هجرة عكسية لعائلات لبنانية الى الوطن… “حتى لا يضيع أولادنا”

راما الجراح

في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، والاقبال الكبير من اللبنانيين على الهجرة إلى الخارج عند أول فرصة، هناك مئات العائلات اللبنانية التي تختار العودة إلى وطنها والاستقرار فيه من جديد. نعم الموضوع ليس عادياً، فعلى الرغم من الانهيار الكبير في العملة الوطنية، وارتفاع معدلات الجرائم والسرقات، وفقدان الأمن والأمان والضمان الصحي والنفسي، فضّل كثير من اللبنانيين العودة من بلاد الخارج بسبب إختلاف الثقافات والعادات التي لا يمكنهم تقبلها والتأقلم وأولادهم معها.

اختاروا العودة إلى لبنان لأنهم يرفضون أن يتعلم أولادهم أفكاراً لا تليق بمجتمعنا على حد تعبيرهم، بعد أن وصلت بهم الحال إلى التعامل مع مَن حولهم بكل حذر وسؤالهم عما إذا كانوا يفضلون الحديث إليهم بصيغة المذكر أو المؤنث، وذلك بعد المبالغة في الانفتاح داخل المجتمع، وفرض وجود “مجتمع الميم” بينهم. هذه الثقافة التي أصبحت أكثر من عادية في دول الخارج لم تتطابق مع أفكار كثيرين من عدة دول وعاداتهم، وعلى اختلاف أديانهم وجنسياتهم.

روت جمانة الزحلاني، لبنانية مغتربة وأم لطفلتين أن “عودة غالبية اللبنانيين من الخارج تحديداً من كندا في هذه الفترة للاستقرار في لبنان هي بسبب الـGays أو المثلية الجنسية، التي تشرّع في المدارس، وكل الأماكن تقريباً، حتى أصبحنا نتأكد من أي شيء نشتريه للمنزل، أو ألعاب لأطفالنا، في حال كان عليه أي من الشعارات والرسومات المنسوبة اليهم والتي باتت توضع علناً خصوصاً على الثياب. كما أصبح هناك شرح وتفصيل داخل المدرسة من عمر ٧ سنوات عن مجتمع الميم وأن الأمر طبيعي جداً وليس شذوذاً على الرغم من أن جميع الأديان السماوية ترفض هذا الأمر”.

وأكدت في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “هذه الفئات أصبحت تتسلم مناصب كبيرة في المؤسسات والمصارف فقط لأنها تنتمي إلى هذا المجتمع وذلك لدعمها وتشجيعها. من هنا، عدت إلى لبنان مع بناتي لمنعهن من الانفتاح على هذا الموضوع. طبعاً لا شك في أننا سنضطر الى شرح هذه السلوكيات لأطفالنا ولكن ليس من عمر ٧ سنوات، ففي الخارج طبيعة حياتهم، ثقافتهم، وسلوكياتهم تختلف عنّا كثيراً، وهذا لا يناسب النسبة الأكبر من العرب تحديداً، على الرغم من أن هناك نسبة كبيرة من الأجانب نزلت إلى الشارع رفضاً لتشريع وجودهم بين الناس كأشخاص طبيعيين”.

وقالت الزحلاني: “القوانين صارمة جداً بالنسبة الى الأولاد، لا أستطيع توبيخ طفلتي على أي عمل خاطئ، بالأحرى ما بسترجي، لأنها تصرخ بصوت عالٍ حتى يسمع الجيران، وواجهت هذا الموقف عدة مرات ولو لم يتفهموه نوعا ماً لكانت الشرطة أتت وأخذت طفلتي من بين يدي بحجة تعنيفها نفسياً. نعم أنا من الأشخاص الذين لم يفكروا يوماً في العودة إلى لبنان خصوصاً بعد كل الأزمات التي ضربته، ولكن أصبحنا مضطرين للعودة وإلا منضيّع أولادنا”. وأوضحت أن “جميع المدارس من دون استثناء، الاسلامية وغير الإسلامية أجبرتها الدولة على إدخال هذه المواد في مناهجها وتسجيل هؤلاء وتخصيص حمامات لهم و… وهناك ٥ عائلات من أقارب زوجي ستعود إلى لبنان الشهر المقبل على الرغم من استقرارها وأعمالها في كندا للسبب نفسه، وأتوقع أن تتزايد أعداد العائدين لأن ما يحصل مبالغ فيه ولا يمكن تقبله بالنسبة الى مجتمعنا”.

