سلامة الغذاء بين العجز عن المراقبة وضياع الصلاحيات

نور فياض
نور فياض

سؤال نطرحه على أنفسنا أو يُطرح علينا دائماً: هل تعرفون ما تأكلون في المطاعم؟ هل أنتم متأكدون من سلامة الغذاء لديها؟ والجواب يكون دائماً: “على أساس أن كل ما نأكله في البيت نعرف ما هو”. اذاً، نستخلص من ذلك أن اللبناني يعلم أن لا رقابة على المنتجات الغذائية والصحية ومسلّم بالأمر الواقع، لأن دولته غير آبهة بسلامته بسبب الفساد الذي يتوغّل فيها، “شو وقفت على الأكل؟.”

يشير رئيس الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء البروفيسور ايلي عوض عبر “لبنان الكبير” الى أن “التحضير لقانون الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء بدأ سنة ٢٠٠٤ ضمن الاستراتيجية التي وضعها الوزير الشهيد باسل فليحان، وأقر القانون في اللجان النيابية سنة ٢٠١٧ وفي ٢١ أيار ٢٠١٨ تمّ تعييني كرئيس لها. ينصّ القانون على أن رئيس الهيئة ومجلس ادارتها هما من يقترحان المراسيم التطبيقية ليقرّها مجلس الوزراء ولكن حتى اليوم لم يعيّن المجلس، ما يجعلنا غير قادرين على مراقبة أي منتج.”

ويوضح أن “لدينا نقطتين في ما يخص الغذاء: المنتج الوطني والمستورد. تبدأ الرقابة على الانتاج from farm to fork أي من المزرعة الى المائدة، وتستهل من المواد الأولية التي نزرعها مثل الحبوب وانتقاؤها لنصل الى التحولات الجينية التي تنفّذ على البذور والشتول ليصبح لدينا انتاج ذو مناعة من دون التعرض للمبادئ والأخلاقيات الانسانية، إضافة الى المبيدات الزراعية التي تستورد وآفاتها وتؤثر على الصحة العامة وهنا حدث ولا حرج، والنائب وائل أبو فاعور تقدم بإخبار عنها مؤخراً، اذاً لا رقابة عليها. ومن المشكلات التي نواجهها، وتدخل عبر المعابر الشرعية واللاشرعية مواد كيميائية بحجة استعمالها كمبيدات للحشرات المنزلية، لكن تستعمل أيضاً على المزروعات التي يستهلكها الانسان والماشية. اما المشكلة الثانية فتكمن في الريّ، اذ تسقى بمياه آسنة، وبدل استخدام مياه الينابيع والأنهر العذبة، نلوّثها وتصبح غير صالحة نظراً الى ما تحويه من نسبة تلوّث عالية جرثومية وكيميائية ورائحة فيزيائية.”

ويقول عوض: “لا رقابة على الأسمدة أيضاً، اذ سمعنا من الاعلام أن مواد مشعّة تستورد تحت أسماء شركات مختلفة وبما أن لا رقابة في المرفأ ولا حتى على الشاحنات، تتاح للشركات ادخال ما يحلو لها ما يؤدي الى وجود مواد مسرطنة في البهارات والعديد من المنتجات التي من المفترض فحصها لمعرفة ما اذا كان بها الافلاتوكسن، وبغياب الرقابة تستعمل هذه المادة من دون فحص، ولو أردنا فحصها لتخبطت مختبراتنا لتأمين المصاريف التشغيلية إن وجدت حالياً، ومن دون معرفة كيفية استعمالها ما يسبب مشكلات صحية”.

ويضيف: “لا يقتصر الفساد على ذلك، بل يطال المنتج أيضاً اذ يستعمل الـAntibiotic من دون وصفة طبية من طبيب بيطري بسبب الأزمة الاقتصادية وللتوفير. مثلاً، تحقن البقرة بهذا الدواء في الوقت الذي لا تحتاجه، أو يمكن الاستعانة بمواد مضادة مناسبة، فينتقل الى حليبها ومنه الى منتجاته ثم الى الانسان الذي لا يجب أن يأخذه، وبذلك نرفع مستوى المناعة لديه وتصبح معالجته بالمضادات أكثر صعوبة بل مستحيلة في بعض الأحيان لاكتسابه مناعة ضد هذه المضادات.”

ويؤكد “أننا نعاني من انحدار في مستوى الصحة لعدم وجود معالجة طبية صحيحة ولا أموال كافية لها ما يزيد من الأمراض المزمنة. لذا، نحن بحاجة الى التخفيف من كلفة أموال قطاع الصحة، في المقابل صحة الانسان تهمنا ولا نستطيع أن نكون ضد سلامة الغذاء، فهذا خط أحمر.”

ويستذكر عوض نشأة الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء “فهذا المشروع هو للشهيد باسل فليحان مع الرئيس رفيق الحريري، اللذين رأيا عبر الاتفاقات الدولية الموقعة مع الحكومات المتتالية من ضمنهاWTO ، ضرورة تأسيس هذه الهيئة وتكون معتمدة لبنانياً ودولياً، بينما اذا كانت مسماة الهيئة الوطنية للغذاء فتمثّل سلامة الغذاء داخل الأراضي اللبنانية فقط”.

ويشدد على “أننا مسؤولون عن مراقبة المنتج المحلي، والمستورد والمصدّر لتكون عائداته الاقتصادية تحسن مجتمعنا ونهتم به صحياً، بيئياً، زراعياً، صناعياً، سياحياً، اقتصادياً وخارجياً”، مؤكداً “اننا بحاجة ماسة الى هذه الهيئة ومن يحاول الاستيلاء على صلاحياتها هو مجرم ويسعى وراء سلطة من أجل التبجح كما يحصل اليوم ويحاول رشوة بعض الأشخاص لتمرير مشروعه السلطوي”.

ويحذر من أن “الندم لاحقاً لا يأتي بالنتيجة، والتراخي والاستلشاء بصلاحيات الهيئة لهما عواقب والغد لناظره قريب. فالهيئة لديها صلاحية على ٨ جهات لذلك من الضروري تعيين مجلس ادارة ليقوم بمراقبة واحدة one stop shop والمنتِج لا يمل من رقابة الدولة”.

ويشير الى أن “هيئة سلامة الغذاء مخصصة ولها صلاحيات محددة يجب السعي الى تعيين مجلسها وإصدار مراسيمها التطبيقية. وهذا ما جعلني أزور النائب طوني فرنجية بصفته عضو لجنة الاقتصاد وأكد لي دعمه لنا وسيكون له موقف في جلسة ٧ أيلول المخصصة لتعديل القانون الذي نتحدث عنه، كما سيكون لديه موقف عادل لتبقى صلاحيات هيئة سلامة الغذاء قائمة من دون ضياع”.

وفي السياق، غرّد النائب فرنجية عبر تطبيق ” X” قائلاً: “فوجئت بعدم امتلاك الهيئة لأي جهاز رقابي، فهي تعمل من دون مجلس ادارة وموظفين وهذا ما يفسّر حالات التسمم الكثيرة. الدعوة هي الى اصدار المراسيم التطبيقية للهيئة من الجهات المختصة حفاظاً على سلامة الغذاء والمواطنين”.

فهل سيتحرك باقي النواب ويضعون سلامة المواطن أولاً، أم أن مراقبة المنتج تغطي الصفقات وخصوصاً أننا في بلد لا يخضع للقانون ولا حتى للمحاسبة؟ ويبقى السؤال لأصحاب المطاعم: هل تدخلون الى منازلكم ما تطعمونه لزبائنكم؟

شارك المقال