تفاصيل مرعبة تضمّنها القرار الظنّي في قضية لين طالب

إسراء ديب
إسراء ديب

شكّل القرار الظنّي الذي أصدرته قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصّار في قضية وفاة الطفلة لين طالب، صدمة كبيرة بين الأوساط الشعبية الشمالية التي لم تتوّقع التفاصيل المروّعة التي كشفت عنها القاضية بعد تحقيقاتها المستمرّة في جريمة تعرّضت لها الطفلة التي لم تُكمل الستة أعوام، يوم 25/06/2023، مطالبة بعقوبة الاعدام لخالها، كما لوالدتها، جدّها وجدّتها لإخفائهم وتستّرهم على المجرم ومعالم الجريمة، وصولاً إلى وفاتها من دون إسعافها سريعاً.

وفق القرار الظنّي، فإنّ والد الطفلة وهو عمر طالب كان قد امتنع مسبقاً عن إرسال طفلته إلى منزل والدتها قبل إتمام معاملات الطلاق، وبعد تدخل أصدقاء ومقرّبين وافق على أخذها إلى منزل جدّها فواز أبو خليل حيث تقيم والدتها وعد أبو خليل وجدّتها حيات الرز في الطابق الأرضي، علماً أنّ خالها المغتصب وفق القرار وهو نادر أبو خليل يُقيم في البناء نفسه أيّ في الطابق الأوّل مع زوجته صفاء، وكذلك عمّ الوالدة يقطن فيه مع زوجته.

وفي عيد الأضحى، وبعد مطالبة لين بعودتها إلى والدتها وصلت يوم 19/6/2023 إلى منزل جدّ الطفلة، ولم تكن الوالدة موجودة لأنّها كانت برفقة زوجة شقيقها نادر في المستشفى، فتُركت الطفلة عند عمّ الوالدة وزوجته، ثمّ أخذها جدّها إلى منزل بهية شقيقة وعد، وكانت صور الطفلة في المكانين تظهران حالة جيّدة وفق الهواتف المضبوطة.

عند عودة زوجة نادر برفقة مولودتها الأولى، لم تمكث في منزلها بل في منزل عمّها (والد زوجها)، وتبيّن أنّه بتاريخ 24/06/2023 حان موعد ولادة خلود شقيقة وعد، فذهبت الأخيرة معها وبقيت الجدّة في منزل ابنتها خلود مع أولادها، لتقوم بهية بإرسال صورة لوعد تُثبت فيها أنّ ابنتها لم تنم بعد لكنّها بحالة ممتازة، ولكن بتاريخ 25/06 تبدّل حال لين جذرياً، ما زاد من شكوك القاضية حول تنفيذ جريمة الاغتصاب في هذا اليوم تحديداً، وقيام نادر الذي يعمل في شركة خاصّة ضمن مرفأ بيروت بمسح المحادثات في هذا التاريخ أيّ يوم الأحد. وخلال انشغال العائلة بولادة خلود، وعدم وجود زوجته في الطابق الأوّل، “أقدم على الاعتداء على ابنة شقيقته الطفلة لين، بعد أنْ أقفل فمها، كيّ لا تصرخ ما أدّى إلى تورّم شفتيها وأمسك بيدها بشكلٍ قاس جداً، ما أدّى إلى حدوث فكش فيها واغتصبها من الخلف تاركاً كدمات وتمزّقات”، وفي ما يخصّ الفكش في يدها، قيل لأنّها كانت تلعب مع الطفل مصطفى هناك، لكن وفق التحقيقات نفى الأخير هذه الحادثة.

وفق التحقيقات، فإنّ لين لم تسكت بل دافعت عن نفسها فتركت خدوشاً بأظافرها حول عنق نادر الذي عزا ذلك إلى أنّ لين مضطربة وضربته لأنّه كان يُسرع بالسيارة، فيما قال في العزاء انّه كان يُلاعبها فخدشته، كما تبيّن أنّه يحتفظ بصور أطفال آخرين على هاتفه، ما يُشير إلى وجود هوس معيّن لديه بالأطفال.

