معرض للصحافة الزغرتاوية… مكاري لـ”لبنان الكبير”: التمسك بالاعلام الحر والمتحرر

نور فياض
نور فياض

عندما نقول زغرتا – اهدن أول ما يتبادر الى أذهاننا، الزعامات السياسية ومنها رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية الذي مثّلها خير تمثيل، واليوم تحوي تنوّعاً في الوجود السياسي، كما يخطر على بالنا عند ذكر المنطقة، الاصطياف والوجهات السياحية المختلفة، وكما المهرجانات الصيفية التي تجمع اللبنانيين وتستقبل أهم الفنانين. ولا تقتصر هذه المنطقة على ما ذكر وحسب، انما لمن لا يعرف زغرتا – اهدن لها تاريخ ثقافي عريق، فمنها صدرت صحيفة “اهدن” في ١٣ شباط ١٩١٣ أي ما قبل اعلان دولة لبنان الكبير، وفي سنة ١٩٢٥صدرت صحيفة “صدى الشمال”. ولتوثيق التراث الثقافي فيها، نظّمت “جمعية الشبيبة الاهدنية” برئيسها الباحث روي عريجي معرضاً لمناسبة ١١٠ سنوات على الصحافة الزغرتاوية برعاية وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري وفعاليات سياسية ونقابية وحشد من الاعلاميين.

ويؤكد الوزير مكاري عبر “لبنان الكبير” أن “الصحافة في اهدن ظهرت قبل لبنان ما يدل على أن اللبنانيين لديهم شغف للثقافة والحرية وبناء مؤسسات اعلامية، ومن الضروري والمفيد أن تتوافد الأجيال الجديدة لرؤية هذا المعرض في زغرتا التي تشبه لبنان بتاريخها، انتمائها وبمشاركتها تاريخ هذا البلد ومستقبله، لتتمسك أكثر وأكثر ببلدها والاعلام الحر والمتحرر.”

ويلفت الى أن “هذا النوع من المبادرات يقنع الأجيال بأن من اللازم أن تبقى في بلدها لما يحمل من تاريخ مجيد يجب أن يستمر، ويستمر بالطاقات الشابة التي من المفترض أن تمسك الرسالة وتكمل فيها.”

اما عن واقع الثقافة الورقية والاعلام الرسمي، فيشير مكاري الى أن “الصحافة الورقية في العالم تندثر، ونحن فخورون بأنها لا تزال موجودة في لبنان، ولا شك في أنها لا تعيش من البيع أكثر من أنها تتحول الكترونياً للاستمرار بسبب التكنولوجيا”.

وفي ما يخص “تلفزيون لبنان” يشدد على أن “التلفزيون الرسمي ضرورة فهو حافظ لذاكرة اللبنانيين والتاريخ وعلينا تطويره كما تفعل المؤسسات الخاصة، ونحن في صدد العمل على ذلك ونحضّر لشيئ له يبصر النور قريباً.”

وتصف الاعلامية سمر أبو خليل ما يحصل في زغرتا – اهدن بأنه “جميل جداً، ما يؤكد أن عمق الصحافة ضارب جذوره”، مذكرة بأن اللبناني أسس قسماً كبيراً من صحف الدول العربية ومنها مصر وسوريا “وهذا مهم وأساس لنعود ونتذكر مجدنا في هذه المهنة التي تتدحرج للأسف بعد ان كانت على أعلى القمم”. وتؤكد أن “هذا النوع من النشاطات يحفّزنا ونتذكر ماضينا وتاريخنا خصوصاً نحن معشر الصحافة والاعلام أصبحنا معشر غربان، فربما ننهض من جديد ونعرف قيمة أنفسنا.”

وحول الموضوعية في الاعلام، تقول أبو خليل: “للأسف لا موضوعية فيه، بل هناك من يشتغل على نفسه ليكون موضوعياً ووطنياً، اذ ليس لدينا اعلام وطني عموماً بل اعلاميون وطنيون.”

وتضيف: “لدي نقطة ضعف تجاه الصحافة الورقية فهي أم الصحافة، طبعاً لسنا ضد التكنولوجيا والتطور والعالم الافتراضي وكل هذا التقدم الذي أدى الى نقلة نوعية ومن بينها موقع لبنان الكبير، لست ضد ذلك فهو مصدر غنى ولكن بالتأكيد لا أتمنى أن تلغى الصحافة الورقية والمكتوبة وينتهي عصرها لأن رائحة الورق والحبر بحد ذاتها قيمة.”

