مناكفات بين “الاقتصاد” و”الزراعة”… هل تُقفل الطرق بالقمح؟

راما الجراح

مع اشتداد أزمة الغذاء العالمية، تركزت الدعوات على تشجيع زراعة القمح محلياً. الانتاج الوطني ليس متنوّعاً، فمعظمه قاسٍ يصلح للمونة المنزلية لا للخبز والطحين، وهناك فائض كبير في لبنان منه. وفي سهل البقاع هناك ما لا يقل عن ٦٠ ألف طن من أجود أنواع القمح القاسي والطري تتكدس في المستودعات من دون الاكتراث لها، مقابل استيراد الدولة عشرات الأطنان من الخارج، ومنها غير مطابقة للمعايير الغذائية، بدل أن تتصرف بالإنتاج الوطني، وتفتح باب التصدير لأنواع القمح الفائضة.

فارس: آلية تسلّم المحصول فاشلة

المزارعون في لبنان أصبحوا بين نارين: ابتزاز أصحاب المطاحن، والتجار الذين يصدّرون الطحين المدعوم الى الخارج. وأعلن وزراء الزراعة والاقتصاد والمالية عن آلية تسلّم محصول القمح “المنقوصة والفاشلة” بحسب رئيس نقابة مزارعي القمح نجيب فارس، الذي قال: “المزارع يحتار في كيفية التصرف بمحصوله، إذ حدّدت الآلية الوزارية سعر شراء طن القمح من المزارع بـ٢٧٠ دولاراً، على أن يوصله الى المطاحن أو مستودعات وزارتَي الاقتصاد والزراعة، ما يعني كلفة ٢٠ دولاراً على كل طن ما بين تحميل ونقل وتنزيل، في حين أن الطن يباع في أرضه بـ ٢٨٠ دولاراً نقداً”.

وعن تفاصيل الآلية وكيفية العمل، اعتبر أن “الحكومة عندما تقرر من العام الماضي تكثيف زراعة القمح الطري لتخفيف الاستيراد من الخارج، تناقض نفسها بالآلية التي فرضتها، فكيف سيتم تسليم القمح الى المطاحن التي تستورد ببلاش على السعر المدعوم ٨ آلاف ليرة في هذه الحالة؟ وماذا سيفعل المزارع العام المقبل؟ نعم القمح القاسي اليوم يباع، أما الطري فواقف، بحجة الانخفاض في البروتين، أو أن الحبة ليست جيدة”.

أضاف: “في حال لم يكن هناك ضغط جدّي من الحكومة بإلزام المطاحن، فان كل ما يقال حبر على ورق، فقط لازالة المسؤولية عن أنفسهم، اذ ان زراعة القمح غير مربحة، وهي مجرد دورة زراعية للأرض، ولكن في الدول التي تحترم نفسها تعتبر زراعة استراتيجية وأمناً غذائياً للبلد وتعطي المزارع أسعاراً تشجيعية، وفي لبنان بدل اعطاء سعر ٣٥٠ دولاراً لتشجيع المزارع وحثّه على العمل، يعطوننا بالسعر العالمي الذي نخسر فيه، لأن تكلفتنا أكبر من الدول التي تحتوي على مساحات كبيرة”.

وفي ما يخص التبن، أكد فارس في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن أسعاره “بالأرض”، وهناك حوالي ٦ آلاف دونم لم تحصد بسبب عدم وجود مَن يشتريه أصلاً، والمَزارع غالبيتها “مفلسة”، وحتى الآن “لم نلمس أي حل يلوح في الأفق، ممنوع التصدير إلى الأردن، وحتى لو سمح لنا بذلك فهناك ضريبة من سوريا على الشاحنة ١٨٠٠ دولار، لذلك على وزارة الاقتصاد استلاف ملف القمح وبسعر تشجيعي فريش دولار على أن تقوم بإلزام المطاحن، ولا ثقة بالدولة أن تتسلم المحصول”.

“لا أحد يسمعنا، وكان الأحرى بالمسؤولين أن يجتمعوا ويستمعوا الى معاناتنا واقتراحاتنا، ولكن آخر همهم”، بحسب فارس الذي أسف لوجود مناكفات بين وزيري الاقتصاد أمين سلام والزراعة عباس الحاج حسن على الصلاحيات في هذا الموضوع، مؤكداً أنها “لوزارة الاقتصاد ولكن وزير الزراعة يحاول الدخول على الخط والضغط عليه بطلب من رئيس الحكومة، وممنوع أن يمضي سلام بأي قرار من دون استشارة الحاج حسن وطبعاً لا يحق له ولكن ميقاتي يريد أن يكبله بطريقة ما”.

وناشد رئيس الحكومة، وكل معني بهذا الملف من وزارات الاقتصاد والزراعة وحتى المالية “مساعدة المزارع كي يستطيع أقله تأمين لقمة عيشه، وإلا فسيحولون المزارعين إلى مجرمين، وان لم يستطيعوا مساعدتنا فليفتحوا التصدير أمامنا خصوصاً أن لدينا فائضاً في القمح القاسي”.

الترشيشي: مُزارع القمح عالق بين الدولة والمطاحن

وعن معاناة المزارع نفسه، أشار رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي الى أن “مزارع القمح عالق بين الدولة التي دعت إلى تسليمه إلى المطاحن، والأخيرة لا تريد تسلمه لأنها تشتريه بالسعر المدعوم من الخارج. دولتنا اليوم خربت بيت المزارع، وطبعاً المزارعون عموماً بعد كل ما يحصل معهم اليوم سيفكرون في الموسم المقبل ألف مرة قبل إقبالهم على زراعة القمح”.

وقال في حديث لـ “لبنان الكبير”: “بعد كل المضايقات التي نتلقاها من الدولة بهذا الشأن أعلن وللمرة الأولى أنه لم يعد أمامنا سوى إقفال الطرق برمي القمح عليها، حتى نصل إلى حل ومعرفة مصيرنا ومصير محصولنا وبسعر جيد، ونرفض أن نبقى سلعة للتباهي بنا على المنابر فقط والآلية التي وضعوها فاشلة وتدل على درجة الغباء الموجودة عند كل مَن وضعها ووافق عليها”.

وطالب الترشيشي بوضع آلية جديدة عبر الدولة، مشدداً على وجوب “أن يفرض على كل من يريد الاستيراد من الخارج شراء ١٠٪ بلدي من المزارعين وتدفعها المطاحن وليس مصرف لبنان، وهكذا يأخذ الجميع حقه، ويشترى القمح بمبلغ أقله ٣٥٠ دولاراً”.

في الخلاصة، أحجم المزارعون عن بيع محصولهم للدولة وعن تقديم طلبات تسليم القمح الى وزارة الزراعة. للأسف في الوقت الذي يحتاج فيه المزارع إلى تحقيق أرباح في موسمه السنوي، تكون النتيجة محاصيل جيدة وأسعار “بالأرض”، فهل سنشهد تصعيداً في هذا الشأن ويصل المزارعون إلى هدفهم أَم أن خسارتهم واردة لا محالة؟

شارك المقال