قصّة جمانة وعائلتها لا تختلف عن قصص عائلات أخرى، اذ أكدت الناشطة الاجتماعية جمال حسين أن “هناك أكثر من ١٩ عائلة من قرية واحدة، هي خربة روحا – البقاع الغربي، عادت من كندا تحديداً للاستقرار في لبنان من جديد هرباً من ثقافات الخارج التي تختلف عن ثقافتنا كلياً، والتي لم تستطع تقبلها بأي شكل من الأشكال”. وبحسب إحدى صديقاتها التي عادت من الاغتراب لهذا السبب، قالت، “المدارس ممزوجة بألوان عَلَم مجتمع الميم، حتى أنه أصبح لديهم حمامات خاصة بهم، ويحاولون بشتى الطرق زرع فكرة الانفتاح على هذه الثقافات عند الأطفال لدمجهم به خصوصاً مع تسهيلات الدولة في هذا الموضوع واعتباره حرية يجب تقبلها والتأقلم معها”.

“كل هذه العائلات لم تفكر يوماً في العودة إلى لبنان لا سيما في مثل هذه الظروف القاسية التي يعاني منها لبنان، ولكن بسبب تزايد أعداد المثليين قررت العودة خوفاً على أطفالهم من الاندماج في هذا المجتمع وتجنباً لأي سلوكيات لا تشبه ثقافتنا، وخصوصاً أنه أصبح لديهم مثلاً شهر خاص بهم للاحتفالات وهو شهر حزيران، حتى في المدارس والطرق” بحسب حسين التي روت حادثه حصلت مع إحدى العائلات، قائلة: “عند مجيئها إلى المطار للسفر إلى لبنان، كانت هناك مظاهرة للمثليين وهم عُراة في الطريق ويرفعون شعارات يطالبون فيها بتقبل الناس لهم بهذه الطريقة، وحاولت الأم قدر المستطاع منع أطفالها من رؤيتهم بهذا الشكل”.

وأكدت حسين أن هذا الأمر “ليس حكراً على اللبناني، بل هناك عدد كبير من الناس في كندا ومن أصول كندية وأوروبية ومن مختلف الديانات يرفضون بصورة كبيرة هذا المجتمع الذي بدأ يكبر شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى مرحلة يتعامل مع الجميع بطريقة فرض نفسه بالقوة، ومن هذا الباب كانت عودة هذه العائلات إلى قراها، والمؤشرات كلها تدل على أن الأعداد إلى تزايد في الأيام المقبلة، وهناك مَن لا مأوى لهم في لبنان بسبب استقرارهم في الخارج الأمر الذي يمكن أن يخلق أزمة جديدة خصوصاً لصعوبة إيجاد منزل للإيجار”.

وشددت خولة. ش، وهي أم لثلاث بنات أعمارهن بين ١٠ و١٨ سنة، وشاب بعمر ١٥ سنة، على أن “ما يحصل فاق قدرتنا على الاستيعاب، زوجي يعمل في كندا – كالغري منذ عشرات السنين، وأوضاعنا المادية جيدة جداً، وكلما تسنت لنا الفرصة نزور أهلنا في لبنان، ولكن وصلت بنا الأمور هنا إلى وضع شروط لنا عند تسجيل ابنتي في المدرسة أن علينا تقبل وجود أشخاص من مجتمع الميم في الصف والملعب، ويجب احترام ميولهم وتقبلها، بالإضافة إلى وضع خيارات أمام ابنتي الكبيرة حول الاهتمام بالأمور الجنسية، وأن تصبح معلمتها صديقتها ويمكن أن تسمع أسرارها وتساعدها بخصوص هذه الأمور، هنا حسمنا قرارنا أنا وزوجي وسنصل إلى لبنان في الأسبوع الثاني من شهر آب بلا رجعة، وسنتحمّل كل أزماته أفضل بكثير من أن نجلس في مجتمع يُمكن أن يسلب أطفالنا”.

وأشارت الى أن “المجال يفتح أمام الشباب بعد عمر ١٨ سنة لترك منزل الاهل واختيار العيش وحدهم، وهنا تؤمن الدولة لهم المنزل وهذا نوع من التشجيع على هذا التصرف الغربي اذا صح القول، الذي لا يشبهنا أبداً، وبكل أسف هناك عائلات عربية في منطقتنا التي نسكن فيها لم تعد تستطيع السيطرة على تصرفات أولادها، منهم مَن إختار العيش وحده، ومنهم مَن شق طريقه نحو مجتمع الميم”.

يبدو أن الوطن ولو كان مثقلاً بالأزمات، هو الملجأ الوحيد لأبنائه في عملية البحث عن الأمن والأمان المفقودين أساساً في لبنان. معادلة غريبة ومتناقضة، لكنها حقيقية شئنا أم أبينا.

شارك المقال