“عذاب طويل” ولا “إعدام سريع”… عقوبة للمغتصبين!

عبدالرحمن قنديل

تأثر اللبنانيون بقضية الطفلة لين طالب ابنة الخمس سنوات التي اغتصبت ممن يحملون صفة الوحوش البشرية عديمة الرحمة، تأثروا وبلغ حد تأثرهم المطالبة بإعدام المغتصبين، ما فتح الباب أمام الحديث عن عقوبة “الاعدام” كرادع قوي للحد من جرائم كهذه. فماذا عن حكم الاعدام في لبنان؟ لماذا لا يتم تفعيله لنيل وحوش كهذه القصاص كي لا يتكاثروا في المجتمع؟

“باسم الشعب، وبعد الاطلاع على كل الوقائع، قرّرت المحكمة حضورياً إنزال عقوبة الإعدام بحق مرتكبي عملية الاغتصاب والقتل عمداً”، نص ليس غريباً على مسامع اللبنانيين اما من خلال معاصرة حقبة “حكم الاعدام” أو من خلال سماعها من خلال مسلسلات وأفلام عربية.

لطالما كانت هذه العقوبة تشكل محور انقسام منذ فجر التاريخ بين مؤيدين ومعارضين. المؤيدون يرون في الحكم عدلاً يحاسب المجرم الذي يقتل عن قصد من دون سابق انذار، ويعتبر المعارضون أن هذه العقوبة هي خرق لحقوق الانسان على قاعدة أن الحياة حق من أسمى الحقوق المطلقة ولا يجوز التعرض له مهما كانت الظروف، إضافةً إلى أن هدف النظام القضائي هو إصلاح الفرد وبالتالي يكون للمحكوم عليه الحق في إعادة تأهيله وإعطائه فرصة ثانية للإصلاح.

يعود تاريخ قانون عقوبة الاعدام إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ضمن مجموعة قوانين حمورابي ملك بابل، بحيث تضمنت عقوبة الاعدام لـ25 جريمة مختلفة. كما وردت العقوبة في القوانين الحيثية خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ولاحقاً تضمن القانون “الدراكوني” والذي كان يعمل به في أثينا خلال القرن السابع قبل الميلاد تطبيق عقوبة الاعدام لعدد من الجرائم.

وفي أعقاب تأسيس القانون الروماني، سنّت اللوائح الـ12 للتشريعات القديمة، والتي نصت على عقوبات إعدام بالقتل من خلال الصلب والغرق والضرب حتى الموت والاحراق حياً، وهو يعد أول ظهور لطرق الاعدام المختلفة في القوانين الوضعية.

سجل لبنان تنفيذ 51 حكماً بالاعدام منذ العام 1947 حتى 2004، ومنذ ذلك الحين لم يُنفذ أي حكم جديد. وانتهجت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ سنوات منحى يرمي الى عدم تنفيذ الأحكام التي تلحظ عقوبة الاعدام وربطها بمسمى “وقف العمل”.

القاضي حاتم ماضي الذي كان رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان حكم بحدود 27 حكم إعدام، نفذت منها نحو 4 أحكام لا غير. وأوضح لـ”لبنان الكبير” أن “عقوبة الاعدام ليست الأكثر عدالة من غيرها، ولكنه يسمح بالاعدام في حال حصول أنواع كهذه من الجرائم”.

وأشار إلى أن “الاعدام كعقوبة موجود في القانون اللبناني لكنها تتأرجح بين الاسراع في تنفيذها من عدم تنفيذها وذلك بسبب ظروف حكام المرحلة، فبعض الحكّام يؤيد تنفيذه والبعض يعارضه”، معتبراً أنه “لا يمكن ملامة كلا الفريقين لأن أنصار عقوبة الاعدام كثر ولهم مبرراتهم وأنصار الغائها كذلك، بالنتيجة المفاضلة بين الرأيين عملية صعبة جداً”.

ولفت الى أن “هناك نوعاً من الاتفاق على تجميد أحكام الاعدام أو التريث في تنفيذها بعد العام 2004 الى أن يُبت في قانون جديد حوله، خصوصاً بعد آخر مؤتمر دولي تعلّق بعقوبة الاعدام بحيث تمنى على لبنان والدول التي لا تزال تسير في أحكام الاعدام اذا كانوا لا يريدون الغاءها التريث في تنفيذها بالحد الأدنى كحل وسط، ولبنان يتريث في تنفيذ أحكام الاعدام حالياً”.

وأكد ماضي أن “هناك أحكاماً بالاعدام ولكن وتيرتها أقل بالنسبة إلى الماضي”، معرباً عن اعتقاده أن “التوصل الى الغائها ممكن ولكن لا شيء يلوح في الأفق حالياً”. ووصف الجرائم التي تحدث بـ”البشعة لدرجة أن بعض الناس التي تؤيد حكم الاعدام لا يصرح بذلك في العلن ويفضل الصمت”.

وعن وجهة نظر الفريق المعارض، قال ماضي: “بمجرد ابقاء المتهم مسجوناً مكتفياً بمدة الحبس المحددة، تكون عقوبة كافية لتردع أي متهم وتزيد عذابه مدى الحياة، أما في حالة اعدامه فيكون قد ارتاح من عذاب كهذا”.

وشدد على أن “الاعدام له هدف ردعي يمنع المجرم من ارتكاب جريمته لأنه يصبح على علم أن ثمن هذه الجريمة هو الاعدام حتماً”، مشيراً الى أن “البلاد التي يكون فيها الكثير من الاعدامات أعطت مفعولاً عكسياً أدى الى ازدياد الجرائم وليس العكس. فازدياد الجرائم غير مرتبط بحكم الاعدام بل في نزعة الشر المكونة من الأساس لدى المتهم، اضافة الى العوامل الاقتصادية والاجتماعية”.

وأكد النائب ملحم خلف (نقيب المحامين السابق) في حديث لـ “لبنان الكبير” أنه ضد عقوبة الاعدام، مشبهاً اياها بـ “صلاحية تعطى لانتزاع حياة إنسان آخر، فيما ما يجب القيام به هو تشدد العقوبة الى أقصاها حسب الجريمة”.

وكشف أن “الدراسات القانونية أثبتت بصورة قاطعة أن الاعدام ليس كافياً لاعتبار أن هذه العقوبة هي عقوبة رادعة لثني الانسان عن ارتكابه الجرائم”، مشدداً على أن “تشديد العقوبة هو ما يجب التركيز عليه على أن يترافق مع اجراءات للتوعية والمساندة”.

شارك المقال