مأزق دمج الطلاب السوريين… بين قطاع مُنهك وشرط التمويل 

راما الجراح

على أعتاب العام الدراسي الجديد المهدد بمصيره المجهول حتى اللحظة، وفي بلدٍ منهمك بأزماته المالية والاقتصادية، كشف منذ فترة رئيس لجنة التربية النيابية النائب حسن مراد عن ضغط أوروبي وأميركي لتعليم اللاجئين السوريين في دوامات ما قبلَ الظهرِ مكان الطلاب اللبنانيين، مؤكّداً متابعته الأمر كي لا يَحصل، في وقت نفى فيه وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي كل المعلومات حول هذا الموضوع، معتبراً أنها فبركات واشاعات ولا جهة دولية أو مانحة فاتحتهم في الموضوع.

وكان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل قد تطرق خلال مؤتمر صحافي الى تداعيات النزوح السوري على لبنان، ورأى أن “الخطر الآتي في قضية وقف المساعدات في حال عدم فتح المدارس قبل الظهر لتعليم السوريين، وبالتالي دمج الطلاب اللبنانيين مع الطلاب السوريين”، لافتاً الى أنه “خفض المساعدات للطالب من ٦٠٠ دولار الى ١٤٠ دولاراً للقول فقط ان ليست هناك امكانية مساعدة، وبالتالي يجب دمج الطلاب السوريين مع اللبنانيين في فترة قبل الظهر”.

وأكدت معلومات خاصة لـ “لبنان الكبير” أن “الدمج في المدارس في حال حصل يعني أننا ذاهبون إلى توطين غير مباشر”، فما رأي المعنيين بهذا الموضوع؟ وماذا عن مصير الطلاب اللبنانيين؟

طه: السوريون إخواننا ولكن الدمج غير عادل

وأشارت مديرة ثانوية المرج هيام طه الى أن “الحديث في هذا الموضوع لبس من باب العنصرية ولست ضد إخواننا السوريين، على العكس فتحنا لهم أبواب مدارسنا في فترة بعد الظهر لأن العلم من حقهم أيضاً، ولكن ليس عدلاً أن يتقاسموا مع الطلاب اللبنانيين فترة دراستهم في مراحل المدرسة. أما في الفترة الجامعية فلا أحد يمكن أن يقف أمامهم على العكس هذا التنوع جميل ومن حق الجميع أيضاً. للأسف اليوم نلمس أنه ليس هناك تقبل للطلاب بين بعضهم البعض، حتى أنهم ينتظرون بعضهم عند نهاية الدوام أمام بوابة المدرسة في الخارج ويتعارك الطالب اللبناني والسوري عينك عينك”.

من الناحية المنهجية، اعتبرت طه في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الطلاب السوريين كانت لديهم بعض الصعوبات بسبب اللغة الانكليزية، ولكن اليوم تم دمج مواد باللغة الأجنبية في المنهج حتى باتوا يدرسون في الكتب نفسها التي يدرس بها اللبناني في فترة قبل الظهر، وأكثر من ذلك بدأت المواد تُدرّس باللغة الثانية من الصف الأول ابتدائي، بينما في دوام اللبناني الموضوع مخيّر حتى الصف السادس، وكأنهم يطورونهم بصورة كبيرة”.

وأوضحت أن “المدارس الخاصة لا مشكلة لديها في الدمج لأن غالبيتها تفكر في الاموال التي ستكسبها من هذا الموضوع، على عكس المدارس الرسمية شبه المجانية التي تعتبر مدارس الفقراء في لبنان ويريدون أن يتقاسموها معهم. حتى في المساعدات من المنظمات، يأتي بدل نقل للسوريين للصف الأول، السادس، السابع، والثامن، بينما للبناني تم تأمين بدل نقل فقط للطلاب في الصف الأول، لماذا هذا التمييز؟ إذاً برأيي الدمج فكرة ليست في محلها، وبكل صراحة في مدرستي لا يمكنني أن أمضي في هذا الدمج في الوقت الذي لدي ٧٠٠ طالب لبناني قبل الظهر، و٨٨٠ طالباً سورياً بعد الظهر!”.

