السلطة “تتذاكى” على المعلمين والعسكريين بـ “أكل حقوقهم”

راما الجراح

الموظفون والمتعاقدون والمتقاعدون لم يكونوا يوماً مسؤولين عن السياسة النقدية والمالية، الهدر والصفقات، تحويل الأموال وتهريبها، سياسات الدين العام، سياسات المصرف المركزي والمصارف وحجز أموال المودعين، وتعدّد سعر الصرف والسوق السوداء، كل ذلك كان ولم يزل مسؤولية السلطتين التنفيذية والتشريعية مجتمعة، وما سيُعلن عند إقرار الموازنة قريباً ليس سوى مسكنات منتهية الصلاحية لا تعالج ولا تستأصل أساساً الداء الحقيقي.

وأشار حراك العسكريين المتقاعدين إلى أنّ “وزارة المالية بدلاً من أن تبادر في مشروع الموازنة إلى اقتراح تخفيف الرسوم والضرائب عن كاهل المواطنين، وتصحيح عادل للرواتب والأجور يتناسب مع فقدان قيمتها الشرائية بنسبة ٩٠٪ والتضخم الجنوني للأسعار والخدمات، وضمّ الزيادات إلى صلب أساس الراتب ليستفيد منها الموظفون والعسكريون الذين سيحالون على التقاعد، نراها في مشروعها العبثي تلجأ إلى النقيض تماماً وتُمعن في فرض الرّسوم والضّرائب الجائرة على الشّرائح الفقيرة ولا تلحظ أيّ زيادة للأجور”. وحمّل كلاً من مجلس الوزراء ومجلس النواب “مسؤولية هذا الوضع، والممارسات الكيدية لوزارة المالية”، مطالباً ومن دون أيّ تأخير بـ”شطب عبارة ضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية الواردة في المادة ١٧ من مشروع الموازنة فوراً، وإجراء تصحيح عادل للرواتب والأجور يتناسب مع انهيار قيمة الليرة وتضخم الأسعار، ويراعي رواتب ذوي الدخل المحدود، على أن يدخل هذا التصحيح في صلب أساسات الرواتب والمعاشات التقاعدية”.

أما الهيئة الادارية لرابطة معلمي التعليم الأساسي فأكدت أنها لم تُفاجأ بـ”التذاكي والتشاطر للسلطة ومسؤوليها من أجل سلب المعلمين حقوقهم والانقضاض على رواتبهم، وكنا نسعى ونأمل في زيادة منصفة على الرواتب بحيث يشعر من هم في السلطة بالمعاناة التي يعيشها المواطنون عموماً والمعلمون خصوصاً”. ورفضت “كل المواد في مشروع الموازنة التي أقرت مداخيل ضرائبية تطال المواطنين، تعديل المادتين ٨٠ و٨١ بحيث تصبح المساعدات (الرواتب الاضافية) ضمن أساس الراتب، وإعطاء راتب للمعلمين لا يقل عن دولار شهرياً في هذه المرحلة بعدما تعافى الوضع الاقتصادي واستعاد عافيته الشرائية والتجارية بحسب الواقع الذي نعيشه، ومن دون دفع ضرائب تزيد عن راتبنا”، محذرة من “التعاطي معنا باللامسؤولية”.

عسكري متقاعد: الرواتب بهدلة

ولفت العسكري المتقاعد من قوى الأمن الداخلي عبد الستار السيد في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “رواتبنا أصبحت حوالي ١٥٠ دولاراً من أساس راتب كان ٢٢٠٠ دولار قبل الأزمة. وهذا المبلغ الصغير نصرف أكثر من ٣٠٪ منه على الطريق عند سحبه من المصرف، أحياناً لا تكون هناك صرافة ونضطر الى العودة مره ثانية لسحبه كاملاً، بمعنى آخر بهدلة. راتبي اليوم لا يسد لي أكثر من ربطات الخبز وفاتورة الكهرباء في الشهر”.

وقال: “الضمان الصحي صفر، لا أحد يعتبرنا كمتقاعدين، حتى بدل مدارس لا شيء، لدي ٦ أولاد أكبرهم في الجامعة، أليس ظلماً أن نصل إلى مرحلة نعجز فيها عن تسديد أقساط جامعات أولادنا ونُجلسهم في المنزل حتى يفرجها الله؟ بالنسبة الى التعويضات، كانت ٢٠٠ ألف دولار أي ٢٩٠ مليون ليرة على أيام الـ ١٥٠٠، وصندوق ٢٠، وفي أول الأزمة أردت سحب المبلغ، ولكن رفض المصرف تسليمي أموالي لا باللبناني ولا بالدولار، واقترحوا عليّ الشيّك المصرفي على أن يأخدوا نسبة ٢٥٪ من المبلغ وطبعاً رفضت ذلك”.

وأوضح أنه ذهب منذ فترة “لسحب مبلغ ٧ ملايين ليرة فقط بسبب الحاجة، رفعوا لي طلباً إلى بيروت حتى آخذ موافقة من الفرع الرئيسي، وللأسف بعد ٣ أيام من تقديمه جاء الجواب بالرفض بسبب المساعدة التي قدمتها الدولة لنا ٤ ملايين ليرة. ما هذا الذُل الذي أوصلونا إليه؟ دمروا مستقبلنا ومستقبل أولادنا بعد ٣٠ عاماً قضيناها في خدمة الوطن، ومنذ ٢٠ يوماً بدأت العمل بمنشرة خشب من الساعة الثامنة صباحاً إلى السادسة مساءً بمعاش ١٠٠ دولار”.

