لأول مرة في البقاع… صوت المفرقعات يطغى على الرصاص

راما الجراح

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل اصدار نتائج الشهادات المهنية، بالنداءات والدعوات إلى جميع أهالي الطلاب لعدم اطلاق الرصاص ابتهاجاً بالنجاح، بسبب المعاناة التي تشهدها المنطقة من سقوط قتلى وجرحى نتيجة الرصاص الطائش في هذا الوقت من كل عام. وبالفعل، للمرة الأولى لم تشهد منطقة البقاع نسبة كبيرة من إطلاق الرصاص، واقتصرت غالبية الاحتفالات على إطلاق المفرقعات النارية بكل حذر بسبب مزروعات القمح ولعدم التسبب بأي أذى لأحد، ولكن لم يخلُ الأمر من “رشق” رصاص من هنا وهناك.

عادةً ينتظر الجميع هذه الفرصة لتجربة أنواع من السلاح، ويعبّر الأهالي عن فرحهم بأبنائهم بهذا السلوك السيء “على عينك يا تاجر” من دون حسيب أو رقيب، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي كان يفترض أن تدفعهم الى الابتعاد عن هذه العادة “الدارجة” وكأنها من عادات المنطقة وتقاليدها، بسبب غلاء الرصاص وارتباطه بسعر الدولار.

أكد الشيخ أيمن الجاجي من البقاع الغربي، في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه من أشد المحاربين لكل شخص يطلق الرصاص، “لدرجة أنني تمنعت عن حضور دفن أحد الشباب في منطقتنا، بسبب ظاهرة إطلاق الرصاص. رأينا جميعاً سقوط الأعداد الكبيرة من شيب وشباب وأطفال في كل لبنان بسبب الرصاص الطائش، ومن الناحية الشرعية، ليس هناك أي حديث خاص عن الرصاص، ولكن معروف أن الأذى حرام شرعاً، وهذه الظاهرة كلها أذى يعني لا تجوز، لأن لا أحد يستطيع أن يطلق الرصاص ويتحقق ١٠٠٪ من أنه لن يؤذي غيره. من ناحية أخرى، يعتبر تبذيراً، وفي ديننا المبذرون كانوا إخوان الشياطين، والأولى أن نفرح بأولادنا بطريقة سليمة أفضل بكثير من هذا السلوك غير المستحب”.

أضاف: “أصبح اطلاق الرصاص عادة وتعبيراً عن الفرح، ونتمنى أن تتغير هذه النظرية غير الصحيحة أبداً، وفرحت كثيراً لأننا لم نسمع الكثير من الرصاص ابتهاجاً بنتائج الشهادات المهنية، ولكن من المعروف أن أعداد الطلاب في المهني أقل بكثير من الشهادة الثانوية بكل فروعها، وأتمنى ألا يكون هذا هو السبب لعدم إطلاق الرصاص بصورة كبيرة، ونحن ندين أي فرح يتخلله رصاص، لأن لا ذنب لأحد بأن ينقلب فرح النجاح إلى مأتم عند الآخرين”.

وأشار أحد تجار السلاح المعروفين لـ “لبنان الكبير الى أنه “لم يكن هناك طلب كبير على شراء الرصاص في فترة نتائج الامتحانات الرسمية ككل عام، ونعتبر هذه الفترة عادةً موسماً ناجحاً ورابحاً، ولكن يبدو أنه أصبح هناك وعي لدى الناس، وهذا الأمر إيجابي جداً، على الرغم من أنها مصلحتنا ولكن لا أحبذ أبداً اطلاق الرصاص في مناسبات النجاح، وفي الوقت نفسه لا يمكنني الامتناع عن بيع أي شخص يقصدني الى المنزل لشرائه”.

وبالنسبة الى الأسعار، قال: “رصاصة الرشاش سعرها اليوم ٣٠ سنتاً، ويتغير السعر بحسب الدولار، أما علبة رصاص سلاح المسدس نوع سِلّو بِلّو والتي تحتوي على ٥٠ رصاصة فسعرها حوالي ١٢٠ دولاراً، ونوع الوانشيستر التي تحتوي على العدد نفسه سعرها ١٠٠ دولار، وهذه الأنواع تعتبر الأكثر طلباً لأنها أصلية. أما سعر السلاح، فالمسدس بحسب نوعيته، ويتراوح بين ٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ دولار، والرشاش بين ٣٠٠ إلى ٢٥٠٠ دولار”.

حسين الجدوع، صاحب محل للمفرقعات النارية في منطقة سعدنايل في البقاع الأوسط، استغرب الاقبال الكبير على شرائها في ظل الأزمة المادية التي يعاني منها أكثر من ٨٠٪ من الشعب اللبناني، بحسب عدة احصاءات قامت بها “الدولية للمعلومات” وغيرها من المصادر الجامعية، موضحاً أن “نسبة الاقبال على شراء المفرقعات النارية التي تعتبر من الكماليات غيّرت نظرتي بالناس، فالفقير والغني يشتريان مفرقعات من العيار الثقيل وبأسعار تعتبر غالية وغير مقبولة، ويدفعان الـ ٥٠ دولاراً وكأنها ٥٠ ألف ليرة. وبصراحة، لم أتوقع هذا الاقبال الكبير بعدما ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية كثيراً من العام الماضي إلى اليوم، فبعدما كان ٢٠ ألفاً في مثل هذا الوقت، وصل اليوم إلى ٩١ ألف ليرة”.

وتمنى “أن لا تخلو دار أحد من الفرح”، لكنه قال: “أنا أحزن عندما ألمس أن الناس مستعدون لدفع مبالغ كبيرة على الكماليات وتفضيلها على لقمة عيشهم. نعم هذا مصدر رزقي، ولكن مشهد الوقوف في الطابور لشراء المفرقعات النارية لا يليق بالشعب اللبناني اليوم، ومن غير المقبول أن يستدين رب الأسرة مبلغاً فقط للتعبير عن فرحه بالمفرقعات، التي تبقى من ناحية أخرى أفضل بكثير من إطلاق الرصاص”.

هلا ياسين، والدة أحد الطلاب الناجحين رفضت أن يطلق أصدقاؤه الرصاص ابتهاجاً بنجاحه، ولا حتى المفرقعات النارية، معتبرة أن “هذه السلوكيات سيئة ومؤذية، فنحن نعيش في سهل وحولنا أراضٍ مزروعة بالقمح، ولا أقبل الاحتفال بولدي على حساب رزق الناس أو صحتهم”. وأبدت أسفها لأنّ “الدولة والأجهزة الأمنية المعنية، لا تزال تُرخي الحبل لحملة السلاح أو المستهترين بأرواح الناس وممتلكاتهم، والإبقاء على السلاح المتفلت، والسماح للوساطات السياسية والأمنية بإخلاء سبيل مطلقي النار في حال توقيفهم بكل سهولة وكأن شيئاً لم يكن”.

ليس غريباً على الشعب اللبناني أن ينطبق عليه المثل الشعبي “قِلّه وبَسِط”، ولا أن نفاجأ بهذا الاقبال من المواطنين على دفع مبالغ كبيرة لشراء الكماليات، ولو كانت ابتهاجاً بفرحة نجاح أولادهم، والأجدى أن تبقى هذه المبالغ لتأمين قوت العائلة في صباح اليوم التالي، مع كل الأماني بأن تبقى الأفراح في ديار الجميع عامرة.

شارك المقال