نهر الشرندي… من كارثة بيئية الى وجهة سياحية

نور فياض
نور فياض

في بلد كان يوماً ما دوحة خضراء، وبحراً أزرق، وهواءً نقياً و”سويسرا الشرق”، التهم الفساد فيه كل قطاعاته فسادت المكبات العشوائية، والعبثية في الصرف الصحي، وتآكلت المساحات الخضر، فيما السلطة تكتفي كعادتها بالتبرير والوعود والكلام الشعبوي.

الكثيرون يضعون اللوم في كل اشكال التلوّث على الدولة ولامسؤوليتها، ولكن لا يمكن لومها وحدها حتى لو أن الجميع يعرفون أنها تصرف النظر عن مواضيع عدة بسبب غرقها في المشكلات السياسية، الا أن عنصراً آخر مشارك الى حد كبير في كل أنواع التلوّث وهو المواطن.

ولا تزال أزمة تلوّث المياه الى ازدياد في الآونة الاخيرة والناشطون يرفعون الصوت عالياً، فبعض مطالبهم تحقق والبعض الآخر لم يصل صوتهم فيه الى المعنيين، فيما آخرون قرروا البحث في المشكلات البيئية ودق ناقوس الخطر بصوت مرتفع ولكن بطريقة علمية ومهنية، وهذا ما فعلته جمعية “شبيبة مار شربل” في قضاء زغرتا، اذ تشير مديرة الجمعية روزابيل شديد عبر “لبنان الكبير” الى أن “نهر الشرندي يمر بمناطق عدة: مرياطة، عشاش، جزء من بلدة رشعين، حرف ارده، ارده، المردشية وصولاً الى نهر أبو علي، ومنذ ٢٠ عاماً يعاني سكان المنطقة من الروائح الصادرة عنه نتيجة التلوّث وخصوصاً مرضى الربو. وهذا النهر عبارة عن مجرى مياه الشتاء وأصبح بعد الأزمات التي أصابته مستنقعات للصرف الصحي. نفذ في الشرندي مشروعان للصرف الصحي الا أنهما لم ينجحا بسبب عوامل طبيعية عدة وأخرى متعلقة بالانسان (أي بتنفيذ المشاريع) وآخر مشروع أدى الى ضرر في جزء خارج نطاق حرف اردة.”

وتوضح شديد أن الجمعية “تأسست في العام ١٩٩٨ أي في المئوية الأولى لعيد القديس مار شربل وكانت تهتم بالنشاطات الدينية، الاجتماعية والثقافية الا أنها في السنوات الأربع الماضية ونتيجة الأزمة تحوّلت نشاطاتنا الى دعم أساس وصحي بمساعدة المغتربين الذين لم يتركوا البلدة أبداً وأمّنوا العديد من المساعدات العينية. وبعد أن قمنا بدراسة حول حاجيات البلدة، اتضحت لنا ثلاث مشكلات والأولية كانت لنهر الشرندي لتفادي تفشي الكوليرا والـHepatit A ، لذا تواصلنا مع المغتربين لدعمنا ثم قوّمنا المشروع مع المهندس الاستشاري طوني مشلب، والطوبوغراف يوسف العبدالله وبعد أن ضخينا المياه في الشبكة لكشف الأضرار، تبيّن لنا أن ضرراً كبيراً موجود في مرياطة، وكل ما قبله نظيف.”

وتكشف “أننا استعملنا طريقة ألمانية لحل هذه المشكلة، واخترنا حلاً بكلفة أقل نحمي به حرف ارده وهكذا يحوّل الصرف الصحي على الشبكة ويقطع بالـ collectorوالفتحات، وبالتالي جفّت المستنقعات التي كانت السبب الرئيس في تلوث البيئة، ما يعني أن المرحلة الأولى أي مرحلة التصليح انتهت. اما المرحلة الثانية فهي وقائية لتجنب الضرر شتاء وفيها نقوم بتنظيف النهر من القصب والنفايات والطريق المحاذية له. لذا تواصلنا مع الدكتور داني رومانوس الذي أطلعنا على عملية التخلص من القصب وهي عبر ثلاث فترات: ١٢ آب، ٢٦ آب و١٥ أيلول . وبدأ الشباب بهذه العملية، وهم ينظفون وجدنا ثلاثة آبار حوّلناها على مجرى النهر ليصبح يحوي مياهاً نظيفة.”

