أحباب الله

السيد محمد علي الحسيني

لقد جعل الله الحب رباطاً روحياً يربط بينه وبين عباده، وجعل أساس عبادته حبه، فالعبادة تأتي حباً لا كرهاً، “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”، فتجد الإنسان يتقرب إلى الله محبة لأنه الشعور الذي يجعله يحس بالسكينة والأمان والإطمئنان، كذلك فإن الله هو أصل الحب، وخلق عباده بمحبته وهو الذي قال في نبيه موسى عليه السلام: “وألقيتُ عليك محبة مني ولتُصنع على عيني”، ولا شك أن الله جل جلاله جعل لحبه مكانة وشروطاً وهو القائل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ”، كما أن الله خصص عباداً بحبه وهم الذين يجتهدون في عبادته ويتقربون إليه آناء الليل وأطراف النهار، وفي الحديث القدسي يقول تعالى: “وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ”.

حب الله عبادة

حب الله فطرة إنسانية فطر عباده عليها، لكن الإنسان قد يحيد عنها، فيبتعد عن سبيل الرشاد فيتخذ من دون الله إلهاً آخر، وهناك من لا يعي المفهوم العميق لمحبة الله وعبادته، لذلك وصفهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالقول: “إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار”، ولا شك أن من ذاق حلاوة محبة الله أدرك أهمية طاعة الله وعدم معصيته، وقد جاء عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام في مناجاة المحبِّين: “إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبَّتِك، فرامَ منك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربك، فابتغى عنك حولاً، أسألك حُبَّك، وحبَّ كلِّ عمل يوصلني إلى قُربك، وأن تجعلك أحبَّ إليَّ ممَّا سواك، وأن تجعل حبِّي إيَّاك قائداً إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك. يا أرحم الراحمين”.

لذلك، من رغب في محبة الله فالسبيل إليها بالاجتهاد في الطاعات وعمل الصالحات والإكثار من العبادات واجتناب السيئات والمعاصي والمنكرات التي حرمها ونهى عنها لما فيها من أذية وشر للإنسان، ومن علامات حب العبد لربه ما جاء في حديث رسولنا الأكرم (ص): “ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، ومَن أحَبَّ عَبْدًا لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، ومَن يَكْرَهُ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ، بَعْدَ إذْ أنْقَذَهُ اللَّهُ، منه كما يَكْرَهُ أنْ يُلْقَى في النَّار.”

الظافرون بمحبة الله

إن الذين ظفروا بمحبة الله فقد فازوا فوزاً عظيماً، لذلك يتنافس عباد الله في حبه فطوبى لمن كتب عند الله من الأحباب، وقد قال حبيب الله محمد (ص): “إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ”، نعم، إن أثر محبة الله ورضاه على أحبابه تظهر بكل وضوح، وإن الله في كتابه الكريم عدد صفات عباده الذين اصطفاهم بمحبته، فهو يحب عباده المحسنين الذين يتقونه سراً وعلانية “وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”، كما أنه أحاط التوابين والمتطهرين بمحبته وهو القائل: “إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين”، كما أنه تعالى بشّر الصابرين على البلاء وعلى مصائب الدنيا بقوله: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”، وكثير من الصفات الأخلاقية التي ذكرها عز وجل في الكثير من آياته وما جاء في الأحاديث النبوية، كالعدل والقسط بين الناس “إن الله يحب المقسطين” والتصدق على فقراء الأمة والمحتاجين لإدخال السعادة في قلوب الناس وليعم الخير في المجتمعات، كما أن الله أشاد بعباده الشاكرين لأفضاله، لأنهم يدركون أن كل خير فهو من الله وخير عباد الله الشاكرين في السراء والضراء “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ”، فجعلنا الله وإياكم من أحباب الله الذين فازوا بمحبته وألطافه.

شارك المقال