تغير المناخ من فعل البشر… ماذا ينتظرنا؟

تالا الحريري

مع تغير الطقس وسيطرة الكتل الحارة على العالم، تصدر موضوع ارتفاع درجات الحرارة حديث العالم لأسابيع عديدة، مع تخوف من خطورة الوضع الذي نحن فيه وما قد ينتظرنا في السنوات المقبلة، على اعتبار أنّ شهر حزيران الماضي كان أكثر الأشهر حرارة عالمياً، كما أنّ أول الأسابيع في شهر تموز الجاري كانت الأشد حرارة على كوكب الأرض بحسب بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

تغير المناخ، الاحتباس الحراري، الثقب في طبقة الأوزون، والعوامل الأخرى للطقس لم تنتج عن عبث، بل هي تسببت بها نشاطات قام بها البشر على مدار سنوات من دون التفكير في عواقب ذلك عليهم، واليوم هم أول من يعانون من الانعكاسات السلبية لما كانوا يفعلونه لسنوات.

لطالما حذّر العلماء من أن تغير المناخ المرتبط بالأنشطة البشرية سيؤدي إلى زيادة شدة الظواهر الجوية القاسية وتواترها. ولا يمكن اعتبار الحرارة المرتفعة المظهر الوحيد للتغير المناخي، اذ نشهد كذلك جفاف الأنهار والبحيرات تقابلها فيضانات أو تساقط غزير للأمطار وحرائق هائلة وارتفاع منسوب المياه في المحيطات وهذا ما بات يسمى “المناخ المتطرف”.

أنشطة يمكن تداركها

وأكّدت الخبيرة في تغير المناخ والمرونة د. ريم خميس لـ”لبنان الكبير” أنّ “الأنشطة البشرية أدت إلى تغير المناخ، فإذا نظرنا إلى المؤشرات نلاحظ علمياً أنّ انبعاثات الغاز الدفيئة زادت كثيراً بعد الثورة الصناعية. الغازات الدفيئة (greenhouse gas emissions) أساسية للحياة، فسبب امكان عيشنا على الأرض يكمن في وجود greenhouse gas effect التي تجعل حرارة الأرض ملائمة لعيش الانسان لكن زيادتها يحبس الحرارة أكثر فتصبح زيادة عما يمكننا تحمله”.

وأوضحت أن “زيادة الانبعاثات تؤدي إلى انحباس الأشعة الشمسية عند دخولها الأرض فترتفع درجات الحرارة وتؤدي إلى تغييرات كثيرة، ويصبح هناك طقس حار أكثر وشتاء أكثر بسبب تبخر المياه، ما يؤدي إلى تغير المناخ. وعندما نتكلم عن تغير المناخ لا نقارن سنتين متتاليتين بل نقارن على الأقل 30 سنة، أي منذ التسعينيات حتى اليوم، نلاحظ في لبنان أن معدلات درجات الحرارة ارتفعت وكذلك على مستوى سطح الأرض، وأن كل سنة هناك كسر جديد للأرقام القياسية وهذا ما كنا نحذر منه”.

إقرأ ايضٌا: ماذا يحصل لجسم الانسان حين ترتفع درجات الحرارة؟

وحذرت خميس من أنّ “تغير المناخ في المستقبل يعتمد على الواقع الحالي، اذا نحجنا في الانتقال البيئي أي اذا استطعنا القيام بتنمية مستدامة وخفضنا اعتمادنا على الوقود الأحفوري واستخدمنا الطاقة البديلة المتجددة يمكننا حينها أن نخفف من حدة الوضع. وهناك السيناريو الأسوأ وهو إذا أكملنا كما نحن عليه بزيادة في الانبعاثات مع الزيادة السكانية التي ستزيد منها، فلا نعرف كيف سيكون الاتجاه”.

وأشارت إلى أنّ “لا وجود لحلول سحرية، بل يمكن الاتجاه إلى الطاقة البديلة والتخفيف من استعمال الوقود والغازات الدفيئة والعودة إلى العمل على إعادة التشجير لأن كثرة الغابات والأشجار تحبس ثاني أوكسيد الكربون. كما أنّ هناك سياسات التأقلم مع تغير المناخ كزيادة التهوئة الطبيعية natural ventilation والعزل الحراري للأبنية thermal insulation وزيادة المساحات الخضراء لزيادة الظل، لأنّنا في كل الأحوال في خط لا رجوع منه. فنحن في الأصل نواجه العواقب لكن من الممكن تداركها كي لا تسوء”.

المدن والمناخ

حسب تقرير الأمم المتحدة “تستهلك المدن 78% من طاقة العالم وتنتج أكثر من 60% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومع ذلك، فإن مجموع مساحتها يمثل أقل من 2% من مساحة سطح الأرض. إن الكثافة الهائلة للأشخاص الذين يعتمدون على الوقود الأحفوري تجعل سكان الحضر أكثر عرضةً لتأثيرات تغير المناخ، فقلة المساحات الخضراء تفاقم المشكلة. ووفقاً لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن الحد من الاحترار العالمي إلى حدود 1.5 درجة مئوية سيتطلب تحولات سريعة وبعيدة المدى في استخدامات الطاقة، والأراضي، والمدنية والبنية التحتية (بما في ذلك النقل والمباني)، والأنظمة الصناعية”.

وتشير الدراسات إلى أن الأجهزة الإلكترونية والانترنت والأنظمة الداعمة له، تسهم في نحو 3.7% من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وينتظر أن تصل إلى 7% بحلول 2025.

السعي إلى التمويل لدعم مشاريع المناخ

يمارس الاتحاد الأوروبي، وهو اليوم أكبر مساهم في تمويل مشروعات التصدي لآثار تغير المناخ، ضغوطاً لتوسيع قاعدة الدول المقدمة للتمويل. ويعني التمويل المتعلق بالمناخ تلك الأموال التي تدفعها الدول الغنية لمساعدة الدول الأفقر على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتكيف مع عالم يشهد ارتفاعاً متزايداً لدرجات الحرارة وما يصحب ذلك من صعوبات.

وتبحث بعض البلدان الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ والمحبطة من ضعف التمويل حتى الآن، عن مصادر جديدة للمال. وتسعى مبادرة “بريدج تاون” التي تقودها باربادوس الى الترتيب مع بنوك التنمية متعددة الأطراف حتى تتمكن من تقديم المزيد من الدعم لمشاريع المناخ، في حين تدعم دول أخرى ضريبة عالمية على ثاني أوكسيد الكربون في ما يتصل بعمليات الشحن حتى يتسنى لها جمع الأموال.

شارك المقال