منصات التعليمي… بدل عن ضائع؟

راما الجراح

في ظل الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، ظهر العديد من المنصات التعليمية الرقمية التي تستخدم “التعليم عن بُعد” في لبنان، وأصبحت تتنافس في ما بينها من حيث تقديم المعلومات، ومؤخراً تروّج لأسئلة الامتحانات الرسمية على أنها النماذج الصحيحة التي ستعتمدها وزارة التربية والتعليم العالي. لا احصاءات رسمية لعدد المنصات الرقمية اليوم، ولكنها جذبت الطلاب، وبحسب عدة دراسات وصل عدد المشتركين فيها إلى أكثر من ٤٠ ألفاً، وبدأ الكلام عن استبدال التعليم المدرسي بالرقمي لمواكبة الحداثة.

هناك منصات رقمية يمكن الاستعانة بها مجاناً مثل “udemy”،”Linkedin learning” وغيرها، وأخرى مدفوعة مثل “coursera”، “udex”، “Udacity”، وجميعها تزود المشترك بالمعلومات القيمة بحسب الطلب. “لسنا ضد المنصات التعليميّة على الانترنت، فهي توفّر مصدراً مهماً للتلامذة والأساتذة لتحصيل أكبر كمية من المعلومات، وفقاً لأحد الأساتذة. ولكن بعض المنصات هدفه تجاري بحت أكثر من تعليمي، وهذا حقه ولكن في التجارة وليس في مجال التربية، ومن غير المقبول تحويل التعليم إلى سوق لدرجة أن البعض اعتبر أنها يمكن أن تحل محل الأستاذ بسبب توفيرها المعلومات بصورة أسرع، ولكنها حُكماً تُلغي كل المهارات التعليمية”.

حديفي: لا تسريب لأسئلة الامتحانات الرسمية

مستشار وزير التربية لشؤون التعليم نادر حديفي أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “المنصات التعليمية الرقمية لا يمكن أن تكون بديلاً من الأستاذ، وهي موازية لعمله. التعليم الرقمي مطروح اليوم ومهم، ومعتمد في العالم، ونحن نعتمده ضمن ورشة المناهج التي تخصنا، ولكن لا يعني أنه يحل مكان الأستاذ. تعتبر هذه المنصات مساعدة في توفير المعلومات بطريقة أسهل وأسرع بدل تضييع الوقت، ويمكن للأستاذ الاستعانة بها للتعاطي مع تلامذته في موضوع معين يواكب عصر التكنولوجيا. أما بالنسبة الى ما يقال عن أن بعض أسئلة الامتحانات الرسمية أخذتها الوزارة من بعض المنصات فهذا الأمر مرفوض وغير صحيح، في النهاية هناك برام يتدرب التلميذ عليه من خلال حل الأسئلة الموجودة فيه وأحياناً يتكرر بعضها في المسابقات، ويمكن أن يكون حصل ذلك ولكن عن طريق الصدفة وتشابه الأسئلة ليس أكثر”.

سروجي: المنصات حل لمشكلات مؤقتة

واشار مدير “مركز الأبرار التربوي” وليد سروجي الى أن “المنصات كانت موجودة قبل الأزمة أساساً، والمدارس تعمل فيها بصورة محدودة، ولكن الأزمة التي حصلت في لبنان منذ العام ٢٠١٩، وما تبعها من أزمة كورونا وغيرها حتّمت على المدارس إعتماد هذه المنصات. وعلى الرغم من أننا نقوم منذ سنتين بالتعليم الحضوري ولكننا لم نستغنِ عن المنصة التي عملنا فيها بحدودها المعقولة، الا أن استعمالها أكثر بكثير من السابق”.

واعتبر في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الاستخفاف بالمنصة واعتبارها تجارة فقط يعد اجحافاً، والمبالغة في تقديرها وأن تكون بديلاً عن الأستاذ أو المدرسة نفسها غير صحيح، لأن الأحداث أثبتت أن التعليم عن بُعد مفيد ولكن غير كافٍ. فالمدرسة ليست إيصال معلومات وحسب، إنما هي تفاعل بين طرفين، وهناك بيئة عاطفية، إجتماعية، إنسانية وغيرها، والطلاب يتعلمون من بعضهم البعض من لغة الجسد، إلى الحضور، وبالتالي لا يمكن أن تصبح المنصة في أي شكل من الأشكال بديلاً من المدرسة”.

