد أو المجموعة على اظهار الأفكار حول قضايا محددة شرط أن تكون قيودها واضحة وشفافة.

نتيجة لما ذكر، فإنه من غير الممكن اعتبار الكراهية الدينية مجرد رد فعل يمكن أن يشجع على إيذاء الآخرين بتحقير معتقداتهم أو التهجم عليها لسبب ناجم عن اعتراض ما، لأن الكراهية الدينية في هذه الحالة واذا أخذت في الاعتبار الآثار النفسية لها فسيكون العنف أهم نتائجها. في سياق متصل، أكّد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان فولكر لاتورك، أنَّ فرض قيود على أي خطاب يجب أن يبقى استثناء، لكن القانون الدولي بات يقضي أيضاً بحظر كل دعوة الى الكراهية. كما رأى أن أي قيد محلي على الحق السائد في حرية الرأي والتعبير يجب أن يوضع بطريقة تجعل هدفه ونتيجته الوحيدة حماية الأفراد بدلاً من إعفاء العقيدة الدينية من الانتقاد .

ان اصدار الأمم المتحدة هذا القرار يدل على حسن نوايا في الاتّجاه نحو انصهار سلمي دولي، وايمان بأن انتهاك الأشياء المقدّسة لدى الدول ليس بحرية بل فتنة تشقّ الرابطة الانسانية .

‎جزم المسؤول الاعلامي لدار الفتوى في الشمال بلال حجازي في حديث لـ”لبنان الكبير” بأن “الكراهية الدينية هي مشكلة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى التمييز والعنف وحتى إلى الحرب”، مشدداً على أن “هذا القرار يضمن حرية الدين وهو حق أساس من حقوق الإنسان، والكراهية الدينية يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات خطيرة تعترض هذه الحقوق”.

وأكَّد المحامي أمين بشير لموقع “لبنان الكبير” أنَّ “هذا الموضوع بالطبع أحدث اشكالية على الصعيد الدولي، وقرار المجلس العالمي لحقوق الانسان لم يصدر عن عدم حتى ولو كان بطلب من منظمة التعاون الاسلامي والدول الاسلامية، لأن المجتمع الدولي كان يدرك مدى خطورة المساس بالمقدّسات ولا سيّما القرآن. على الرغم من أنهم كانوا يعلمون الاشكالية الكبيرة التي يمكن أن يسببها تصرف المس بالمقدسات وتحديداً رسوم الموسيقى التي قام بها أحد الرسّامين الدنماركيين، فقد أدّت الى استنكارات هائلة باعترافاتهم”. وأشار الى أن “عدم تدارك مثل هذا الأمر سيوصلنا ربما في النهاية الى حرب كونية وحرب حضارات، وهذا تحديداً ما يخيفهم”.

واعتبر بشير هذا القرار لوقف العنف والكراهية بين الأديان، موضحاً أن “هناك أنظمة تتّسم بصفة العلمانية وعلى رأسها أميركا التي كانت مخالفة لهذا القرار وتعتبر أنه يحدّ من حرية الرأي والتعبير، إلاّ أننا نعلم أن حرّيتنا تقف عندما تبدأ حرية الآخرين، ومن ضمنها عدم المس بالمقدّسات وعدم التحقير عموماً. وبالتالي، لا يمكن للمس بالمقدسات أن يكون في خانة حرية الرأي والتعبير ضمن أصولها وقواعد مدروسة، وكل الأنظمة والقوانين الوضعية وضعت لها شروط وعقوبات كي لا تؤدّي الى تحقير حقوق الآخرين وانتهاكها والاستهتار بكرامتهم، فمن وقف من دول ضد هذا القرار حجّته ضعيفة، لأنه قرار يحفظ كرامة الانسان ويشمل كل المبادئ الانسانية التي تلتزم بها معظم دول العالم والتي تقر بأنَّه من غير المسموح المس بكرامات الآخرين ومعتقداتهم ومقدساتهم بغض النظر عن مضمونها”.

ورأى أن “هذا القرار أُقر في الوقت المناسب وكخطوة أولى بحاجة الى عمل مشترك بين كل الشعوب وخصوصاً بين شعوب الدول الأوروبية، كما كان للكويت مبادرة مهمة جداً بطباعة 300 ألف نسخة من القرآن باللغة السويدية حتى يتعرف السويديون الى الدين الاسلامي وتعالميه”، مشدداً على أن “الجهل في مثل هذا الأمر هو أكبر عامل للخوف والعنف، وبالتالي فإن هذه المبادرات هي التي تقرّب الشعوب حتى تتمكن من التعرّف الى بعضها البعض بتاريخها ومقدساتها وتنزع فتيل العنف والأعمال العنفيّة وانتهاكات المقدسات”.

شارك المقال