لعنات برسم الانسانية

لينا دوغان
لينا دوغان

في الموضوع المالي يقولون إن الأسبوع سيكون حاسماً، وفي الملف السياسي الرئاسي تحديداً ينتظرون الزيارة الثانية للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، بعد أن شارك في خماسية الدوحة ولا يحمل في جعبته أي جديد. لكن حبر كل هذه الأخبار يجف عندما نصل الى جريمة تعجز الكلمات عن وصفها، وهي جريمة الاعتداء على طفلة بعمر ٦ سنوات.

لين طالب قضت على يد أمها التي حاولت بشتى الطرق تغطية فعل أبيها، فقبل أن تظهر التحقيقات أن الجد هو “الوحش الكاسر” وتوقيفه وابنته، حاولت والدة لين إلقاء التهمة على عم الطفلة نظراً إلى أنّه قاصر فيستفيد بالتالي من المواد القانونية المخفّفة للعقوبة. ولم يتوقف الأمر هنا فهذه الأم والتي لا يجب أن تحمل هذه الصفة أصلاً، رفضت إبقاء ابنتها في المستشفى علماً أنّ الفحوص التي أجراها الطبيب لها قبل وفاتها أكدت ضرورة إدخالها اليه فوراً لا سيّما أن مؤشرات الدم لديها منخفضة إلى درجة الاختفاء تقريباً، الأمر الذي يعني أن الجسم كان يحتضر وأن الاغتصاب وقع في وقت قريب. أما الكدمات الواضحة على جسمها، فهي تدل على عنف وإساءة كانت تتعرض لهما.

منذ وقوع هذه الجريمة، وقضية لين طالب لا تزال تتفاعل في الشارع اللبناني، بعدما فارقت الحياة نتيجة اعتداءات جنسية متكرّرة، وقد علت الأصوات المطالبة بمحاسبة المرتكب على جريمته وإنزال أشدّ العقوبات به وبمن تستّر عليه.

عدة أسباب أدت إلى اهتمام اللبنانيين بجريمة لين وتحويلها إلى قضية رأي عام منذ اليوم الأول، وهي نوع الجريمة وسن الضحية وعلاقة المجرم بها، والنهاية المأساوية أي مفارقتها الحياة. لقد أصابت جريمة لين مشاعر اللبنانيين في الصميم، فانتهاك ذوي القربى وقعه كبير لأن الأقرباء، كما هو متعارف عليه، هم أكثر الأشخاص ثقة ومصدراً للأمان، إلا أن ما حصل شوّه هذه الصورة.

والد لين طالب بإعدام المجرم الذي تسبب بوفاة ابنته، وتوجه الى طليقته بالقول: كلب في طرابلس حمى طفلة مرميّة في القمامة، فكيف لم تحمِ طفلتك؟

ولم يكفِ ما حصل مع لين طالب من قسوة الأقارب، حتى وصل بنا الأمر الى أن تصبح الكلاب أكثر حناناً على الأطفال من أهلهم. ربما هي ليست الحادثة الأولى التي تحصل ويرمى طفل على طرف الشارع أو في القمامة، لكن الصدمة أنه عثر على طفلة حديثة الولادة في طرابلس في كيس قمامة يحمله كلب ضال. رأى أحد المارة الكلب يحمل كيساً أسود وسمع صراخ طفل، فتمكن من أخذ الكيس ووجد في داخله الطفلة، التي أصيبت برضوض في جميع أنحاء جسدها، ونقلت إلى المستشفى الاسلامي الخيري، ثم إلى مستشفى طرابلس الحكومي بعد إبلاغ الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية.

يبدو جلياً أن التفلت في البلد أصبح على كل الصعد ليصل الى جمعية يصدر قرار بإقفالها بالشمع الأحمر بعد المخالفات الفاضحة بحق القصّر الذين تستقبلهم بقرارات قضائية لحمايتهم من الخطر اللاحق بهم من أهلهم وذويهم أو نتيجة التخلي عنهم، لكن بدلاً من ذلك تتاجر بهم مادياً وجنسياً.

وفي التفاصيل، تأسست عام 2020 جمعية “قرية المحبة والسلام”، معلنة في كتاب العلم والخبر الذي قدمته إلى وزارة الداخلية، أن غايتها إنسانية، تنموية، اجتماعية تسعى عموماً الى إيواء المعرضين للخطر من جميع الأعمار لاسيما الفئة العمرية لغاية سبع سنوات، وتأهيلهم وتقديم كل ما من شأنه المساهمة في تنمية قدراتهم الجسمانية والنفسية وتطويرها، وذلك من خلال دعم مهاراتهم الفكرية والتعليمية لتمكين دمجهم في مجتمع صالح يؤهلهم الانطلاق نحو مستقبل أفضل وبصورة عامة متابعتهم صحياً علمياً وثقافياً… ليظهر أن غايتها عكس ذلك.

فما كان يجري داخل الجمعية هو تحرش جنسي بالقاصرات، واصطحابهن الى الملاهي الليلية، كما وصل الأمر الى جرم الاتجار بالبشر عبر بيع الأطفال الموجودين لديها إضافة الى شبهات عديدة موثقة، تثبت تعاون الجمعية مع جمعيات وهمية غير موجودة بغية الاستحصال على تبرعات ومبالغ مالية لتأدية رسالتها حسب زعمها.

بعد كل هذا، أظن أن الانهيار لم يعد خافياً على أحد، خصوصاً الانهيار الأخلاقي في مجتمع لا رادع فيه ولا رقابة، والأهم من كل ذلك وما أوصلنا الى هنا هو الانهيار المؤسساتي والاجتماعي، وكلما تمادينا في تكبير هوته سنرى لعنات أخرى تضربنا وتصيب مجتمعنا وتهشمه، علنا نفكر يوماً ما في إعادة بناء ما تهدم وعلى رأسه دولتنا.

شارك المقال