من بين الـ 5 الأوائل عربياً… الاجهاد المائي يهدد لبنان بالعطش

حسين زياد منصور

في الصيف والشتاء، المشكلة نفسها، لا تدابير احترازية، وكأن لبنان ليس غنياً بالأنهار والمياه الجوفية، فهو على موعد دائماً مع تجدد مسلسل أزمة المياه. هذه الأزمة لا يعاني منها لبنان وحسب، بل هي أزمة كبرى وعالمية، وتدخل في أساسيات الحياة لمليارات الناس حول العالم، ولها انعكاسات عدة على سير معيشتهم.

مشكلة المياه هذه، من ندرتها أو بسبب حلول الجفاف، تعود الى سبب رئيس بحسب الكثير من الخبراء ألا وهو الأنشطة البشرية التي سّرعت في التغير المناخي، والذي لعب دوراً واضحاً في لبنان، وقد برز خلال السنوات الماضية، وظهر جلياً هذا العام، اذ لم تصل نسبة المتساقطات الى معدلاتها الطبيعية، وكان من الواضح تأخر الأمطار في كثير من الأوقات. هذه العوامل وغيرها سبب أساس في تهديد الأمن المائي اللبناني، اذ إن الينابيع والمياه الجوفية لم تتغذَّ بالصورة المطلوبة نظراً الى عدم تساقط كميات من الأمطار والثلوج بطريقة اعتيادية ومطلوبة، اضافة الى فشل عدد من السدود ولعل أبرزها سد المسيلحة الشهير بفضائحه.

ضرب النظام الايكولوجي

يؤكد أحد الناشطين والخبراء البيئيين في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن هذه الازمة عالمية، ولا تقتصر على لبنان فقط، بل تفاقمت فيه بسبب اهمال المسؤولين والقيّمين على هذا الملف من حكومات ووزراء ونواب. ويقول: “مخطئ من يظن أن ازمة المياه تطال الانسان وحسب، بل على العكس تماماً، فهي ستطال مختلف الكائنات الحية في البلاد، حيوانات، نباتات، أشجار، وحشرات. وتفاقم هذه الأزمة سيؤدي الى خربطة وربما ضرب النظام الايكولوجي، وهو ما ستكون له تبعات على الأمن الغذائي طبعاً”.

ويعدد بعض الاجراءات التي يجب على الجميع اتباعها في ظل غياب الدولة ودورها خصوصاً خلال هذه الفترة والأزمة الاقتصادية التي شلت ما تبقى من أداء، “فهناك مسؤولية ودور على الجمعيات والمنظمات القيام بها من خلال الندوات والاجتماعات والدورات عن ضرورة ارشاد الناس حول مخاطر الاسراف في استهلاك المياه وهدرها، وكذلك الأمر يقع على عاتق وسائل الاعلام من خلال عرض مقاطع مصورة وتشجيع الناس على عدم الاسراف والهدر والتوفير في استهلاك المياه والحفاظ على نظافتها بالدرجة الأساس، خصوصاً خلال فصل الصيف”.

ويضيف: “بالنسبة الى المزارعين، هناك العديد من الوسائل التي يمكن اعتمادها من خلال الري بالتنقيط على سبيل المثال، وبذلك يوفرون في المياه التي يستخدمونها ويخففون من مخاطر انقطاعها، الى جانب استخدام أجهزة حديثة يتم تعييرها لتوفر هدر الماء”.

ويشير الى أن “هناك العديد من الخطوات على الدولة اعتمادها، منها استغلال مياه الأمطار خلال فصل الشتاء وتخزينها كي تستخدم على الأقل في فصل الصيف، الاهتمام بالمياه الجوفية، واعتماد أساليب علمية في استخدامها كي لا تتسرب اليها النفايات وتتلوث وتصبح غير قابلة للاستخدام”.

وعن دور الدولة، يلفت الى ما تقوم به الكثير من حكومات الدول المتقدمة والمتطورة، من تكرير وإعادة تدوير المياه بأساليب حديثة وآمنة، وأيضاً تحلية مياه البحر عن طريق إزالة الملح منها، معتبراً أن “هذه تبقى مجرد تمنيات، وذلك لتقاعس المسؤولين عن هذه القضية”.

شبه انهيار في مؤسسات المياه

وكان المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية أشار في حديث الى شبه انهيار في مؤسسات المياه وتداعيات ذلك صحياً وغذائياً وانسانياً، عازياً السبب الى عدة جوانب وجهات، منها الأزمة الاقتصادية، وسوء إدارة قطاع المياه وتوقف الدعم والتمويل لهذا القطاع من الجهات المانحة والمنظمات الدولية.

ونبّه على أن هذه الأزمة ستطال المزارعين ومزروعاتهم لأنهم سيلجؤون الى الأنهار الملوثة، وستهدد الأمن الغذائي وتؤثر على اللبنانيين وآلاف اللاجئين،

موضحاً أن هناك سبلاً للمعالجة من تأمين فوري لإمدادات الوقود وتشغيل محطات الضخ وإزالة التعديات والمخالفات على الشبكة.

اجهاد مائي

وحذر تقرير دولي صادر عن “معهد الموارد العالمية” من أن 25 دولة في العالم تضم ربع سكان الأرض مهددة بشح في المياه بسبب الإجهاد العالي لمواردها المائية المتاحة، وأن النمو السكاني والأنشطة الاقتصادية والتغير المناخي ستفاقم من الإجهاد المائي مع غياب إدارة فاعلة للمياه.

وضم التقرير بيانات أشارت الى أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي، وهي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يتعرض 83% من السكان لإجهاد مائي مرتفع للغاية، وفي جنوب آسيا حيث تنخفض النسبة إلى 74 %.

وبحسب التقرير أيضاً فإن 25 دولة في العالم تعاني من إجهاد مائي مرتفع للغاية سنوياً، بينها 15 دولة عربية، ولبنان من ضمن الدول الـ 5 الأكثر تضرراً الى جانب البحرين وقطر وعمان والكويت.

وأوضح التقرير أن الآثار الناتجة عن الاجهاد المائي لن تقتصر على المستهلكين والصناعات المعتمدة على المياه، بل ستهدد الاستقرار السياسي في بعض هذه الدول، وأعطى مثالاً إيران التي شهدت احتجاجات سابقة بسبب سوء إدارة المياه.

وفي تعريف للإجهاد المائي بحسب المعهد، فإن أي بلد يواجه “إجهاداً مائياً شديداً” يعني أنه يستخدم ما لا يقل عن 80% من إمداداته المتاحة، ويعني “الإجهاد المائي المرتفع” أنه يسحب 40% من إمداداته.

اليونيسف

وتعد منظمة “اليونيسف” في كل عام تقارير تتمحور حول واقع المياه في لبنان منها تقرير بعنوان “صعوبة الحصول على المياه”، وآخر عن “نظام المياه وصل الى نقطة الانهيار”، وأشارت في تقريرها الأول الى أن آفاق التوصل إلى حل ستظل قاتمة بينما تستمر أزمة الطاقة، بحيث أن نقص الكهرباء يجعل من المستحيل ضخ ما يكفي من المياه، وفي بعض الحالات يتسبب بتوقف عمليات الضخ تماماً.

شارك المقال