أضاف: “اليوم سُرّب لنا عن الموازنة أنها لن تنصفنا كالعادة، والزودة على الراتب ستعتبرها الدولة عبارة عن مساعدة إجتماعية فقط، أي تكون مؤقتة ويمكن وقفها في أي وقت، وطبعاً لا تُحتسب كزيادة في التعويض. وبرأيي لا شيء مستحيل، فهذه التجربة نفسها عشتها في العام ١٩٩١، حين وصل معاشنا إلى ٢٠ دولاراً بعد ارتفاع سعر صرف الدولار إلى حوالي ٥ آلاف ليرة، وعندما ذهبت لصرفها لدى الصرّاف رفض يومها بسبب الشح في الدولار، وبالفعل كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري المُنقذ الوحيد للبلد يومها بأمواله وأدائه والدعم العربي حتى انتشلنا من الأزمة. وكم نحن بحاجة اليوم إلى رفيق مثله يخفف عنا وطأة الظلم من هذه السلطة الفاسدة”.

أستاذة متعاقدة: نعمل سخرة

أما أسماء العدوي، أستاذة “متعاقدة” في التعليم الرسمي الأساسي، فأوضحت “أننا نتقاضى راتبنا على الساعة التي نُدرسها، وعندما لا تكون هناك ساعات لا يوجد راتب، طبعاً الضمان لا يشملنا، ولا بدل النقل على الرغم من أنهم أقروه ولكن لم نحصل على شيء. الساعة بـ ١٠٠ ألف ليرة، ووعدتنا وزارة التربية بزودة، ولكن يبدو أنها ستبقى كما هي، ولدينا مشكلة كبيرة في عملية القبض، على سبيل المثال الفصل الأول قبضناه على رأس السنة، والفصل الثاني في الأول من نيسان عن شهر آذار بسبب الإضراب، والفصل الثالث لم نتسلم أي مبلغ منه إلى اليوم”.

وأشارت الى أن “هناك ما يسمى ببدل الانتاجية التي وعدنا بها وزير التربية عن شهري أيار وحزيران أيضاً ولم نلمس شيئاً حتى الآن، وكأننا نعمل سخرة. نتعب كل السنة وشنططة على الطرق لنأخذ معاشاً ٥٠٠ دولار في السنة فقط، واليوم تسريبات الموازنة واضحة بأن القرارات المقبلة مسخرة كالعادة ويبدو أن مسلسل الضحك علينا مستمر”.

أستاذة مثبتة: يأكلون حقوقنا

وأكدت أمل يوسف، أستاذة “مثبتة” في مدرسة “حوش الحريمة الرسمية” أن “هذا الشهر مثلاً تأخرت الرواتب حتى ١٣ تموز على الرغم من فترة الأعياد. وكنا موعودين على أساس زودة ٧ معاشات أساس الراتب، يعني يصبح راتبنا حوالي ١٨ مليون ليرة، ومع أن المبلغ ليس كافياً نفاجأ عند ذهابنا لسحبه أنه ٩٠ دولاراً فقط، أي زيادة ٣ أضعاف أساس الراتب وليس كما وعدونا. أكثر من ذلك، الحوافز المرصودة للأستاذة منذ بداية هذا العام ١٢٥ دولاراً بالاضافة إلى الراتب تم وقفها على أساس زيادة ٤ أضعاف بعد من أساس الراتب، وللأسف الحوافز طارت وطبعاً المعاشات الأربعة لم نلمسها بعد”.

وأكدت أن “العامل اليومي أصبح يتقاضى راتباً أفضل منّا بكثير، والاستخفاف بنا غير مقبول، وأنا معلمة لدوامين قبل الظهر وبعده، وزرجي متقاعد، كل هذا ولا يصل مدخولنا إلى ٤٠٠ دولار، فكيف سأستطيع تسجيل أولادي في الجامعة بهذا الراتب؟ تخيلوا أننا استدنا سعر تنكة البنزين لمراقبة الامتحانات الرسمية لأن الـ ٢٠ دولاراً على اليوم هيهات حتى نتقاضاها! في النهاية مهما اتخذوا من قرارات بحقنا في الموازنة نحن أصبحنا على قناعة بأنهم آكلون لحقوقنا وسيأتيهم يوم سيجزون فيه على كل أعمالهم السيئة بحق كل موظف في القطاع العام تحديداً”.

زيادة الرواتب ثلاثة أضعاف بدل سبعة، وإقرار “مسكنات” لمرض عضال اسمه الجوع، وعدم الاعتراف بأي زيادة ضمن تعويض نهاية الخدمة، جميعها قرارات تقف سداً منيعاً أمام موظفي القطاع العام الذين يعملون منذ تشرين الأول ٢٠١٩ “بالسُخرة”، حتى أصبحوا متسولين من أجل لقمة عيشهم، ويبقى الحل الفعلي لرواتب المعلمين، الموظفين، العسكريين والمتعاقدين بإعادة القدرة الشرائية الى ما كانت عليه قبل ١٧ تشرين ٢٠١٩.

شارك المقال