إنّ المأساة التي عانت منها الطفلة، ضاعفها قرار المدّعى عليهم جميعاً بإخفاء معالم الجريمة وحماية نادر، وبعد اكتشافهم فعلته، أخذوها إلى طبيب لمعالجتها فطلب وضع رباط لها، كما وضعتها كلّ من جدّتها ووالدتها في مغاطس من الماء والملح لاخفاء جروحها وإخفاء الأدلة، فكانت الطفلة ترتعب من دخول الحمام وامتنعت عن قضاء حاجتها وأصيبت بحالة هستيرية مع نزف بسيط مستمرّ من الخلف لمدّة 5 أيّام.

وفي 28/06 تدهورت حالتها فأخذوها إلى مدينة الملاهي (الخال، الأم، زوجة الخال والجدّة) لتحسين نفسيتها وإخفاء الجريمة لكنّهم اضطروا إلى البحث عن طبيب أعصاب وفشلوا خصوصاً بعد ارتفاع حرارتها ومواصلة التقيؤ، فبحثوا عن شيخ ليقرأ عليها القرآن الكريم ولم يُدخلوها إلى المستشفى كيّ لا يُكشف أمرهم.

الطبيبان الشرعيّان: لو اعتنوا بها لما ماتت

يوم 29/06 أيّ يوم الوفاة، ارتفعت حرارتها كثيراً فأجبروا على نقلها إلى طوارئ مستشفى المنية، ورفضت الطفلة معاينة طبيب الطوارئ لها نظراً الى خوفها من الرجال، وطلب منهم أخذها الى طبيب أطفال لكنّهم غادروا المستشفى، واتجهوا إلى الطبيب الذي صدم من خوفها الدخول إلى الحمام ومن اقترابه منها، وحسب إفادته فإنّه كان أكّد لأهلها أنّها ستموت قائلاً: “ما رح تضاين”، لكن جدها طلب من الطبيب تعليق مصل، فرفض ذلك لإجبارهم على إدخالها إلى المستشفى لكنّهم رفضوا وطلبوا منه دواء.

وفي حالتها المتدهورة، قام مهران عمّ والدتها الذي كان يقود السيارة التي أخذتهم، بالتقاط صورة بطلب من المدّعى عليهم كيّ يقولوا إنّ والدها أحضرها بهذا الشكل وتبيّن أنّهم أبقوا عليها في المنزل وهي تحتضر، وعند الساعة السابعة والنصف فقدت الطفلة وعيها ونقلت إلى المستشفى مع عم الوالدة وزوجته فقط (خلافاً لإفادة الخال الذي كان أكّد أنّه نقلها إلى المستشفى) وتوفيت وحرارتها تتجاوز الـ 40، مع العلم أنّ الطبيبين الشرعيين اللذين كشفا عليها أكّدا أنّها ما كانت لتموت لو أعطيت العناية اللازمة.

وبعد ظهورهم إعلامياً، أكّد التقرير أنّهم قاموا بغسل الشورت الذي كانت ترتديه وملابسها الداخلية قبل تسليمها الى المحقّقين بعدما وجدوا في منزل الجدّ، مع العلم أنّ قميصها الزهري كان في منزل خالها، وعلى الرّغم من قيامهم بتضليل التحقيق عبر إطلاق أكاذيب إعلامية حيناً، وتسليم قطعة من القماش لا تمتّ اليها بصلة حيناً آخر، تبيّن أنّها عبارة عن ألاعيب وحيل للتلاعب بنتائج فحص الحمض النووي. كما تبيّن بعد كلّ الأدلّة التي لم يعترف بها المدّعى عليهم بل أنكروها، أنّ “محاولة المدّعى عليهم حماية خال الطفلة جعلتهم يُضحون بالطفلة عن تعمّد وسبق تصوّر وتصميم وتخطيط حتّى الموت”، ولا اعتداء سابق يسبق التاريخ الذي ذكر.

