عاشوراء منصة الوعي

السيد محمد علي الحسيني

تتجدد ذكرى عاشوراء كل عام لتلقي بفيء ذكرياتها على وجداننا جميعاً، فهي الواقعة التي جمعت كل معاني القيم والأخلاق على الرغم من قسوة الأحداث التي أحاطت بها ومرارتها، ففي العاشر من محرم سنة 61 هجرية، حصلت واقعة كربلاء في أرض العراق حيث حوصر سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله الإمام الحسين (عليه السلام)، هو وأهل بيته وإخوته وأولاد عمومته وأصحابه، وقد مُنعوا الماء في أيام الحر، وتعرضوا لهجوم وحشي سفكت فيه دماؤهم، وذبحوا في واقعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تواجهت فيها لغة الكراهية بلغة التسامح، وتعالى فيها صوت العدالة على الظلم، لتكون للمسلمين والانسانية محطة للاعتبار، ومدرسة دروسها من وحي قيم وأخلاق قائد حرص على وحدة المسلمين ودمائهم، قائد قدم نفسه ومحبيه فداء للإسلام وبقائه، فهو القائل عليه السلام: “إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي مـحمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار). أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي مـحمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين”.

عاشوراء ترسيخ لقيم المحبة وتجسيد لأخلاق الحسين

من الظلم أن تكون ذكرى عاشوراء الامام الحسين عليه السلام حبيب قلوب المسلمين بكل مذاهبهم – كيف لا وهو حبيب قلب رسول الله الذي قال فيه: ” حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا” – ، ذكرى محصورة في طابع ضيق لا ينقل الجانب المشرق منها، فعاشوراء هي محطة مهمة ومحورية في سيرة الإمام الحسين لأنها تركت أثراً تاريخياً كبيراً وضجة وزلزالاً في المفاهيم الظلامية وحافظت على الوعي الفكري المدافع عن الأخلاق والقيم مهما كانت الظروف والتحديات، فالنور لا يتحول إلى ظلام وكذا الحق لا يتحول إلى باطل، ولا الأخلاق إلى مفاسد، والحسين قائد جُبِل قلبه وسجاياه على المحبة والخير والتسامح والانفتاح والرحمة، فكان قلبه يتفطر على الذين سفكت دماؤهم ويهرول إلى الجرحى لمساعدتهم ويهون عليهم الكرب الذي كانوا فيه، فقد كان سخياً على جميع الأصعدة، ولم يرضَ بحرمان محاربيه من الماء كما فعلوا به وبأصحابه، كان نوراً وسط ظلام الحقد والشر ومشاعر الكراهية.

مجالس عاشوراء منصة عالمية للانفتاح على السيرة الحسينية 

مع غرة شهر محرم تجد المجتمع بكل فئاته العمرية كباراً وصغاراً رجالاً ونساء، يتسارعون لحضور المجالس العاشورائية، لتكون فرصة كبيرة يستفاد منها وفق الأهداف والغايات، والتي تقام في كل أنحاء العالم، ويحضرها من كل الجنسيات ليستمعوا إلى محطات من حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، ويتعرفوا على مقامه ومكانته لدى المسلمين، فتتحول هذه المجالس إلى منصة عالمية تبث بكل اللغات لتوصل حقيقة عاشوراء بصورة مشرقة تجسد فيها أخلاق الإمام الحسين ودعوته. ومن هنا ندعو إلى تحويل عاشوراء إلى منصة لرفع منسوب الوعي والتوجيه الصحيح نحو المجتمع وقضاياه، وسبل مواجهة التحديات التي تعصف بحياة الأسر التي انحرفت عن واقع مدرسة الإمام الحسين، مع التأكيد على معالجة مشكلات شبابنا والعودة إلى إحياء قيم الإمام الحسين ومبادئه ونهجه، وعدم وضعها في الرفوف التاريخية المنسية، إضافة إلى التنبيه من خطورة التعصب والتطرف والانحراف الذي حذر منه الإمام الحسين، والدعوة الى نهج الاعتدال والوسطية، وعدم الانغلاق، وبث روح الأمل والحياة، والحث على التعليم والعمل وبناء الأوطان والحفاظ عليها، والدعوة الى بناء الجسور مع الآخر. فلتكن مناسبة عاشوراء شمعة تنير حاضرنا، وتشع لنا مستقبلنا، ومنصة ترضي الله وتفيد العباد.


* أمين عام المجلس الاسلامي العربي

كلمات البحث
شارك المقال