على أي عام دراسي مقبلون؟

لينا دوغان
لينا دوغان

مع نهاية كل فصل صيف، يبدأ الأهالي والتلاميذ والأساتذة بالتحضير لاستقبال العام الدارسي الجديد بكل مستلزماته لا سيما المالية منها، واذا كان العام الماضي قد انقضى على خير بتقطيع الأقساط بين دولار ولبناني، فإن هذا العام ذاهب باتجاه أن تكون بالدولار، هذا على مستوى المدارس الخاصة، أما التعليم الرسمي فلم يدخل التلاميذ مدارسه سوى أشهر قليلة ولم يقبل الأساتذة بالتعليم إلا بضعة أشهر أيضاً نظراً الى الاجحاف الذي يطالهم، فما هي الصورة التي سيكون عليها العام الدارسي الخاص والرسمي هذه السنة؟

وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي يعتبر أن العام الدراسي الجديد ليس في خطر لا بل هو متفائل، مشيراً الى “أننا نستطيع بالتعاون مع روابط المعلمين والمعلمين، افتتاح عام دراسي، لكن علينا طبعاً أن نبحث عن توفير الأسباب التي تتيح هذه الفكرة وخصوصاً تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للهيئات التعليمية والادارية”. من هنا، ولأن التداعيات الكارثية للسنة الدراسية الماضية لم تنتهِ بعد، يبحث الحلبي واداريو وزارة التربية مع وزارة المال هذا الأمر وتحديداً لجهة ما هو مرصود للوزارة في موازنة 2023.

ومع تفاؤل الوزير الحلبي، يرى كثيرون أن العام الدراسي القادم ينبئ بكارثة خصوصاً على الطلاب في القطاع الرسمي في ظل تدهور المشهد التربوي في لبنان وأيضاً هناك تحذيرات من فرضية ضياع العام الدراسي الجديد، بعد كارثة تربوية بدأت منذ حوالي أربع سنوات وتعاظمت مع دولرة أسعار السلع والمواد الاستهلاكية في جميع القطاعات والمجالات الحياتية وتحديداً المحروقات. وما زاد الطين بلّة، تآكل رواتب الأساتذة والمعلمين، ما أدى الى موجة عارمة من الاحتجاجات والاضرابات المفتوحة التي شهدناها خلال السنة الدراسية الماضية. هذه الأسباب جميعها سرّعت الانهيار المالي والتربوي ووصلت الى انحدار معيشي غير مسبوق في البلاد.

بعد أن فرضت المدارس الخاصة في العام الدراسي الماضي مساهمة بالدولار الى جانب القسط بالليرة اللبنانية، تتجه هذا العام إلى رفع أقساطها مجدداً لتأمين رواتب الأساتذة والمصاريف المدرسية، بشكل يفوق قدرة الأهل على تحمّلها. وبالفعل تلقى أهالي التلامذة في بعض المدارس إشعارات تفيدهم بزيادات خيالية على الأقساط، التي تشير المعلومات المتداولة الى أنها ستتراوح بين 11 مليوناً و80 مليوناً، فيما المساهمة بالدولار ستتراوح بين 1000 و5000 دولار.

كل هذه الزيادات تأتي تحت عنوان ضمان استمراريّة العام الدراسي واستقراره، وبصورة أساسية للحفاظ على المدرّسين، إلّا أن اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة يرى أن هذا الأمر هو نصف الحقيقة. ففي حين لا يمكن لأحد أن ينكر اضطرار المدارس إلى فرض جزء من الأقساط بالدولار، إلا أن هذا الامر يحصل بصورة عشوائية ومثيرة للتساؤلات في عدد كبير من المدارس، لا سيّما مع رفضها إدراج هذه الزيادة في الموازنة التي تُحدّد القسط المدرسي وتخضعه للرقابة من جهات عدّة من بينها لجنة الأهل في المدرسة. وليس بعيداً، تعتبر نقابة المعلمين أنّ المدارس اضطرّت إلى دولرة جزء من أقساطها، ولكن لا بدّ لاتحاد لجان الأهل من التأكّد من أنّ المدرسات يستفدن من هذه الزيادات.

أما في التعليم الرسمي وهنا المشكلة الأكبر، فمع زيادة الأقساط في المدارس الخاصة بدأ الأهل بنقل أولادهم من الخاص الى الرسمي، وهذا ما يحمله عبئاً إضافياً فوق عبئه، فالحمل الملقى على عاتقه أصبح كبيراً جداً خصوصاً مع وجود الطلاب من النازحين السوريين.

من الطبيعي أن لا يقبل أساتذة التعليم الرسمي بما حصل معهم العام الماضي وقد أصبح واضحاً أنهم رتبوا مطالبهم لهذا العام وأولها رفع أجر الساعة ودولرتها لتتناسب مع الواقع الاقتصادي الراهن، الى جانب بدل النقل عن كل يوم حضور وهذا مرتبط أيضاً بليترات البنزين، إضافة الى أمور مطلبية أخرى. لكن اللجان وروابط التعليم تعتبر أنه اذا لم يبت بطلباتها وبقيت الأمور على ما هي عليه حتى الساعة فقرارها واضح أنها لن تدخل الى عام دراسي جديد.

من هنا تقع المسؤولية على الجميع في الحكومة والمجلس النيابي والجهات الدولية المانحة التي عليها توفير تعليم اللبنانيين وغير اللبنانيين، لوضع الحلول الناجعة لحل المعضلة القائمة وحماية التعليم الرسمي والسعي الحثيث إلى إنطلاقة مستقرة للعام الدراسي القادم، تعيد المستوى التربوي إلى سابق تألقه وإلى الامتحانات الرسمية والمدرسية، وتمكين الأساتذة والمعلمين من الوصول إلى مدارسهم وثانوياتهم وبمدخول يحفظ لهم حق العيش بكرامة ويشعرهم باستقرار إجتماعي، ريثما يتم تصحيح الرواتب، لأن ما نمر به من أوضاع اقتصادية بدأ يؤثر بصورة مباشرة وسلبية على الوضع التربوي وهو ليس راهناً، فخطورته بدأت منذ أربع سنوات لكن الخشية أن يكون هذا العام هو الأسوأ بين الأعوام السابقة.

لا شك في أن الوضع التربوي في الواجهة الآن، ولسنا هنا بصدد الطلب من وزير التربية القيام بمعجزة لحل هذا الأمر، لكن علّنا فقط نجد المخارج للإبقاء على أحد القطاعات الأساسية التي تميز بها لبنان بعد أن خسر إسمه في كل القطاعات الأخرى، إذ لم يعد لنا شيء نتمسك به في هذا البلد سوى العلم بعد أن خسرنا كل ما بنيناه.

شارك المقال