سروجي: الدمج بين الشق الانساني والتربوي

وأشار مدير “مركز الأبرار التربوي الخاص” وليد سروجي إلى أن “الكلام في هذا الموضوع ينقسم إلى شقين: الأول له بُعد إنساني، أخلاقي، وثقافي. ونحن ليست لدينا أي إشكالية، بالعكس نرحب بالطلاب من مختلف الجنسيات وخصوصاً السوريون الموجودون لأسباب قاهرة، وبالتالي لهم الحق في أخذ حقوقهم في كل المجالات ومن بينهم موضوع التربية والتعليم. ونحن نحذر تحت أي ذريعة أن يتم المُضي بعنصرية في موضوع كهذا، وأن نتعامل بخلفيتنا الثقافية، وغير ذلك ممنوع أخلاقياً وانسانياً، ونرفض التفرقة بين أي طالب لبناني وسوري أو فلسطيني وغيرهم”… .

أضاف: “أما الشق الثاني فهو في البُعد التقني، التربوي والأكاديمي، ولدينا إشكالية من خلال الإختلاف في المناهج أولاً، وليس من السهل دمج الطلاب الذين كانوا يعيشون ضمن منهج له طبيعته الخاصة، قائم على تعليم كل المواد باللغة العربية بخلاف المناهج اللبنانية التي لها طبيعتها الخاصة أيضاً”. وبحسب سروجي فان “هذا التفاوت يؤدي إلى صعوبات موضوعية، وهناك إشكالية في القسم اللوجيستي، هل المدارس لديها قدرة استيعابية؟ يمكن أن تكون لديها قدرات لتقسيم الدوام بين قبل الظهر وبعده، ولكن النسبة الأكبر لا تملك القدرة الاستيعابية للدمج، لم تُبنَ على هذا الأساس”.

وبالنسبة الى موضوع التمويل، أكد سروجي أن “هناك طلاباً سوريين لديهم أوراق ثبوتية، ويتعلمون في المدارس الخاصة اللبنانية، ولكنهم نسبة ضئيلة جداً بسبب تكاليف الدفع والأقساط، وهنا لمن يذهب التمويل؟ نعم هذا الموضوع عبارة عن معضلة تحتاج إلى حل واضح، وأساساً التعليم الرسمي في لبنان معضلة بحد ذاتها وغير معروف حتى الآن ما مصيره للعام المقبل”.

حيدر: شرط الدمج ليس بريئاً

تربوياً، أوضحت الخبيرة التربوية أمل حيدر أن “موضوع الدمج يعتبر عملية معقدة، ولو عدنا الى٩٠% من دول العالم لوجدنا الأمر ليس متوافراً للجميع إلا بشروط تعجيزية. الأمر ليس عنصرياً، ولكن لنتكلم بواقع علمي تربوي، فأزمة لبنان دفعت مئات الطلاب اللبنانيين الى النزوح للتعليم الرسمي ما سيشكل ضغطاً على القطاع الرسمي تخوف منه كثير من مدراء المدارس، وبالتالي فإن من الطبيعي جداً أن لا يتحمل القطاع مزيداً من الطلاب”.

وأوضحت أن “هناك كلاماً يشاع عن اضافة كوادر تعليمية من مختلف الجنسيات التي سيتم دمجها، وبهذا قفل باب التعاقد أمام أساتذة لبنانيين، وفرض كوتا معينة. واللافت أن عملية الدمج ستكون تحت اشراف منظمات دولية، ما يعني أننا فتحنا قطاعنا التربوي على مصراعيه أمام كل ما تحمله هذه المنظمات سواء من مناهج (قد تفرضها) لا تلائم أبداً لا الثقافة اللبنانية ولا السورية ولا الفلسطينية ولا العربية! لهذا فان ضغط المنظمات واشتراطها الدمج لتقديم المساعدات ليس شرطاً بريئاً، ولا توليفة اقتصادية، بل إن دخول المنظمات الى صلب التعليم العام سيجعل بيدهم دفة القيادة وكما تعودنا المنظمات الدولية ما بتدفع كرمال سواد عيون حدا، خصوصاً أننا في دولة يغيب فيها الكثير من آليات الرقابة”.

مأزق تعليم اللاجئين السوريين موجود، ولكن حلّه لا يزال معلقاً بين وزارة التربية، وسِعة المدارس الرسمية، وإمكان المُضي بدوام ومنهج واحد، فهل تشترط المنظمات الدولية “الدمج” للتمويل في ظل أكبر أزمة اقتصادية يعيشها لبنان وما يحيط القطاع الرسمي من مخاطر تهدد مستقبل المدارس بالمُضي في عام دراسي جديد؟

شارك المقال