وتلفت شديد الى أن “هذه الكارثة البيئية تحوّلت الى وجهة سياحية وعادت الحياة البيئية الى نهر الشرندي وقمنا بنزهات عدة، واشترينا بذور السمك وبات باستطاعتنا رؤية الضفادع، والسمك بفضل المياه النظيفة.”

وتقول: “لا يمكن لوم البلديات فهي ذات امكانات ضئيلة ولا تعرف للأسف تنفيذ المشاريع أو كتابة الاقتراحات، لذا كان المغتربون الداعم الأساس، اذ كانت كلفة المرحلة الأولى تبلغ ١١ ألفاً و٩٤٠ دولاراً استطعنا تخفيفها الى ٧ آلاف و٧٧١ دولاراً، وكانت حصيلة التبرعات ٨ آلاف و٨٨١ دولاراً من المغتربين الذين لم يتركوا البلدة إن كان بالدعم المالي أو المساعدات العينية والانمائية”.

وفي ما يتعلق بتلوث المياه، يؤكد الصحافي والناشط البيئي منير قبلان عبر موقع “لبنان الكبير” أن “خطورة تلوّث المياه ومنها الأنهار تؤدي الى انبعاثات نتيجة رمي المواد الكيميائية والمياه الآسنة فيها، وبالتالي تتفاعل لتسبب أمراضاً مباشرة، كأمراض السرطان التي حصلت في نهر الليطاني في البقاع، وفي نهر أبو علي في طرابلس كانتشار الأوبئة واليرقان. كما أنها تؤدي الى نزوح داخلي للنجاة من هذه الكارثة والروائح الكريهة، لهذا فان للتلوّث أثراً اجتماعياً وصحياً”.

ويلفت قبلان الى أن “مياه الأنهر تستعمل لري المزروعات، وشرب المواشي، اضافة الى أن العديد من المناطق تسحبها باعتبار أنها مصدر أساس لها بسبب عدم وجود مصالح مياه قريبة، للاستعمالات اليومية من دون أية معالجة وتنقل الأوبئة والبكتيريا الى الإنسان عبر جسمه ونظامه الغذائي ما يسبب موتاً بطيئاً له”.

ويشير الى أن “معظم المياه اللبنانية ملوث (أنهار، بحار، آبار…) من عمل المواطن وليس الاستعمار، فهو غير مسؤول من خلال اعتدائه عليها، عبر تلويثها بالموبقات، وتصريف أوساخ المعامل اليها من دون المعالجة المسبقة. اذاً، الانسان هو من يلوّث المياه التي يعتاش منها، وبالتالي تقع عليه المسؤولية أولاً، ومن ثم الدولة التي لا تحاسب المخلّين بالأمن المائي وتتمادى في هدر هذه المياه الاستراتيجية التي لا يمكن العيش من دونها.”

ويعتبر أن “أي مبادرة تقوم بها الجمعيات، المجتمع المدني وغيرهم. للمحافظة على مصادر المياه وازالة التعديات، هي مبادرات مطلوبة ومشكورة، ولا يمكننا أن نطلب المساعدة من الدولة وحسب، بل من واجباتنا في غيابها أن نكون حاضرين. كما تقع المسؤولية على البلديات واتحاد البلديات والمحافظ ضمن النطاق الجغرافي أن يضعوا الخطط لإزالة التعديات ومحاسبة المخالفين ورفع الدعاوى على المخلّين بسلامة هذه المياه التي نحتاج اليها يومياً”.

يسود لبنان التلوّث بشتّى أنواعه ولا مواطن مسؤول، ولا امكانات في الدولة، ناهيك عن المشاريع الفاشلة والفساد والمحاصصة التي تمرّ عبرها. ويبقى المغترب هو عصب السياحة، الاقتصاد وحتى المشاريع الانمائية ومكافحة التلوّث الذي لا يؤثر عليه بطريقة مباشرة.

شارك المقال