ويروي رئيس “جمعية الشبيبة الاهدنية” ومنظّم هذا الحفل الباحث روي عريجي لـ “لبنان الكبير” قصته مع الصحافة الورقية، قائلاً: “منذ صغري كانت رائحة الجريدة وملمسها وصوت خشخشتها تجذبني فكنت أتصفحها حتى لو لم أفهم ما أقرأ. تطور الأمر بي الى حين استدعتني السيدة ريما سليمان فرنجية لتنظيم محفوظات إذاعة لبنان الحر الموحد المعروفة بإذاعة اهدن، فكنت أغوص ساعات وساعات بين تلك الأوراق الصفر والأخبار التي مر عليها الزمن وشخصيات باتت في خبر كان. وتعرّفت حينها على جريدة الوكالة الصادرة عن الاذاعة والتي كانت تغطي أخبار زغرتا والشمال خلال مرحلة ما بعد مجزرة اهدن ١٣ حزيران ١٩٧٨. هذا الأمر شدّني أكثر للبحث عن الجرائد والمنشورات الزغرتاوية بمساعدة السيد أنطوان بو عبود مسؤول أرشيف الاذاعة والمرحوم الشيخ ناصيف الشمر من خلال مكتبته العظيمة.”

ويضيف: “أول جريدة اقتنيتها جريدة اهدن التي كانت ضمن صندوق كتب اشتريته من سوق الجمعة في طرابلس. ومن هنا بدأ مشوار جمع الصحف والمجلات التي أتت على ذكر زغرتا والصحافة الزغرتاوية من صدى الشمال التي علقني بها صاحبها المرحوم الأستاذ قبلان انطون فكان يزودني بمقتطفات منها تخص عائلتي، الى مجلة البندر التي أصدرها جدي اميل سعاده عندما كان رئيساً لجمعية تجار زغرتا، ونشرة الكلمة الصادرة عن رعية اهدن زغرتا التي كانت تُوزَّع في الكنيسة وكرّت السبحة، فباتت الصحف والمجلات والنشرات هدف بحثي الدائم لما تختزنه من كنوز أخبار وأحداث حلوة ومرة، وهذا ما دفعني الى اصدار أول كتاب لي رئيس من الشعب، الذي وثّقت فيه كل ما كتبته الصحافة المقروءة في لبنان عن انتخاب الرئيس سليمان فرنجية في ١٧ آب ١٩٧٠. بعدها أصبحت معظم أبحاثي عن زغرتا ترتكز على الصحافة الزغرتاوية التي كانت تنقل الخبر المحلي الضيّق وما عليّ سوى معالجته في استقصائه من عدة مصادر للاقتراب من حقيقته قدر المستطاع”.

ويتابع: “صرت أبحث عن تلك الأوراق الضائعة التي غطاها غبار الزمن والنسيان وأسعى إلى شرائها أو البحث عنها في مراكز الأبحاث في الجامعات وخصوصاً جامعة الكسليك وفي مكتبات أشخاص عملوا وكدوا في هذا المجال مثل الاعلامي سركيس أبو زيد الذي زودني كنوزاً صحافية كانت تصدر في زغرتا في مراحل عدة. وبالتالي، أصبحت لدي مجموعة كبيرة من المنشورات الزغرتاوية دفعت اخوتي أعضاء جمعية الشبيبة الاهدنية الى اظهاري لها عبر تنظيم معرض للأعداد الأولى والأعداد المتوافرة من هذه المنشورات، تزامناً مع اعلان بيروت عاصمة للإعلام العربي للعام ٢٠٢٣ والتي أعلنها ابن اهدن وزير الاعلام النشيط الحبيب زياد مكاري الذي شرّفنا برعايته لهذا المعرض”.

ويلفت الى أن “المعرض هو الأول من نوعه في المنطقة ويكشف النقاب عن أعداد أولى أو متفرقة من تلك المنشورات الزغرتاوية التي توافرت وأعتقد أن هناك المزيد المخبّأ أو المنسيّ في خزائن البعض، وأتمنى أن تظهر بعد هذا المعرض”، مؤكداً أن “هذا المعرض ليس سوى لفتة وفاء لكلّ مَن وثّق أحداثاً مهمة من تاريخنا المعاصر، هؤلاء الذين تحلوا بالجرأة واحترام الخصوصية ولم يستسلموا انما شكلوا بقعة الأمل بالعيش في المرحلة التي كان فيها العنف سيد الموقف في زغرتا. وهو أيضاً لفتة وفاء لكلّ مَن آمن بأن الابداع يُخلق من قلب الحروب والمآسي الصعبة التي مرّت على زغرتا فتأسست اذاعة لبنان الحر الموحد من اهدن سنة ١٩٧٨ والتي سمح لنا مشكوراً الوزير سليمان فرنجية بعرض معداتها بالاضافة الى ماكينة الطباعة على الستانس في هذا المعرض. فهذه الاذاعة كانت أساس المرحلة الاعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية الجديدة في زغرتا والتي خرج منها اعلاميون من زغرتا وطرابلس والمناطق المجاورة”.

ويتمنى عريجي على “كل من يملك وثائق متعلقة بتاريخنا اظهارها خدمة لنا وللأجيال القادمة، لأن التاريخ هو معلم الشعوب الأكبر ومهمتنا جميعاً هي معرفة تاريخنا لإدراك حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا الذي يجب أن نعمل ليكون مزدهراً”.

شارك المقال