العام الدراسي مهدد… تعليم طبقي وترشيق للقطاع العام

راما الجراح

لا أموال لبدء عام دراسي طبيعي في المدارس الرسمية. ما أبلغه حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري لوزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، غير مشجّع، إذ كرّر على مسمعه التوجهات العامة للمصرف بأنه لن يقرض الدولة دولاراً واحداً من دون تغطية قانونية وبالضمانات والشروط المعروفة، داعياً إياه إلى الضغط على الحكومة كي تدرج القطاع التربوي في رأس سلّم أولوياتها، وتراسل المصرف وتطلب منه تأمين المبلغ.

الـ ٥ آلاف مليار (٥٥ مليون دولار) التي أقرّها مجلس الوزراء، في جلسة ١٧ آب، لدعم التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية لم تصل إلى جيب المعلمين بعد، ونبّه المدير العام لوزارة التربية عماد الأشقر، على أن “قطاع التعليم في خطر هذا العام ووزارة التربية تواجه تحديات كبرى بعد نفاد الأموال”، كاشفاً أن الروابط التعليمية في القطاع الرسمي أبلغت وزير التربية أنها لن تعود الى التعليم براتب أقلّ من ستمئة دولار مع عملية تصحيح للرعاية الصحيّة وإلا لا تعليم في المدارس الرسمية هذا العام. ووجّه نداء إلى جميع المدارس الخاصة بأن توضح كلفة التلميذ لديها وعلى أي أساس تمّ تحديد الأقساط المدرسية، معتبراً “أننا وصلنا اليوم الى حائط التعليم الطبقي”.

في حديث لموقع “لبنان الكبير” أكد المستشار التربوي علي أبو ياسين أن “من الواضح حتى الآن أن بدء عام دراسي جديد قريب بصورة طبيعية صعب جداً، الأساتذة وعِدوا ب ٧ رواتب في شهر أيلول ولكنهم تقاضوا ٣ رواتب فقط ما يعادل ١٠٠ دولار للأستاذ الواحد، حتى بمعدل ٧ رواتب يكون راتب الأستاذ حوالي ٢٠٠ دولار أي لا يساوي شيئاً بحسب الوضع الصعب الذي نعيشه والتضخم والغلاء الفاحش في المحروقات وكل السلع، وبالتالي إمكان العودة إلى المدارس في الظروف الحالية برأيي مستحيل، والدولة لم تؤمن حتى الآن أبسط مقومات صمود القطاع التربوي”.

وأشار الى أن “كلام منصوري ليس جديداً، واليوم هناك واجب على مجلس النواب وواجب الوقت وهي مسألة ضرورية للاجتماع وتشريع الضرورة لقطاع التعليم العام والجامعة اللبنانية القائمة أساساً على الهبات والتبرعات من المجتمع الأهلي اللبناني قولاً واحداً، ما يعني أن الدولة لا تقوم بواجبها تجاه هذه المؤسسة الكبيرة، ومجلس النواب من قوانين هيكلة المصارف، والقوانين المتعلقة بالموضوع المالي يجب أن يقرها لتسوية غطاء لأي اقراض جديد للحكومة اللبنانية، وبالتالي وزير التربية أطلق صرخة محقة جداً في حال لا يري مصرف لبنان اعطاءه، والجهات المانحة لا تريد المساعدة، من أين يأتي بالأموال لإطلاق العام الدراسي؟”.

وعن خطورة ترشيق القطاع العام، قال أبو ياسين: “اليوم يدفع الثمن الطالب الذي يتعلم بصورة ليست كاملة منذ ٤ سنوات، وبهذه الطريقة تسهم الدولة في ضرب أهم وأبرز قطاع كان واجهة لبنان وكنا نتغنى به على أنه مدرسة العرب. ومن جهة ثانية الأستاذ الذي ضحى كل هذه السنوات براتب لا يتعدى ال ١٠٠ دولار. وهناك موضوع مهم يجب الإشارة إليه هو أن هناك بعض المسؤولين يقول ان ما نمر به الآن هو فرصة لترشيق القطاع العام، وهذا مطلب وضعه صندوق النقد الدولي لإقراض لبنان، ما يعني تخفيف التضخم في هذا القطاع، ويستدلون أن هناك أكثر من ٢٠٠٠ أستاذ في لبنان تقدموا بإجازات من دون راتب أو بإستداع تعليمي، وهذا يعني أننا ذاهبون في طريق الترشيق”. أضاف: “الكلام خطير لسببين، الأول الأساتذة الذين يهاجرون هم نخبة الأساتذة ونحن نخسرهم في القطاع العام، والسبب الثاني أن مَن يقود هذا القطاع هم الذين دخلوا من دون كفاءة وبواسطة سياسية، وإذا استمر هذا الموضوع لعامين فسيدمر القطاع العام”.

