“لعنة” جسر البالما في طرابلس… “غلطة” هندسية لا تُغتفر!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يكن يتوقّع كلّ من عبد العزيز ضناوي وكريم فاكهاني، أن تكون نهايتهما الحتمية على يدّ “صنّاع” جسر البالما في طرابلس، إذْ توفي الشابان بحادث سير مروّع على الأوتوستراد الذي تحوّل إلى مأساة حقيقية تحصد الأرواح وتُقلق الأحياء في المدينة ذهاباً وإياباً، بسبب الكوع الخطير الذي كان ولا يزال حديث مهندسين وخبراء ينتقدون هذا العمل الذي يتصيّد المواطنين وسياراتهم في وقتٍ يغفل فيه الكثير من الناس عن الخطورة المحيطة بهذا المكان “الملعون” حرفياً.

هذه الحادثة التي هزّت المدينة دفعت فرق الاسعاف في جهاز الطوارئ والاغاثة إلى نقل جثّة كريم إلى مستشفى طرابلس الحكوميّ، أمّا عبد العزيز فأكّد بعض المتابعين أنّه “طار” من سيّارته وعثر عليه لاحقاً أهالي المنطقة الذين هرعوا إلى المكان بحثاً عن جثته التي نقلت أيضاً إلى المستشفى، وهذا ما تنفيه والدته التي تُشير وفق مقرّبين منها إلى أنّ جثة ابنها وجدت أوّلاً خلافاً لأقاويل أثيرت حول هذه الحادثة، التي تحمّل جدّياً في مضمونها كارثة مرورية تراجيدية لا يُمكن التغاضي عن أضرارها.

كما لم يتوقّع أحد أصدقاء كريم رحيل صديقه بهذه الطريقة، وبحسب معطياته فإنّ عبد العزيز كان يقود هذه السيارة عائداً إلى طرابلس، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “وفق معلوماتنا التي لا تزال مبهمة قطعاً، كانا يقودان السيّارة بسرعة كبيرة وحين وصلا إلى كوع البالما الذي تقع عليه حوادث كبرى لا يُستهان بها، طرأ أمر ما على السيارة تسبب بانتقالها إلى المسلك الآخر الذي يُؤدّي إلى بيروت، وبعد هذه الحادثة لم يتبق من السيارة شيء يُذكر، وقد طار عبد العزيز من السيّارة وكريم وجد خارجها، كما علمنا أنّه بعد توجههما إلى المستشفى كانا بحالة صحية جيّدة لكنّ الحادث لم يكن سهلاً أبداً”.

ومنذ أعوام، يُطالب أهالي مدينة طرابلس بإيجاد حلّ جذريّ لجسر البالما أو “جسر الموت” كما يُطلق عليه البعض، ويُبالغ أحياناً بعض الطرابلسيين في وصفه بأنّه طريق غريب “قد يكون فيه وليّ من أولياء الله الصالحين” وذلك لتفسير ما يحصل عليه من حوادث متكرّرة في النقطة عينها، بحيث يرى البعض أنّ وقوع حوادث مختلفة يُشير إلى دفن أحد الأولياء الصالحين تحت هذه النقطة تحديداً، وهذا ما ينفيه علم التخطيط الهندسيّ تماماً، إذْ لا يتضمّن التفسير العلميّ هذه الفرضيات الروحية أو العرفية، بل هناك وقائع تلفت إلى وجود ثغرة هندسية فاضحة تُخالف سلامة المرور، من دون اغفال خطورة السرعة في قيادة السيّارات والحافلات التي تمرّ من هذا الطريق، بحيث هناك من يُؤكّد أنّ الشابين كانا يقودان سيارتهما بسرعة فاقت الـ 200، مع العلم أنّ الارشادات المستمرّة عند البعض والغائبة عند المعنيين والمتخصّصين كانت تُشيد بأهمّية عدم تجاوز السائقين سرعة الـ 80 أو الـ 90 كيلومتراً مثلاً كحدّ أقصى.

وبتفسير هندسيّ، فإنّ التصميم والتخطيط الهندسي لهذا الجسر لم يكن سوياً على الاطلاق منذ اللحظة الأولى لتنفيذه، فهو جسر غير مستقيم وفيه انحدار واضح يُفقد السائق قدرته على السيطرة على مركبته التي تخرج عن مسارها سريعاً لا سيما عند السرعة التي تزيد عن 100 كيلومتر. وفي وقتٍ عارض فيه الخبراء طريقة تصميم هذا الجسر وتنفيذه، لم يتحرّك نواب المدينة لإيجاد حلّ على الرّغم من أهمّية هذا الجسر الذي يربط المدينة بشمالها وبالمدن الأخرى باتجاه بيروت، الأمر الذي دفع بمواطنين إلى قطع الطريق الدولية التي تربط مدينتي طرابلس وبيروت عند نقطة منتجع البالما منذ ساعات، احتجاجاً على “إهمال الجهات المعنية تأهيل الطريق وعدم وضع إشارات وإضاءتها، ما يتسبّب دورياً بوقوع حوادث سير وسقوط قتلى وجرحى”.

ولا شكّ في أنّ الطرقات المرورية شمالاً، تشهد فلتاناً يكاد يكون الأخطر على الاطلاق، ويكمن في أمرين رئيسين: أولهما وجود رداءة هندسية خطيرة في بعض الأماكن والمحطّات مع الحفر “العميقة” التي تدمّر السيارات وتزيد من أعطالها، وثانيهما وجود “استلشاق” شعبي ورسمي بخطورة هذه الطرق أوّلاً وعدم تدارك هذه الأخطار ثانياً، فلا إشارات مرورية تتحكّم في الطرق، ولا حتّى شرطي السير قادر على تنظيم وضبط السير في طرق المدينة الداخلية وبعض المدن المختلفة بسبب عدم احترام البعض وتقديره لهذا العنصر الأمني الذي لا يقوم أحياناً بواجبه كاملاً كما يجب، ولا تحرّك رسميّ أيضاً يحدّ من هذه الحوادث كوضع الرادار الذي يُحدّد السرعات ويُعاقب متجاوزيها. وبالتالي، إنّ كلّ هذه التفاصيل تُشير إلى وجود “تخبّط” في السلامة المرورية شمالاً تُؤدّي بدورها إلى رفع نسبة حوادث السير التي كان يُمكن تداركها والتخفيف من وطأتها عبر خطوات لا تخرج عن أهمّية فرض “عباءة” الدّولة وأمنييها على المواطنين والحدّ من الفوضى المستشرية.

شارك المقال