معنى القرار الظنّي

إنّ قاضي التحقيق الذي يُعدّ قاضي “ظن” بعدما يُباشر بتحقيقاته يتّخذ إجراءات ليصل بها إلى قرار ظنيّ ليتم الظن بالمدعى عليه حول ماهية الجرم المرتكب، لكن نصّار وبعد تحقيقاتها المفصّلة تبيّن معها تورّط الخال في الجرائم التي ذكرتها، أيّ جنايتي المادتين 503 و504 من قانون العقوبات التي تتحدّث عن عقوبة الاغتصاب بالنسبة الى الخال، أمّا المادّة 549 فتتحدّث عن الاعدام وتتضمّن الخال، الجدّ، الجدّة والوالدة.

وتنصّ المادّة 503 على أنّ “من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع، عوقِبَ بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقلّ، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتمّ الخامسة عشرة من عمره”. فيما تنصّ المادّة 504 من قانون العقوبات على أنه “يُعاقب بالأشغال الشاقّة لمدّة خمس سنوات على الأقل من جامع شخصاً غير زوجه لا يستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوه من ضروب الخداع، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتمّ الخامسة عشرة من عمره”.

فيما تنصّ المادّة 549، على أنّه “يُعاقب بالاعدام على القتل قصداً إذا ارتكب: عمداً، تمهيداً لجناية أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرّضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب، على أحد أصول المجرم أو فروعه”.

في السياق، يوضح المحامي المتابع لهذا الملف نهاد سلمى لـ “لبنان الكبير” أن “قرار نصار هو ظنيّ ولكن مبني على دلائل اعتمدت عليها في تحقيقاتها، حيث ومن خلال قرارها تطلب أنْ يصدر قرار اتهامي متوافق مع قرارها الظني ليتمّ إصدار حكم من محكمة الجنايات مطابق مواده القانونية لمواد القرار الظني لديها”.

ويُضيف: “إنّ الهيئة الاتهامية تتألّف من ثلاثة قضاة بحيث سيتمّ اعتماد معيار، إمّا اعتماد التحقيقات كافة لدى قاضي التحقيق، وإمّا التوسع بها، وإمّا بإعادة الاستجواب من جديد ليتمّ إصدار قرارها الاتهامي إمّا مطابق للقرار الظني أو مخالف للقرار بكلّيته أو بجزئية منه…”.

ويُتابع: “إنّ الملف سيُحال على المرحلة الأخيرة في المحاكمة حيث ستكون الجلسات علنية وسيُعاد أيضاً الاستجواب لكل المتهمين وكلّ من يخدم الملف من شهود وأطباء شرعيين ليتمّ إصدار الحكم حسب ما تراه المحكمة التي سيصدر حكمها إمّا بالبراءة أو بالإدانة”.

ويشير سلمى الى أنّه وعلى الرغم من “كوننا في عطلة قضائية، ولكن تمّ التعامل مع الملف إنْ كان من فرع المعلومات أو الآداب أو من القاضية ماتيلدا توما التي كان لها دور بارز في تفاصيل الملف لتدّعي على عناصر الملف بجرم الاغتصاب بالنسبة الى الخال، وبجرم القتل العمد بالنسبة الى الخال وشركائه ليحال الملف على القاضية نصّار التي عملت بحرفية تامّة في التحقيقات لتصدر قرارها الظني وفق ادّعاء النيابة العامّة الاستئنافية في الشمال متمثلة بالقاضية توما”.

تجدر الاشارة الى أن حكم الاعدام لا يُنفذ في لبنان لأسباب تتعلّق بالدّولة اللبنانية مع الاتحاد الأوروبي ليكون آخر حكم إعدام نفذ في العام 2004.

شارك المقال