ليلة اشتاقت اليها بيروت

لينا دوغان
لينا دوغان

على الرغم من أنني لم أكن أنوي حضور حفل عمرو دياب، لا لشيء إنما ما نعيشه في بلدنا من وجع ومآسٍ وانهيار، لم يعد يحفزنا كثيراً على الخروج للمشاركة في احتفالية كهذه مع أننا نحب الفرح ونرغب في العيش بسعادة ونحن أولاً وأخيراً من مدرسة الحياة لا مدرسة الموت، الا أن إحدى صديقاتي أصرّت على دعوتي مع مجموعة أصدقاء مشتركين لحضور الحفل، وبين ترددي وإلحاحها اتخذت القرار بالذهاب، أرسلت لي الدعوة مع أخرى لركن السيارة. في طريقي الى وسط بيروت لا أعرف وأنا في زحمة سير خانقة، لماذا تغيرت مشاعري وأصبحت متحمسة وكأنني منذ الاعلان عن يوم هذا الحفل قد قررت الذهاب؟

أحسست بشعور غريب يتملكني، وأنا أحاول الوصول الى “البيال”، تارة من هذا الشارع وتارة أخرى من شارع آخر، هرباً من الزحمة. الاتصالات توقفت وهي للمرة الأولى تتوقف في بيروت لفرح وليس بسبب انفجار، تتوقف بسبب غناء ورقص وليس بسبب موت. شعور لا يمكن وصفه عند مشاهدتي ورؤيتي لبيروت بعد كل هذه المدة من التقهقر والعزل حتى باتت أرضاً قافرة، وأنا التي لا أستطيع تحمل الازدحام وعجقة السير واختار أوقاتاً معينة لأخرج، بالأمس كنت في هذه الزحمة في قمة سعادتي وفرحي، بل ولم أتذمر من المحاولات المتكررة التي قمت بها بغية الوصول الى باب الدخول.

وصلت حيث مدخل السيارات، فتحت نافذة السيارة لأريهم بطاقة ركنها، وإذ بشخص يرحب بي قائلاً: “أهلاً بكِ، أهلاً برائحة رفيق الحريري”. غصّت عيناي بدموع موجودة أصلاً، من قال له انني في طريقي اليه؟ لم يكن في بالي الا رفيق الحريري وكأني بي أرى بيروت ليلة من ليالي رفيق الحريري، ليلة من أيام جميلة عشناها، مرّ زمن طويل لم تعشها بيروت.

كان الداخل أبيض اللباس… جميل رؤية اللون الأبيض يضيء ليل بيروت الحالك، كفاها سواداً بيروت. كفاهاً ظلاماً وظلماً بيروت.

موسيقى، غناء، إضاءة، ناس مسرورة فرحانة تغني، ترقص، تتمايل على أنغام غنت بيروت.

الجميع بانتظار “الهضبة”، الذي أطل عليهم أيضاً بالأبيض، غنى وغنوا، رقصوا حتى الجنون، استمتعوا بأغاني عمرو دياب، جديده وقديمه، ومع هذا كله ومع تقديري لوجود مطرب مثل عمرو دياب في بيروت، الا أنه لم يكن هو الحدث، بل الناس هم الحدث، هؤلاء الناس التواقون الى الحياة، المشتاقون الى الفرح، الراغبون في العيش بسلام، الطامعون ببلد طبيعي، نعم أنتم الحدث بلباسكم الأبيض الذي نوّر بيروت وليلها.

أما حكاية هذه الليلة فهي بيروت أم الدنيا، والتي ستبقى عاصمة العواصم التي لا يحلو السهر ولا تجد للموسيقى والغناء معنى الا فيها مهما حاولوا ايجاد أماكن أخرى لسماعهما. حفل عمرو دياب أثبت أن لبيروت حكاية جميلة لا تنتهي، فبيروت محبوها وعشاقها كثر، أكثر بكثير من مبغضيها، وهي لا تنكسر ابداً.

بيروت أحيت في ليلة من ليالي أحلام رفيق الحريري، كانت فيه مضاءة وبيضاء، حفلاً حضره الفنان عمرو دياب.

شارك المقال