ورأى أن “من حق أصحاب المنصات التسويق لأعمالهم، على أن لا تكون بديلاً لشيء، وتصنيفها واتهام أصحابها بالتجارة مرفوض. هي حاجة اليوم ويمكن الاستعانة بها، وعلى سبيل المثال في فصل الشتاء تُعطّل المدارس أحياناً حوالي شهر بين ثلوج وجليد، وفي هذه الحالة المنصات هي الحل لمشكلات مؤقتة حتى لا يصبح هناك إنقطاع كامل عن المدرسة، إذاً هي وسيلة، والوسيلة لا تُلغي الأساس، بل مكملة له”.

كنعان: لا إمكانات لاستبدال التعليم بالرقمي

واستبعد مدير “مدرسة المرج الرسمية” عدنان كنعان أن تصبح المنصات التعليمية الرقمية بديلاً من شرح الأساتذة في الصفوف، مؤكداً أن “الامكانات في لبنان لا تسمح بذلك، وتجربة التعليم عن بُعد لم تكن ناجحة أكثر من نسبة ٢٠٪ فقط، والطلاب لم يستفيدوا كثيراً خصوصاً في الصفوف الابتدائية”. وقال: “برأيي في حال اعتماد هذه الطريقة لا يعد ذلك تعليماً جيداً ومفيداً، فوجود الأستاذ والتلامذة في الصف مهم جداً وتحديداً في المراحل الأولى من التلقين وتعليم كتابة الحرف والخط الجيد. أكبر دليل أن نسبة كبيرة من الأهالي اضطرت في فترة التعليم عن بعد إلى وضع أساتذه خصوصي لأولادهم ولم يعتمدوا على ما تلقوه في جلسات الأونلاين”.

ولفت الى أن “مستوى الطلاب تراجع في التعليم عن بُعد، ومنذ السنة الماضية عندما عُدنا تدريجاً الى التعليم الحضوري لاحظنا الفرق بصورة كبيرة في مستوى الطلاب، حتى هم أنفسهم حبّذوا التعليم في الصف. الدورات جيدة ومفيدة ويمكن الاستعانة بها في الكثير من الأوقات، باختلاف المواضيع وتنوعها، ولكنها مُكملة للمدرسة أو الجامعة وعامل مساعد لهما وليست بديلاً عنهما”.

حيدر: إعتماد المنصات الرقمية ضروري

وقالت الخبيرة التربوية أمل حيدر: “اتفقنا أم لم نتفق مع التعليم عن بُعد، المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي، أصبحا من الواقع، ونحن مضطرون الى أن نتعامل معهما. تعليمياً المنصات بدأت بالنجاح وتعمل على الطلاب، ولم تكن هناك اشتراكات عالية، وهناك من يتابع دائماً الأمور التعليمية عبر منصات كبيرة ومهمة مثل إدراك، كورسيرا وغيرها”.

وأوضحت أن “التعليم حتى يكون ناجحاً يجب أن يرتكز على الأدوات والمعلم، فالكتاب، اللوح، الورقة، القلم، واللابتوب جميعها أدوات للتعليم، وعند استخدامها بالطريقة الصحيحة للطلاب، سينعكس ذلك إيجاباً عليهم سواء في التعليم عن بعد أو في المدرسة. وهناك نظام عن بُعد متزامن، غير متزامن، ومُدمج. والتعليم الالكتروني يمكن أن يكون متزامناً مثل Zoom، وغير متزامن مثل تطبيق فيديو وتبدأ مناقشة بين الطالب والمُدرب أو الأستاذ، وبعد جلسة الـ zoomترسل ملفات ومسابقات ويتم حلها ومناقشتها”.

ونبّهت على أن “المعلم ي حال لم يعمل على تطوير نفسه تربوياً، تكنولوجياً، ورقمياً، ومن دون أن يشاهد دورات، نعم المنصة يمكن أن تستبدله وتكون أقرب اليه، لأن ذهنية الطالب اختلفت، وأصبحت مرتبطة بالفيديو، بالصورة، والتقنيات والتحليل. وسيقع الأستاذ في اشكال كبير من حيث التواصل، إيصال المعلومات إلى الطالب، وحتى يمكن أن يواجه مشكلات في التوظيف لأن الحظوظ الأوفر للأساتذة الذين يتمتعون بمهارات رقمية”.

في الخلاصة، لا إمكان حتى اليوم لاستبدال التعليم المدرسي بالمنصات الرقمية، ولا حتى بالذكاء الاصطناعي، فعمل المنصات محصور بتقديم الدعم والمساعدة للعملية التعليمية وتيسيرها فقط عند الحاجة إلى اللجوء للتعليم عن بُعد، ولا غنى عن وجود الأساتذة والطلاب في الصفوف لتلقي المعلومات كما يجب، ولو فاقت أعداد المنصات الرقمية أعداد المدارس على طول مساحة لبنان.

شارك المقال