“في الشق السياسي، من المعيب على المعطلين الاستمرار بهذه الطريقة والتسبب بإنهيار أهم قطاعات في الدولة من التعليم إلى الصحة والعسكر، وبالتالي عملية التعطيل التي تقودها أطراف سياسية من أجل تحقيق مكاسب فئوية على حساب لقمة عيش الشعب اللبناني، وتعليم هذا الشعب، يجب أن تلقى استنكاراً ورفع الصوت لأجله” بحسب أبو ياسين.

وفي ما يخص النزوح من المدرسة الرسمية إلى الخاصة، رأى أن “أي ولي أمر يستطيع أن يضع ابنه في التعليم الخاص ويتحمل النقل ليذهب بالتعليم الخاص، ولكن لا نريد أن نذهب في لبنان إلى التعليم الطبقي، ما معناه مَن يملك المال يتعلم ومن لا يملك المال لا يتعلم وهذه المشكلة، ومن جهة ثانية الخوف من الاضرابات وحالة عدم الاستقرار في المدارس الرسمية تستدعي إعادة النظر فيها. للأسف، نسينا الدستور اللبناني الذي ينص على حق التعليم للجميع ونقطة على السطر، والدولة من واجبها تأمين التعليم الأفضل لكل الشعب اللبناني بجميع مستوياته، واليوم ما يحصل أننا نؤسس للتعليم الطبقي، وأي موظف في التعليم الرسمي يستطيع تعليم أبنائه في المدارس الخاصة؟”.

مدير مدرسة “المقاصد” عدنان صوان أكد أن “هناك نزوحاً ملحوظاً من المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة”، متوقعاً “أن يكون العام الدراسي لهذا العام شبيهاً بالعام الماضي من اضرابات وتعطيل، حتى تتدخل جهات مانحة لمساعدتهم في الإستمرار”.

وأشار إلى أن “الصفوف في مدرستنا Full، وهناك إقبال على المدارس الخاصة وأقساطنا مقبولة جداً مقارنة بغيرها وبالأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، وهناك منحة بحوالي ٣٠ ألف دولار ومليار ونصف المليار دولار، يتم توزيعها على طلاب المنطقة، وعليه يحسم لكل تلميذ ١٥٠ دولاراً، وباللبناني من ٥ إلى ١٠ ملايين، بالإضافة إلى أن هناك دعماً للطلاب المتفوقين من معدلهم من ١٢ إلى ١٦ ينالون منحة ٢٠٪، ومَن معدلهم فوق ال ١٦ تصل المنحة إلى ٣٠٪، وطبعاً معروف عنا مستوى المدرسة العالي، ومعدلات الطلاب المتفوقة، ونسبة النجاح في الامتحان الرسمي ١٠٠٪”.

واعتبرت مديرة “مدرسة حوش الحريمة الرسمية” اسعاف أحمد “أننا يجب أن نثق بما يقوله وزير التربية الذي طمأننا الى أن هناك عاماً دراسياً، وما يتم الحديث عنه حول خطورة البدء بعام دراسي جديد وعدم احتمال الاستمرار فيه مجرد كلام سوشيال ميديا واشاعات لضرب القطاع ولا آخذها في الاعتبار، ويجب على الجميع الاعتماد على المصدر الرسمي، وحتى الاَن هناك عام دراسي طبيعي سيبدأ قريباً”.

وبالنسبة الى أوضاع الأساتذة، قالت: “كان هناك إجتماع في ١٧ أيلول، ووعد وزير التربية عباس الحلبي بتحسين رواتب الأساتذة، ونحن نثق بكلامه. وللأسف هناك نزوح للطلاب من المدارس الرسمية إلى الخاصة بسبب فقدان الثقة بعدم حصول إضرابات كالعادة أو تعطيل لأشهر طويلة، على الرغم من ثقتهم بكفاءة الأساتذة فيها”.

شارك المقال