أيها المتحرش… “بكبسة زر بتصير بالحبس”

ساريا الجراح

وأخيراً، بكبسة زر تستطيع المرأة اللبنانية أن تضع متحرشاً في السجن في دقيقة واحدة. ففي لبنان كانت وجوه اللبنانيين تسودُّ عند الحديث عن التحرش، والعادات ترفض حتّى التفكير فيه… الكثير من القصص المروّعة، نظرات التكتم على وجع الفعل والفاعل، والمجتمع الذي يغطّي الرأس على غرار غبار القلب المندثر تحت مسمّى “فضيحة”. اختباء، قلة اخلاق، وقاحة، جرأة، تهديد، ابتزاز وفي نهاية المطاف الضحية “كبش محرقة”، حيث السجون مليئة والمخافر مزدحمة والأماكن العامة تفتقد الأمان والشعور بالراحة.

حاولت الحكومة اللبنانية مكافحة هذه المشكلة من خلال إعداد قوانين وتشريعات تحمي النساء وتجرّم ظاهرة التحرش، واستطاعت تعديل مجموعة من القوانين في السنوات الأخيرة بهدف حماية ضحايا التحرش ومعاقبة المتحرشين لكنها لم تستكمل عملها لأسباب عديدة. ومع ذلك، أُقرّ اقتراح قانون تجريم التحرش الجنسي الذي كانت تقدمت به النائب عناية عز الدين عام 2019. فعلتها القوى الأمنية واستطاعت أن تحاصر المتحرش أينما كان بكبسة زر تدخله الى ما وراء القضبان في وقت قصير جداً. المفرح أن لبنان اليوم يجرّم التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من عشرة أضعاف إلى عشرين ضعفاً الحد الأدنى الرسمي للأجور.

أوضحت النائب عزالدين لـ “لبنان الكبير” أنها تقدمت في العام 2019 باقتراح قانون لتجريم التحرش الجنسي وتم اقراره في كانون الأول عام 2020 الى جانب اقتراح قانون لتعديل بعض مواد قانون الحماية من العنف الأسري. كما أنها تعمل على متابعة كيفية تطبيق هذا القانون. وتقول: “طرحت هذا القانون في أيار 2018 عندما شغلت منصب وزيرة تصريف أعمال لعشرة أشهر، أي أنني على اطلاع شامل على هذا القرار”.

وتشير الى أن التأخير في طرح قانون كهذا لا يقع اللوم فيه عليها بل يعود مباشرة الى من شغل المنصب قبلها، لافتة الى التقدم باقتراح قانون قبل وصولها الى المجلس لتعديل بعض مواد الوظيفة العامة وقانون العقوبات لتغريم التحرش الجنسي ولم تتم مناقشته بل أقدموا على حضور جلسة لجنة الادارة والعدل لمناقشة التعريف لكنهم كالمعتاد اختلفوا في ما بينهم.

وذكرت عز الدين بأن الوضع اللبناني عانى منذ مطلع العام 2020 الى 2023 الكثير من المآسي مثل كورونا والأزمات الاقتصادية وغيرها، وأنها توجهت مباشرة الى تحضير جلسة بعنوان “المراقبة اللاحقة لتنفيذ القوانين” لأول مرة.

أضافت: “أنا أتمم عملي على أكمل وجه، وأسهر على مراقبة فرضية حصول أي ثغرات أو توافق بين النص التشريعي والعمل القضائي.

وحول امكان وجود ثغرات قانونية، أكدت أنها ملتزمة بالقانون على الرغم من أنهم يعملون بأقل الامكانات في ظل شلل الادارات.

وشددت مصادر أمنية لـ “لبنان الكبير” على ضرورة نشر الوعي حول فضح المتحرش والتعامل معه تحت سقف القانون، كاشفة عن مبادرة لنشر الوعي بدءاً من منطقة الكورنيش البحري بالتنسيق مع جمعية “أحلى فوضى” و”ريبيكا دايكس” بين المواطنين عبر جهاز يتم الضغط عليه ويصدر صوتاً قوياً في حال كان أي متحرش يطارد أحداً في مكان معزول.

وأشارت المصادر الى أن هذه الطرق تهدف الى التوعية بعيداً عن الخوف في سبيل عدم التكتم عن أي متحرش والتوجه مباشرة الى إبلاغ قوى الامن الداخلي، مؤكدة أنها على الرغم من ارتفاع نسب الجرائم خلال الأعوام الأخيرة لا تزال سيفاً حادّاً يضبط ويسيطر على معظم الجرائم الخطرة.

وعن اقبال المواطن على مثل هذه الأساليب، قالت المصادر: “الاقبال أكثر من رائع فهم يُقبلون على مراكزنا، ونحن لا نتوانى عن نشر ملصقات في كل المناطق اللبنانية حافظين الأمن والأمان دفاعاً عن لبنان المعطاء. بالإضافة إلى جهود عديدة ترفع من مستوى الوعي والثقافة وتعزز المساواة بين الجنسين، هنا يمكننا بناء مجتمع يحترم حقوق كل الأفراد ويحد من حدوث التحرش”.

وصفت المواطنة ريتا الياس بشارة لـ “لبنان الكبير” التحرش بأنه “ظاهرة تتضخم يوماً بعد يوم”، لافتة الى أن أساليب التوعية التي يعتمدها الأمن اللبناني تسهم الى حد كبير في مساعدة الكثير من الضحايا، لكن العقدة الأساسية تكمن في الأمراض النفسية أي جذور الناس. وطالبت بقوانين تحمي المرأة والعائلة والأطفال، داعية وسائل الاعلام بالى كسر معايير التضخيم واعتماد أساليب تسلّط الضوء على الخطوط الحمر التي وضعتها الدولة اللبنانية.

“التحرش موضة ورمز للذكورية” هذا ما اعتبرته بشارة، معربة عن غضبها حيال تربية الأطفال منذ الصغر والتي تقتصر على ما يريدونه فقط وليس ما يتلاءم مع مصلحة العائلة والمجتمع.

“وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدقّ”، ولكن لا بد في مكان آخر من الاهتمام ببعض الأمور التي تخلو من الحريات وتستند الى واقع التربية ونظام الحياة الفكري، والثابت أن جزءاً كبيراً من الجرائم سببها الحرمان والتمسّك بالحاجة الجنسية والإثارة، والمجرم قد يكون ضحية غريزته أو ضحية حياة اجتماعية غير سليمة وكذلك تتحول الضحية غالباً الى “جلّاد”.

شارك المقال